كم مرة ألقينا فيها باللائمة على سائق الحافلة لأنه لم ينتظرنا عند محطة الباص؟ وعلى الرغم من أن شركات الباص في أي بلد عربي ليست لها جداول زمنية يعول عليها، أو مواعيد محددة ودقيقة لوصول الحالفلات إلى محطة انتظار الركاب، فإننا دوما ما نلقي باللوم على الباص لأنه تركنا وذهب. السبب وراء اللوم أننا لا يمكن أن نتأخر عن موعد الحافلة. نحن لا نتخلف عن الموعد. لا نخطئ مطلقا. نحن على حق باستمرار. والخطأ يقع دوما على الآخرين، بما في ذلك الحافلة. لكن الوضع قد يصبح أسوأعندما نطور نظربات مؤامرة لكي نفسر بها سبب تخلفنا عن الحافلة. فالسائق ربما تلقى رشوة من جارنا الذي يعرف بكراهيته لنا. والسائق يعرف أهمية الموعد الذي أحاول اللحاق به ويريد تقويض فرصتي في الحصول على تلك الوظيفة الممتازة. أو لعل مدير السائق الذي كان زميلا لي في المدرسة ما زال يحمل ضغينة ضدي منذ فزت عليه في لعبة تنس الطاولة ونحن تلاميذ صغار. السؤال الذي يشغل بال الجماهير الناطقة بالعربية: من الذي خلق تنظيم الدولة الإسلامية أو داعش؟ هذا التنظيم خلقه الرئيس السوري بشار الأسد لأنه أراد أن يظهر للعالم كيف أنه يحارب الإرهاب. بل إن الولاياتالمتحدة هي التي خلقت التنظيم في محاولة لتفتيت "العالم العربي." جورج بوش رسم خريطة لشرق أوسط جديد. وداعش إنما أداة تستخدمها الولاياتالمتحدة في رسم هذا الشرق أوسط الجديد. والدليل على ذلك أن وزيرة الخارجية في عهد بوش، كوندوليسا رايس تحدثت غالبا أثناء عهدها في الوزارة عن " الفوضى الخلاقة". غير أن تنظيم داعش هو أيضا صنيعة مخابرات المملكة العربية السعودية التي أرادت استخدام داعش كأداة للإطاحة بالرئيس الأسد في سوريا وبرئيس الحكومة الشيعية في العراق أنذاك نوري المالكي. إنها السعودية التي ترغب في استخدام داعش في حرب بالوكالة ضد إيران. لا، لا، لا. بل إن داعش هي صنيعة إيرانية لتبرير الاضطهاد الإيراني ضد السنة عموما والترويج لهيمنة شيعية في الشرق الأوسط. لكن إغراءات العودة لإلقاء اللوم على الولاياتالمتحدة لا يمكن مقاومتها. ألا تذكرون الجنرال ديفيد بيتراييس في العراق. أليس هو الذي أنشأ وحدات الصحوة من عشائر السنة في الأنبار، غربي العراق، لمكافحة القاعدة في العراق؟ وحدات الصحوة السنية هذه فككها نوري المالكي فيما بعد وتحولت إلى مقاتلين عاطلين انضموا بعد ذلك إلى إخوانهم السنة في داعش لكسب الرزق ونصرة قضية السنة. ولكن فلننتظر لحظة هنا. فلابد أن يكون هناك دور لتركيا أيضا. ألا يصر الأتراك على الإطاحة بالرئيس السوري الأسد وهو يتحالفون مع السعوديين في ذلك الهدف؟ وبالإضافة إلى هذا فإن لتركيا أجندة إضافية. فالأتراك يدعمون الدولة الإسلامية كقوة تعمل على تحييد حزب العمال الكردستاني عبر الحدود مع سوريا. ومن المعروف أن حكومة الرئيس التركي إردوغان لها مرجعية إسلامية سنية ترتبط بالإخوان المسلمين وهي تتغاضى عن تسلل الشباب الأجنبي إلى سوريا عبر حدود تركيا للانضمام إلى داعش. ثم إن إسرائيل واحدة من أكثر الشكاوى شيوعا. " فالعدو الصهيوني" لا يسرق فقط " أرضنا" في فلسطين. بل إنه أيضا خلق داعش ليعزز تفتتنا. إن الولاياتالمتحدة وحليفهتا إسرائيل تعملان معا على تفتيت المنطقة عبر خطوط سنية وشيعية وكردية وعلوية وكيانات صغيرة أخرى من أجل تقوية " الدولة اليهودية" على حساب العالمين العربي والإسلامي. ولا تذكر إلا حفنة ضئيلة منا كيف ان الشرق الأوسط ظل مقسما منذ نهاية الحرب العالمية الأولى،. حغنة قليلة فقط هي التي سوف تسلم بأن الأنظمة الدكتاتورية التي حلت محل العهود الاستعمارية عملت كالصمغ الذي لصق هذه الانقسامات معا بصورة سطحية ولفترة من الوقت. حفنة قليلة فقط هي التي سوف تعترف بأن غياب الديموقراطية الحقيقية عن الأنظمة العربية ربما هي السبب لماذا يهتم ملوك ورؤساء وأمراء وشيوخ العرب بالحفاظ على عروشهم وقصورهم الرئاسية أكثر من اهتمامهم برخاء شعوبهم. إن فاجعة غياب التعليم الحديث عن البلدان الناطقة بالعربية أدت إلى تقهقر شامل نحو الدين.ونحو أفكار ومفاهيم وممارسات من العصور الوسطى. وبدلا عن التخطيط للقرن الثاني والعشرين يهتدي ابناء شعوبنا باقوال منسوبة لاين تيمية أو ابن هريرة. لقد اندثرت القدوة العصرية، لكن شخصيات العصور الوسطى ما زالت حية ومزدهرة في أذهاننا وسلوكنا. ونحن لا ننظر أبدا إلى المرآة لمشاهدة عيوبنا.لابد أن يكون هناك شخص آخر على الدوام نلقي عليه باللائمة. أثناء الوقوف على المحطة فبل موعد الوصول انتظارا للحاقلة مرت حافلتان بالمحطة دون ان تتوقفا، ولوح السائق في كل منهما بأنه في طريقه الى الورشة لإصلاح الحافلة. حافلتان في آن واحد؟ هذه قطعا مؤامرة. • صحفي كاتب ومراسل إذاعة البي بي سي في واشنطن