يقول اينشتاين:( لن نستطيع أن نحل المشاكل التي تواجهنا بنفس العقلية التي أوجدتها ) فمن السذاجة أن نعمل نفس الأمور بنفس الطريقة و نتوقع نتائج مختلفة، و لا يمكن للإدارة أن تعيش مهارة " الدببة " التي لا تتحرك إلا إذا أحست بالخطر، بل المفروض أن تعيش مهارة " الدرافيل" التي تجد ذاتها وسط الأمواج المتلاطمة، و تبدع في حركاتها،( إدارة ميكروسوفت نموذج لذلك). في تحديد إدارة الإبداع: إن الإبداع ضرورة إدارية، و لا يمكن للروتين أن يطورها، إنه مهارات و طاقات تتبلور و قيم تتجسد، و تحدي و تعديلات مستمرة. إن إدارة الإبداع تتطلب معرفة بالنظم والمعايير الإدارية، فهي ليس ارتجالية أو مزاجية أو نزقية ( تسرع في الفعل)، أو ضرب أخماس في أسداس، إنها العلم بالإدارة. إن الإبداع محرك للحضارة الإنسانية و مولد للطاقة الحركية، فلا إدارة دون إبداع، أو دون " ملكية فكرية "، فلا شيء في الكون دون قانون و مأسسة. فالكون يرفض العبث، و إذا كان العبث في الإدارة فلا إرادة التغيير و لا إبداع. و من أزمة الإدارة غياب أرضية الإبداع، و غياب التدريب، و غياب القيادية و اللامركزية في القرار، و بهذا تصبح تدبيرا للأزمات. الإبداع بين "تدبير التغيير" و "تدبير الأزمات": تشير بعض المخططات الوزارية إلى ضرورة وضع أرضية ل"تدبير التغيير" و التواصل لضمان انخراط الجميع، و بث روح التغيير في كل مستويات المنظومة، لكن ذلك لم يتحقق، بشهادة الوزراء أنفسهم، فهل المشكل في الإصلاحات نفسها من حيث بناؤها و شكلها الإبداعي ؟ أم في كيفية إدارة الإبداع الإصلاحي ؟ أم في عدم ملاءمة الإبداع مع احتياجات المنظومة ؟ إن سوء إدارة الإبداع يؤدي إلى " تدبير الأزمات"، فندخل في دوامة، أزمة يليها إصلاح، و إصلاح يتطلب زمنا و مراجعات، و نقضي بالاستعجال في انتظار الحل غير الواضح، و قد نعود إلى الصفر ونلغي محاولات إبداعية سابقة قد أدينا مقابلها مبالغ هائلة. إن " تدبير التغيير " يتطلب قواعد و تدابير علمية و ليس رغبات مزاجية فردية، يتطلب مسايرة تغيرات و تحولات العالم و مراجعة طرق و آليات الاشتغال للتكيف مع الجديد. إن "تدبير التغيير" أو "إدارة الإبداع" يتطلب إرساء آلية التحكم في عملية التغيير و قيادتها و توجيهها، هذه الآلية هي " الرأسمال المعرفي "و الموارد البشرية المؤهلة والمتخصصة، ذات الكفاءة و القدرة على الإنتاج و الإبداع. الإبداع تفكير في إدارة المشاكل : المشاكل أصل الإبداع، و أهم إبداع هو حل المشاكل، و تاريخ العلم هو تاريخ الأخطاء، لكنها المشاكل الطبيعية، لا المشاكل المفتعلة التي تورط و تصبح عائقا في العمل و عنصرا ضمن استراتيجيات التحكم كما يقول نوام تشو مسكي. إن الاهتمامات المختلفة تنبع من أساليب العمل المختلفة، و الإبداع هو مجموعة من الخيارات لحل مشاكل مختلفة، و حين نأخذ الاختلاف بعين الاعتبار، تكون إدارة الإبداع و تجاوز الدونكشوطية. إن المشكلات فرص متاحة للإبداع، تمنحنا مهارة التغلب على الفشل، و تجاوز العقبات، والتمرين على الروح المرحة للإبداع، مما يعطي المرونة و الارتياح. نميز في إدارة الإبداع لحل المشاكل بين التفكير العمودي و التفكير الأفقي: فالتفكير العمودي هو الاختيار و الحكم المنسجم، هو البحث عن حلول، و استخدام معياري (نعم أو لا) في اتخاذ القرار، تفكير تحليلي بخطوات منطقية و الوصول إلى النتيجة بعد فحص الأدلة و التركيز على كل ما له علاقة بالمشكلة، فيكون النظر إلى هيكل الأشياء. أما التفكير الأفقي فهو التغيير دون البحث عن أصل المشكلة، باستخدام معياري (و أو أيضا) في اتخاذ القرار غير المبرر أحيانا، و يتم الوصول إلى النتيجة قبل فحص الأدلة ثم الترحيب بالمصادفات السعيدة، و أخذ القرار بالتلاؤم و الانسجام، و ينظر إلى العالم بالمرونة. و يمكن المزاوجة بين التفكيرين أو استعمال أحدهما حسب السياق و طبيعة المشكل، فهما معا ينتميان إلى النصف الأيسر من الدماغ. و هناك أشكال مختلفة في التفكير للحل الإبداعي للمشكلات، هناك التفكير المتقارب( الدراسة بعمق ) و التفكير المتشعب ( وجهات نظر مختلفة )، و التفكير التكييفي، و التفكير المنطقي و غيرها من استراتيجيات التفكير، سواء على المستوى الفردي أو المؤسساتي. الإبداع المؤسسي أو مأسسة الإبداع: إن المؤسسة الناجحة هي التي لا تقف عند حد الكفاءة و العمل الصحيح بل هي التي تتألق في الأداء على مستوى الأفكار و الأهداف، أي أن الإبداع المؤسسي نتيجة للتحولات في أسلوب التفكير، فالأفكار سر الإبداع، لا يحدها زمان و لا مكان، تنقل المؤسسة من طور إلى طور، و تمنح شروط التألق. فلا توجد استراتيجيات عامة لبناء مؤسسات إبداعية، لكن من الممكن تحديد مستلزمات الإبداع المؤسسي، منها " فطرة الذكاء" بتعبير ابن رشد، أي الاستعداد للإبداع، ثم الأفكار التي تحدث التغيير، و الأساليب لتنمية القدرة الإبداعية. ومن مبادئ الإبداع المؤسسي، "الشرعية الإبداعية" و نقصد بها المبدئية التي تحقق المصلحة و الخدمة و تلبي الاحتياجات الواقعية، و شمولية المقاصد. التكوين المستمر مطلب لإدارة الإبداع : التدريب و التكوين المستمر لغة الواقع العملي، فالشركات و الوكلاء و المسئولون و الخريجون.. كل يبحث عن التدريب و التكوين في البرامج الجديدة و اللغات و الشواهد ، و قانون الحياة واحد، و التدريب سنة، و الناجح من يتدرب و يتكون جيدا، فبعض الشركات العالمية تنفق حوالي 30 مليار دولار سنويا على التدريبات المختلفة للأفراد من أجل تطوير النشاط. إن إدارة الإبداع " تحويلية "، تركز على "التكوين و التدريب" كواجب وظيفي و متجدد، و مجال للبحث و التجريب، إبداع تنظيمي مستمر يحقق تغييرا معرفيا و مهاريا و سلوكيا ينعكس على الإنتاجية. إن التكوين المستمر استجابة للحاجات الإدارية: البيداغوجية والمعرفية والمجتمعية، واكتساب للكفايات الضرورية لمسايرة التقدم التكنولوجي والعلمي والثقافي، و" انخراط وظيفي"، و تشجيع على البحث و الزيادة في الكفاءة، و استغلال الجهد و الوقت واكتشاف للطاقات و الاستفادة منها، و الرفع من الروح المعنوية و تحسين العلاقات الإنسانية. إن دافع التكوين عملية إرادية و مشروع شخصي، رغبة و انخراط، فالإلزام لا يخلق إلا الإكراه و اللقاءات المكهربة. إن ورش التكوين المستمر سياسة شاملة و استراتيجية عامة لتدبير الموارد البشرية، و ضرورة حياتية و حيوية، إنه قاعدة للإصلاح و ثقافة تواكب الإنسان مدى الحياة، إنه واجب فردي و جماعي يخلق روح الفريق المتكامل، و يرفع من مستوى الخبرة المهنية، و يحقق أهدافا و تدابير برامج التكوين. إن التكوين المستمر يجعل الصعب ممكنا و المعقد بسيطا و الإشكالي منحلا، هو تجربة لملء الفراغات و النواقص و الثغرات وتحقيق الاحتياجات، بحث في المدارات و الأولويات و تطوير للقدرات، وتنمية للمهارات. التكوين المستمر "احتياج ذاتي"، جودة في العرض و وضوح في الأهداف و تنظيم في المهام و التنفيذ، و ثقة في المكونين المغاربة الذين لا يكلفون ميزانيات باهظة، و محاربة لفكرة أن التكوينات إهدار للمال و الجهد و الوقت دون مردودية.