مرة أخرى يستيقظ الشعب المغربي على فاجعة أخرى من الفواجع المأساوية التي ابتلي بها هذا الوطن الآمن ،والتي أصبحت مصدر قلق بالغ سواء بالنسبة للشعب أو بالنسبة للسلطات .لم يكن البر هذه المرة مسرحا لحادث مقتل أطفال في عمر الزهور ،بل إن القدر وحتى ينوع قليلا في اخراج مآسيه الكثيرة الخاصة بالقتل العشوائي لأبنائنا في ربوع المملكة ،كأنه مل من أن يقدم لنا وعلى الدوام عشرات من تلك المشاهد المعتادة والمتمثلة في مقتل جحافل من المواطنين في حوادث السير التي أصبحنا نتبوأ بها المراتب الأولى على الصعيد العالمي . نعم القدر قرر هذه المرة أن يختار عرض البحر مسرحا لمأساة ذهب ضحيتها احدى عشر طفلا .أطفال كانت أحلامهم لا يسعها البحر طولا وعرضا .نخبة من أبطال رياضة التيكواندو ، رفعوا راية المغرب خفاقة في العديد من المحافل الدولية ، جاء بهم مدربهم يوم الأحد السابع من هذا الشهر إلى واد الشراط لأجراء حصة تدريبية هناك . وبعد أن انتهوا من تدريباتهم قرروا الاستمتاع بالبحر ، لكن اختيارهم كان خاطئا لأن المكان الذي قصدوه كان مكانا معروفا بوعورته .كما أن هذا الشاطئ الذي هو شاطئ الصخيرات غير محروس ويعد منطقة محظورة على السباحين لأن التيارات البحرية القوية فيها تخدع السباحين .ما يكاد السباح يتوغل في مياهه قليلا حتى يجرفه التيار نحو العمق ، مما يجعل السباح غير قادر على مواجهة التيار القوي.تخور قواه فيستسلم بعد صراع مرير لقدره المحتوم . ما كاد ت السلطات المحلية و وسائل الاعلام تعلن عن الفاجعة حتى تحول شاطئ السواتلة التابع لعمالة الصخيرات ، إلى محج للعائلات التي شارك أبناؤها في الرحلة .جاء الكل من مدينة ابن سليمان بحثا عن فلذات أكبادهم ، ليتحول الشاطئ المذكور إلى ميتم حقيقي.وقد بلغ الحزن مداه حين لم يتم العثور على الاطفال جميعا . ففي البداية لم تتمكن الوقاية المدنية من انتشال سوى ستة أطفال يتوزعون ما بين ثلاثة ذكور وثلاث بنات ،تم نقلها إلى مستودع الاموات .بعد ذلك تم العثور على فتاتين تم نقلهما على وجه السرعة إلى مستشفى مدينة الصخيرات ليبقى البحث جاريا وإلى حدود كتابة هذا المقال عن باقي المفقودين . هذه هي وباختصار الظروف التي وقعت فيها الفاجعة التي لم تخطر على بال أحد .هذه المرة لم يتفحم الاطفال على متن شاحنة ،ولم تنحرف سيارة سائق متهور لتودي بأرواح أبرياء .بل ما حدث هو أن البحر قرر أن يؤازر البر ليزيد من عدد شهدائنا الذين يرتفع عددهم يوما عن يوم . الاطفال الذين لم يشأ القدر أن يكونوا ضمن لا ئحة الشهداء ، حكوا وهم لا يزالون تحت تأثير الصدمة ،ما حدث لهم و لأصدقائهم .روت أسية فهمي مريم عجلون ومديحة الشافعي ورفاق آخرون ما عاشوه من أحداث أليمة بواد الشراط ،حين كانوا يرون أصدقاءهم يلوحون بأيديهم يطلبون النجدة ويتوسلون الاغاثة لكن بدون جدوى . السؤال الآن هل كان بالإمكان تجنب ما حدث ؟ طبعا نحن قوم نؤمن بالقضاء والقدر وأن لكل نفس أجل لا يمكن أن تتجاوزه ولو بثانية . لكن الملاحظ هو أن العديد من أطفال المغاربة ذهبوا ضحية عدم الحرص وتحمل المسؤولية سواء على البر أو في البحر .ضحايا وأطفال طانطان مثلا قتلوا بسبب انعدام الحرص واتخاذ التدابير الكفيلة بضمان سلامة الاطفال .أبطال التيكواندو ذهبوا ضحية عدم حرص مدربهم الذي أخذهم إلى شاطئ مشكوك في سلامته .كان من المفروض على الاقل أن يخبر رئيس الجمعية السلطات المحلية ، لأن الاجراءات التي قد يعتبرها بعض المسئولين روتينة ولا جدوى منها ، في بعض الاحيان يتأكد أننا لو حرصنا عليها لجنبنا الاباء والأبناء هكذا فواجع. السلطات المحلية بمدينة الصخيرات تتحمل أيضا جزءا من المسؤولية . لأنه لا يعقل أن نترك شاطئا معروفا بخطورته ، دون أن نضع ولو لافتة واحدة تشير إلى خطورة السباحة فيه .وزارة الداخلية وكل الوزارات المعنية مدعوة و أكثر من أي وقت مضى إلى الحرص أكثر على سلامة المواطنين برا وبحرا .لا يجب أن ننتظر إلى أن تنهار قنطرة أو يسقط مسجد فوق رؤوس الناس ، أو حتى تنقلب حافلة أو يغرق العشرات في عرض البحر .كي نلوم أنفسنا ونهب لاتخاذ الاجراءات التي كان من المفروض أن تكون معدة سلفا قبل وقوع ما وقع .