الحكومة تراجع مدونة الشغل و تتجه نحو التأطير القانوني للعمل عن بعد    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء تقيم بباكو حفل شاي على شرف شخصيات نسائية أذربيجانية من عالم الثقافة والفنون    بعد عام .. "الاستقلال" يترقب اختيار بركة الأربعة المبشرين باللجنة التنفيذية    البرلمان يناقش رئيس الحكومة حول إصلاح وتطوير المنظومة التعليمية    ترامب: الاتفاق التجاري مع لندن شامل    أشرف حكيمي يدوّن اسمه في التاريخ ويصبح المدافع الأكثر تأثيرًا هجوميًا بدوري الأبطال    محكمة الاستئناف بالرباط تُخفض عقوبة النقيب محمد زيان    امطار رعدية مرتقبة بمنطقة الريف والواجهة المتوسطية    مصرع شخص في حادثة سير بين مراكش وورزازات    مجلس عمالة طنجة أصيلة يعقد دورة استثنائية ويصادق على منح دعم لاتحاد طنجة ب1.4 مليارا    إيقاف شخصين يشتبه ارتباطهما بشبكة تنشط في الاتجار الدولي للأقراص المهلوسة وحجز 1170 قرص طبي مخدر    بوريطة: الملك محمد السادس يعتبر الفضاء الإفريقي الأطلسي رافعة للتنمية والاستقرار    الدخان الأسود يتصاعد من الفاتيكان.. الكرادلة لم يتوصلوا لاختيار البابا الجديد    توقعات بإنتاج 4800 طن من الورد العطري هذا الموسم    المملكة المتحدة تجدد تأكيد التزامها بتعميق الشراكة مع المغرب    أبريل 2025 ثاني أكثر الشهور حرارة عالميا    وداديون يحتفون بحلول الذكرى ال88 لتأسيس النادي    "كان" الشباب... المنتخب المغربي ينتظر وصيف المجموعة الأولى لمواجهته في ربع النهائي    منصات المخزون والاحتياطات الأولية.. بنيات جهوية موجهة للنشر السريع للإغاثة في حال وقوع كوارث    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    أداء إيجابي في تداولات بورصة البيضاء    مهندس سابق ب"غوغل": غزة تشهد أول "إبادة جماعية مدعومة بالذكاء الاصطناعي"    باكستان تعلن إسقاطها "25 طائرة مسيرة إسرائيلية الصنع" أطلقتها الهند    ارتفاع أسعار الذهب بعد تحذير المركزي الأمريكي من الضبابية الاقتصادية    تعزيزا للسيولة.. بورصة الدار البيضاء تستعد لإطلاق سوق جديدة للمشتقات المالية    محاكمة ناشطيْن من "حراك الماء" بفجيج    لجنة: زيادة مرتقبة للأطباء الداخليين    السيد ماهر مقابلة نموذج رياضي مشرف للناشطين في المجال الإنساني    الذكرى ال22 لميلاد ولي العهد الأمير مولاي الحسن: مناسبة لتجديد آصرة التلاحم المكين بين العرش والشعب    الأميرة للا حسناء تزور بباكو المؤسسة التعليمية 'المجمع التربوي 132–134'    ديكلان رايس بعد خسارة آرسنال ضد باريس سان جيرمان: "بذلنا قصارى جهدنا.. وسنعود أقوى"    كيوسك الخميس | خارطة طريق لإحداث 76 ألف منصب شغل    ماكرون يستقبل الشرع ويسعى لإنهاء العقوبات الأوروبية على سوريا    صادرات المغرب من الأفوكادو تثير قلق المزارعين الإسبان ومطالب بتدخل الاتحاد الأوروبي تلوح في الأفق    فنانون مغاربة يباركون للأمير مولاي الحسن عيد ميلاده ال22    الغربة والذياب الجائعة: بين المتوسط والشراسة    بطولة انجلترا: الإصابة تبعد ماديسون عن توتنهام حتى نهاية الموسم    13 قتيلا في الهند جراء قصف باكستاني    إسرائيل تهدد طهران ب "نموذج غزة"    الوداد يسخر الأموال للإطاحة بالجيش    سان جيرمان يقصي أرسنال ويمر لنهائي رابطة الأبطال    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    إحباط محاولة جديدة للهجرة السرية على سواحل إقليم الجديدة    منتدى التعاون الصيني الإفريقي: كيف أرسى أسس شراكة استراتيجية؟    ارتفاع أسهم شركة "تشنغدو" الصينية بعد تفوق مقاتلاتها في اشتباك جوي بين باكستان والهند    مكناس تبدأ في بناء محطة قطار حديثة بتكلفة 177 مليون درهم    استهلك المخدرات داخل سيارتك ولن تُعاقبك الشرطة.. قرار رسمي يشعل الجدل في إسبانيا    باكو.. الأميرة للا حسناء تزور المؤسسة التعليمية "المجمع التربوي 132–134"    دراسة علمية تكشف قدرة التين المغربي على الوقاية من السرطان وأمراض القلب    ديزي دروس يكتسح "الطوندونس" المغربي بآخر أعماله الفنية    لأول مرة في مليلية.. فيلم ناطق بالريفية يُعرض في مهرجان سينمائي رسمي    من المليار إلى المليون .. لمجرد يتراجع    تشتت الانتباه لدى الأطفال…يستوجب وعيا وتشخيصا مبكرا    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما يتحرر السياسيون في تونس ويعتقلون في المغرب
نشر في هسبريس يوم 17 - 01 - 2011

اهتز الشارع العربي على وقع الأزمة التونسية التي أدى من أجلها أكثر من 58 شخصا حياتهم ثمنا للحرية، و تناقلت وسائل الإعلام العالمية الأخبار عن تظاهرات كان سببها الأول هو "الخبز"، ثم انتقلت لتتحول إلى مظاهرات ضد النظام نفسه الذي بقي كاتما على أنفاس أحفاد موسى بن نصير لعقود استمرت منذ الاستقلال.
و في خضم اهتمامنا كمغاربة بما يحدث في تونس، تناقلت وسائل الإعلام المحلية خبر اعتقال المستشار السابق في البرلمان المغربي جامع المعتصم. الخبر كان صادما للجميع بسبب ما عرف عن الرجل من نزاهة و حسن خلق، كما أنه كان صادما لأعضاء حزب العدالة و التنمية و شبيبته و المتعاطفين معهما للقيمة التنظيمية و القدرة القيادية العالية للمعتصم داخل الحزب.
لكن الخبر صادم أكثر لأنه جاء تتويجا لسلسلة من الممارسات التي تقودها السلطة منذ مدة ضد حزب العدالة و التنمية و التي يضع فيها حزب الأصالة و المعاصرة اليد الكبرى، كان آخرها ما حدث في بلدية الدروة لأحد أعضاء الحزب و الشبيبة و الذي أصيب بإصابات كادت تودي بحياته.
الغريب في خبر الاعتقال أن الدولة لم تعد فقط تساند حزبا و تحارب حزبا آخر، لكنها أصبحت تعترف بالأمر صراحة و تعلنها "بفخر" دون أي خجل. كما أن المثير للانتباه أنه منذ مدة ليست بالبعيدة توقف الحديث تماما عن الانتقال الديمقراطي، خصوصا بعد تسوية المغرب لحساباته مع من تم اعتقالهم في عهد الملك الراحل الحسن الثاني عبر مسلسل الإنصاف و المصالحة. و أصبح الحديث عن الديمقراطية و عن إرساء دولة الحق و القانون شبه غائب عن الخطابات الرسمية، ليوازي هذا الغياب ممارسات تحفر قبرا للحريات التنظيمية و الحزبية و حريات التعبير، كان أكثر المظاهر فيها سوداوية المحاكمات التي تطال الصحفيين في البلد. و في هذا السياق، يبدو أن واقع الحريات في المغرب ليس مشرقا على خلاف ما كنا نعتقد حين كنا نقارن أنفسنا كمغاربة بباقي الدول العربية. لكن هناك الكثير مما يجب الوقوف عنده في ظل ما يعيشه المغرب من أحداث لا علاقة لها بالديموقراطية أو بحقوق الإنسان:
1. كان ظهور حزب العدالة و التنمية في الساحة المغربية مؤثرا بشكل كبير على الحياة السياسية المغربية. أول ما أكسب الحزب مصداقية كبيرة لدى المواطنين هو أن مواقفه و تحركات أعضائه كانت متوافقة تماما منذ البداية مع مرجعيته الإسلامية. فليس المميز لدى الحزب هو مرجعيته التي يتقاسمها مع أحزاب أخرى لكن خطابه بقي منسجما مع مرجعيته. فأبرز أعضاؤه عن نزاهة عالية و حسن تدبير كبير و تفان منقطع النظير في خدمة الوطن. و حتى عندما يتعلق الأمر بحالات شبه نادرة لتجاوزات قام بها أحد أعضاء الحزب في منطقة معينة من المغرب، يتكفل الحزب نفسه بمحاسبته عليها و حتى إقالته بعدها قبل أن يقول القضاء أيضا كلمته في الأمر. لهذا، انتقل نقاش أعداء الحزب حول مرجعيته إلى نقاش حول نزاهته التي هي رأس ماله. و ليس غريبا أن يتم اعتقال عضو بارز من الحزب و نحن لسنا بعيدين كثيرا عن الانتخابات، كما كان الأمر تماما بالنسبة لبلكورة الذي لم تتم تبرئته مما وجه إليه من تهم إلا بعد مرور الانتخابات. و كأن المغرب ينهج نهج مصر في إدارته للخلاف السياسي حيث يبدأ بالاعتقال قبل الانتخابات و يبرئ أو يطلق سراح المعتقلين بعدها.
و بالحديث عن العدالة و التنمية، يمكن العودة بالتاريخ للوراء قليلا و مراجعة ما مضى. فالعدالة و التنمية الآن أو حركة التوحيد و الإصلاح التي خرج الحزب الإسلامي من رحمها كان أعضاؤها يشكلون أول تيار سياسي يتبرأ من التوجهات الانقلابية السائدة في ذاك العصر، و يحاسب نفسه وفقا لمرجعيته و يعترف بالدولة و المؤسسات و يبدأ العمل من خلالها كما أنه يوجه نضاله ضد الفساد من أجل إصلاح المجتمع لا قتال الدولة. هذا السبق التاريخي قام به إسلاميو المغرب في الوقت الذي لم كان فيه إسلاميو الكثير من الدول العربية و الإسلامية يوجهون نضالهم ضد الدولة و الأنظمة الحاكمة، بالإضافة إلى أنه جاء في الوقت الذي كانت القوى اليسارية في المغرب تقاتل النظام و تحاول الاعتداء عليه. فلم يكن أعضاء حزب العدالة و التنمية حاليا أو ما عرف بحركة الإصلاح و التجديد آنذاك من حاولوا قتل الملك مرتين في انقلابين كادا أن يوديا بحياة الحرية في المغرب و يجعلوها نسخة عن المثال التونسي البورقيبي و نظام بنعلي.
و لإيضاح الأمور فإن الإسلاميين على الأقل أكثر وضوحا من غيرهم فيما يتعلق بالنظام المغربي. فعلى خلاف بعض الأحزاب التي بقي موقفها من النظام غامضا مع أنها كانت جزءا من حكومات تعاقبت على المغرب في وقت من الأوقات، فإن إسلاميي المغرب أوضحوا بصراحة ما تعنيه الديمقراطية و المؤسسات و الملك بالنسبة لهم. فموقف العدل و الإحسان مثلا واضح من النظام لا يمكن أن يناقش فيه الكثير، كما أن إسلاميي حركة التوحيد و الإصلاح الذين هم المؤسسون الفعليون للعدالة و التنمية واضح كذالك ليس فيه أي لبس. فمساندة أعضاء هذه الأخيرة للنظام تعتبر مساندة مطلقة و غير مشروطة، ذلك لأنها مرتبطة بالنسبة لهم بارتباطات عقدية أكبر من أن تحركها المصالح أو الظروف الداخلية و الخارجية. هذه المساندة التي بالنسبة لهم ترتبط بالإسلام و محسومة شرعا بالعقيدة التي تربط الدين بوحدة الأمة و نبذ التفرقة. و لأن الملكية هي النظام الوحيد الذي يكفل الوحدة للمغاربة فلا يمكن أن يناقش في قدسيتها أي مسلم حر يتبنى المرجعية الإسلامية كمرجعية شخصية له. و ليست الجمعيات النسائية الإسلامية مثلا هي التي تكتب تقارير سيئة و سوداء عن المغرب و ترسلها لمنظمات دولية عالمية أو تعرضها خلال مشاركاتها في المؤتمرات التي تنظمها الأمم المتحدة حول المرأة. بالإضافة إلى أن إسلاميي المغرب هم أكثر العاملين من أجل عدم الرفع التام للتحفظات التي يضعها المغرب حول مجموعة من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان و المرأة و الطفل و الذي يعتبر معطى السيادة الوطنية فيها الأكبر و أكثر ما تهدده هذه المقررات. و حديثي هذا له علاقة بالمعرفة الشخصية و ما تربيت عليه كإسلامية التوجه. ففي أسرتي المتدينة و أيضا في التنظيمات التي كبرت على يديها تعلمت أن مساندتي للملكية يجب أن تكون مطلقة و غير مشروطة أو متعلقة بأي ظروف أو خلفيات سياسية أو إيديولوجية، كما أن قناعتي التي ربيتها بفضل المرجعية الإسلامية تجعلني أؤكد أنه لو طلب مني يوما الاختيار بين الملكية و مصلحتي أو حياتي الشخصية سأختار الملكية و الملك دون تردد، ذلك لاقتناعي الشديد أن في حياة الملكية في المغرب مصلحة للمغاربة جميعا و لمستقبل المغرب، و لأن التضحية من أجل النظام هي تضحية من أجل المغاربة ككل. كل هذا لأقول أن الدولة المغربية بتعاملها الغريب و المرفوض مع الإسلاميين تقيم الحد على أكثر المخلصين للنظام و الموالين له.
2. أول ما خرج علينا حزب الأصالة و المعاصرة، أخذ يتعامل مع المغاربة على أنه أقوى من أي حزب تاريخي خرج من رحم الشعب. و بدأ أعضاؤه يتحدثون عن رئيسه بصفته صديق الملك، أو عن الحزب و كأنه حزب الملك أو الدولة أو يصدرون تصريحات باسم الملك. هذا الأمر ازدادت خطورته عندما أصبحت جرأة الحزب أكبر من أن يصدقها أي أحد. فكيف لحزب أن يقوم بإيقاف مشروع بيئي كبير دشنه الملك نفسه في مدينة تمارة. و كيف لحزب أن يعتدي على عضو شبيبة حزبية في الدروة أو يتم السكوت عن تواطؤ أطراف أخرى معروفة أو غير معروفة معه في وجدة للاعتداء على الديمقراطية كلها و على أحد أعضاء حزب العدالة و التنمية الذي رفضت الأحزاب الأخرى في وجدة فك التحالف معه. كما أنه الحزب الذي يعرف المغاربة ككل دوره السيء في أحداث العيون الأخيرة. لكن الخطير جدا في هذا السياق و أيضا سياق الصراع السياسي بين الأصالة و المعاصرة و حزب العدالة و التنمية ليس هو فقط انحياز الدولة الكامل لحزب الجرار و مساندتها المطلقة له فقط، لكنه الإقحام الغريب للملك في هذا السياق من طرف أصحاب الهمة. ففي أدبيات السياسة في المغرب، من المعروف أن المؤسسة الحاكمة التي هي الملكية يجب أن تبقى محايدة تماما، و لا تكون طرفا مؤثرا على الصراع السياسي بين الأحزاب. بل إن النظام الملكي ظل لعقود الضامن الأساس لتساوي قوى هذه الأطراف السياسية و عدم سيطرة أي واحدة على الأخرى أو على باقي الأحزاب و التيارات حتى يكون الملك كمؤسسة في الدولة الحكم في النهاية في حال وقوع أي اختلاف على أي معطى سياسي أو اجتماعي في البلد. و المثال المعبر على هذا الأمر هو الصراع الذي نشأ حول خطة إدماج المرأة في التنمية التي لم تكن لتخرج منه مدونة الأسرة أو ليتوقف دون التدخل الشخصي للملك. لهذا فإن إقحام الحزب للملك في الصراع السياسي شيء أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه خطير و مرفوض تمام الرفض. فقدسية المؤسسة الملكية لا يمكن أن تنطبق على أي حزب سياسي، بالشكل نفسه الذي من المفروض فيه أن أي نقاش حول شرعية و قانونية ما يفعله أي حزب لا يجب أن ترتبط بالملك. و مساندة المغاربة للملكية لا يجب أن تعني بالبات و المطلق أن يتم مساندة حزب الهمة كما ليس من المقبول بالبات و المطلق أن يقدس الحزب لأن انتقاده يمكن أن يشعر منتقديه أنهم ينتقدون الملك. فالملك مقدس و لكن الأحزاب ليست كذلك. و ما يقوم به الأصالة و المعاصرة الآن هو محاولة لتحويل النقاش السياسي من نقاش حول المشروعية إلى نقاش حول القدسية.
3. تعامل الدولة بشكل عام مع الأحزاب تعامل يفتقر للنضج. فالعالم بديمقراطياته الكبيرة يتقوى بالأحزاب. و ما كان موقف الاتحاد الأوروبي ضد المغرب في أحداث العيون إلا بسبب حزب، أو موقف الحكومة الاسبانية من العلاقة مع المغرب إلا له علاقة بحزب. فالأحزاب في الديمقراطيات العريقة هي ما يقوي الدولة و يعطي مصداقية أكبر للقرارات المتخذة من طرف النظام، و هو ما يؤطر الشعب في اتجاه و يدفعه إلى رفض الآخر. لكن الملاحظ أن المغرب يجعل الأحزاب تسير في اتجاه يفقدها أكثر مصداقيتها لدى المغاربة، لا بل يفقد المغاربة الثقة الكاملة في الحياة السياسية و العمل من أجل مصلحة المغرب. هذا في الوقت الذي يجب أن تجعل الدولة من الحياة السياسية فيه أمرا يثق به الجميع، و من الأحزاب داعما لسياساتها الداخلية و الخارجية و عنصرا مؤثرا في علاقات المغرب مع المغاربة و دول الجوار.
4. في الوقت الذي يعيش فيه المغرب أحداثا تمس بوحدته الترابية و قضاياه الوطنية العادلة، تقوم الدولة بإجراءات تهمش من خلالها حزبا و تدعم الآخر على حسابه. فعوض أن تدعم الدولة جميع الأحزاب، و تهيئ لها الظروف السياسية و القانونية حتى يلتفوا جميعا حول قضاياهم الوطنية و يدعموا مواقفها فيما يتعلق بالوحدة الترابية و الدبلوماسية المباشرة و غير المباشرة، و عوض أن تقوم الدولة بدفع انتباه الأحزاب و الالتفات هي أيضا إلى ما يهم جميع المغاربة، تقوم في هذا الوقت الحساس من مصير المغرب بالالتفات إلى مصارعة أطراف سياسية مؤثرة و وازنة في البلد، و دفعها إلى أن تبقى في صراع مع ذاتها أو مع الدولة عوض أن تكون في صراع مع أعداء الوحدة الترابية. فغياب النضج ظاهر تماما من توقيت الاعتقال الذي سيشتت الساحة السياسية حول مشروعية ما تقوم به أجهزة الدولة في المغرب بدلا من أن يجمع القوى السياسية كلها حول الثوابت المغربية آنية الذكر التي تأتي على رأسها قضية الوحدة الترابية.
5. الآن حزب الجرار يلتهم الأحزاب و المقاطعات و الدوائر و الجماعات، أي يلتهم إرادة الشعب التي عبر عنها المغاربة بمساندة حزب و معارضة الآخر عن طريق الانتخابات. و أعضاؤه يلتهمون المغرب و ثرواته عن طريق استغلال نفوذهم في العديد من المدن و الجهات. لكن السؤال الذي يجب أن يطرح في هذا السياق: ماذا بعد الهمة؟ ألا يشكل هؤلاء الراكضون وراء مصالحهم خطرا سيأكل الأخضر و اليابس في الحياة السياسية في المغرب سواء بعد الرحيل السياسي للهمة أو حتى على الأجيال القادمة عندما يتوفى الله هذا الرجل؟ و هنا وجب التذكير أن الأخطاء التي يرتكبها المغرب في حق الديمقراطية في المغرب مساندة منه للأصالة و المعاصرة هي تقريبا نفس ما فعل مع البوليزاريو الذي تحول الآن إلى منظمة انفصالية إرهابية تعادي النظام المغربي. و خطورة أي أزمة ليس في حدوثها فقط، بل في عدم استخلاص العبر منها حتى لا نلدغ من الجحر مرتين.
6. بعد متابعتي لأخبار حزب العدالة و التنمية و قراءتي لتعليقات القراء في هسبريس، تعجبت لواقع أن ما يحاك ضد هذا الحزب يزيد من مصداقيته بل من شعبيته لدى الناس. فالدولة تستعمل سلاحا يعطي نتائج عكسية لا علاقة لها بما كان مخططا. بل الأكثر من هذا هو أن البعض بدأ يدعو للمشاركة في الانتخابات و التصويت للعدالة و التنمية فقط لمعاداة حزب الأصالة و المعاصرة. و هو ما سيكون نقطة انطلاق للزيادة من شعبية حزب المصباح. لكن الأخطر هو عندما لا تكون المؤسسات المغربية منصفة للحزب و موجهة من طرف أطراف سياسية استئصالية، فإن ثقة الناس تنقص في حق هذه المؤسسات بما فيها القضاء، و تزداد ثقتهم في الحزب. و هو ما سيؤدي إلى نتائج عكسية لما هو مرغوب فيه.
7. أخيرا: انتصر الشعب التونسي الذي كان الشعب العربي الذي عانى من أكثر و أفظع أنواع القمع في تاريخ العالم الحديث. و إرادة الشعب التونسي بالحرية و التدين و الانفتاح سبقت حاجاته الجسدية من أكل و شرب و حركت الشعب أكثر مما حرك الملف الاجتماعي الجوعى و الفقراء. و خاصية تونس هو أن الثورة حدثت من طرف شعب لم يدرس سيئا يوما عن الحرية في المقررات التعليمية و المدارس. كما أنه شعب ولد في رحم العصا و القمع. و هو الشعب الذي عندما يناضل أشقاؤه في دول أخرى من أجل نزاهة الانتخابات و الإصلاحات الدستورية و تكافؤ الفرص و إصلاح المؤسسات، يناضل هو، فقط، ليعطى حق الكلام و التعبير و اختيار الملابس. لكن الحرية لم تكن يوما ملكا لشخص، وهي الناطق الرسمي عن كرامة الإنسان. فالحرية سابقة لحاجات البطن. و أن يعيش الإنسان دون طعام أو يموت من نقص الجوع خير له من أن تداس كرامته. هذا الدرس تعلمناه على يد التونسيين و قبل ذلك على يد أهل غزة و جنين، و على يد أجدادنا المغاربة في عهد الاستعمار. فالحرية مرتبطة بالفطرة و هي غاية وجود الإنسان، أما الأكل فهو ليس إلا إشباعا لحاجة بسيطة حتى يستطيع المرء عيش حريته بسلام. الأكل وسيلة و الحرية غاية. لكن المثال التونسي يطرح أسئلة حول ما يعيشه المغرب. فإذا ثار شعب لم يفهم الحرية من مقرراته الوطنية ضد القمع و من أجل الديمقراطية، و انقلب على الديكتاتورية، تأتي الدولة المغربية الآن لتنقلب على الحريات التي ضمنتها لسنوات للمغاربة، و على الديمقراطية التي هي مطلب الجميع، و على الإرادة الانتخابية لشعب كامل تربى في كنف الحرية و عاش فيها. فحتى نظام بنعلي القمعي لم يمنع التونسيين من أن يتعلموا الحرية و قواعدها و يطبقوها عن طريق انتفاضة راقية نبيلة و خالية من أي عنف من طرفهم رغم ما قوبلوا به من عنف من طرف أجهزة البوليس. فكيف لشعب تربى في الحرية كالشعب المغرب و يطالب الآن بالديمقراطية و بحماية المؤسسات و إصلاح القوانين أن يقبل بالارتداد عنها و العودة إلى ما يشبه العصور التي أدت إلى سنوات الرصاص؟ خصوصا و أن العلم بهذه الأمور أصبح يتعدى قدرة الدول على التحكم و أصبح متعلقا بفضاء العولمة و الإعلام المفتوح. هذا الأخير لم تعد تتحكم فيه الدول بل الشعوب، و أصبح يؤثر في الرأي العام أكثر مما تؤثر أجهزة الإعلام الرسمية.
لا يمكن لبلد أن يحقق نهضة اقتصادية دون الحرية. فجميع النظريات حول النهضة أصبحت تدمج العامل السياسي في النمو الاقتصادي و تجعل منه حجر الارتكاز لهذا النمو. كما أن المغرب الذي يريد أن يصبح نموذجا عن أوروبا في إفريقيا، من المفروض عليه أن يقتدي من أوروبا في الازدهار السياسي الذي حققته، لا الاقتصادي فقط. و يجب أن يعلم أنه ليس هناك دولة يمكن أن تحقق نهضة دون أن يكون شعبها شعبا يثق في مؤسساته، و يحس بالأمان السياسي و الفكري في بلده, و يعلم أن له نفس الحقوق التي لغيره و أنه ليس هناك من يستغل بالسياسة البلد و يمنعه هو كمواطن عادي من أن تكون له فرصة متساوية في العيش الكريم و الحرية مع غيره من المواطنين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.