التقى بنا في فندق باريسي فخم، ببذلة وربطة عنق، وبنظارات صارمة لا تستطيع إخفاء وجه مبتسم، خرج مصطفى الخلفي من مقابلة مطوّلة مع ممثلي مؤسسة ألبرت لوندر التي ألغت حفلًا كان مقرّرًا في طنجة بعد واقعة طرد صحافيين فرنسيين من طرف السلطات المغربية في 16 من فبراير الماضي. "لقد شرحت لهم كلّ شيء، ووعدوني بأنهم سيجرون تحقيقًا" يقول وزير الاتصال المغربي. إذن فنحن لن نعرف أكثر، فقط ما يدّل على أن الخلفي قدم لهم أدلة تثبت "شرعية" المبادرة المغربية. كان الخلفي في زيارة لباريس في الفترة ما بين 25 و27 فبراير، عشيّة استئناف التعاون القضائي بين المملكة المغربية وفرنسا، أجوبة الوزير غير الكاملة لإذاعة أوروب 1 كانت مثار سخرية في الشبكات الاجتماعية، غير أن ذلك لا ينفي أنه رائد في التواصل داخل حزب العدالة والتنمية، لكن هل فشل الوزير في توسيع زوايا العمل على رأس وزارة يسيّرها منذ يناير 2012، لا تزال تحمل الآثار السلبية لنظام إدريس البصري، منذ أن كانت الوزارة ملحقة بوزارة الداخلية في الفترة ما بين 1985 و1995؟ وُلد في مدينة القنيطرة عام 1973، ترعرع مصطفى الخلفي في عائلة معروفة بقربها من حزب الاستقلال، والده كان يستقبل بشكل دوري كلا من علال الفاسي ومبارك البكاي، هذا الأخير الذي صار في وقت لاحق رئيس حكومة المغرب المستقل. عام 1989، وعندما كان لا يزال طالباً، تعرّف مصطفى الخلفي على عبد الإله بنكيران، الذي كان في ذلك الوقت زعيم حركة الإصلاح والتجديد، تيار دعوي اندمج فيما بعد مع حزب الحركة الشعبية الديمقراطية الدستورية لصاحبه عبد الكريم الخطيب، ممّا أفضى إلى ولادة حزب العدالة والتنمية عام 1998، في مرحلة انفتحت خلالها الملكية على اليسار وعلى الإسلاميين الذين يحظون بوضعية قانونية صحيحة، وذلك لهدف إضفاء تعددية على المشهد السياسي. كان عبد الإله بنكيران يبحث عن شاب متشبع بالقيم الإسلامية ويتوفر على معارف قوية لغرض منح الحزب صورة معاصرة، فبدبلوماته الثلاثة، واحد في الفيزياء، الثاني في العلوم السياسية، والثالث في الدراسات الإسلامية، وبتوجهه الأنغلو-سكسوني، وبحصوله عام 2005 على منحة فول برايت التي سمحت له بزيارة واشنطن لدراسة عمل الكونغرس الأمريكي، كان الخلفي يتوفر على السيرة المناسبة، فقد تسلّق جميع مستويات الحزب، واستطاع إدارة جريدة التجديد المقرّبة من الحزب، ثم وصل إلى الأمانة العامة للحزب في يوليوز 2012. "بنكيران كان دائمًا بمنزلة الأب بالنسبة لي" يعترف الخلفي، فغالباً ما يشاهد الناس الرجلين معاً، إذا لم يكن ذلك في مركز لقاءات الحكومة، فإنه يكون في الفيلا العتيقة الخاصة ببنكيران في حي الليمون بالرباط، في لقاءات خاصة باستخلاص أهم المعلومات. بتجرته الكبيرة في الصحافة، يساعد الخلفي بنكيران لأجل صياغة خطاباته، وفي المقابل، يقدّم له بنكيران المشورة من أجل إحباط مناورات خصومه، ومنها ذلك النقاش الذي دار عام 2012، والذي جعله في مواجهة مديري قنوات القطب العمومي المغربي فيما يخصّ دفاتر التحملات، ف"عندما يحس أن تلميذه يعاني في نزاع ما، لا يتردد الذئب العجوز في مهاجمة الخصوم أمام أنظار الجميع" يقول لنا مقرّب من الخلفي. عندما يخرج بنكيران مخالبه، يحاول الخلفي أن يلعب دور الباحث عن السلام، "لا مشكل لديّ مع مديري القطب العمومي( يقصد سليم الشيخ مدير القناة الثانية وفيصل العرايشي مدير الSNRT)، إنهما صديقايّ، وكثيرًا ما نتحدث عبر الهاتف. القناة الأولى والقناة الثانية تعدان مؤسستان استراتيجيتان بالنسبة للدولة، وبالنسبة لي كعضو عادٍ في مجلسهما الإداري، فالأكيد أنني لست من أملك الكلمة النهائية" يقول لنا الخلفي. حرية التعبير، مدونة الصحافة، الرقابة على بعض الأعمال السينمائية.. في كل سؤال قد يسبّب له الضيق ، يشتّت الخلفي الكرة بعيدًا، ويشير إلى عدد الأوراش التي أطلقها منذ مجيئه إلى الوزارة. بسلسلة من الأرقام التي يتلوها، يظهر أن التلميذ في طريقه لتجاوز معلمه.