الملك يهنئ عاهلي المملكة الأردنية    الأميرة للا مريم تشرف على توقيع اتفاقيات جديدة لتعزيز حقوق الطفل    حماية المستهلك: التهافت لشراء اللحوم يرفع الأسعار ويخالف أهداف إلغاء النحر    إسرائيل تستعد لتكثيف هجمات غزة    الكويت تٌسقط الجنسية عن عشرات الآلاف من مواطنيها بدعوى أنهم لم يرثوها عن أجدادهم    تشكيلة بركان لنهائي كأس "الكاف"    ريال مدريد يعلن رسميا تعيين تشابي ألونسو مدربا جديدا للفريق    اعتداء على سائحيْن يوقف شخصين    دراسة: ضبط عوامل الخطر لدى مرضى ضغط الدم يقلل خطر الوفاة    سفيان البقالي أمام تحد لرد الإعتبار وإسعاد جماهيره في لقاء الرباط الماسي    نشرة إنذارية.. موجة حر تضرب المغرب ل4 أيام متتالية    أولى حفلات ريم فكري تحقّق نجاحًا باهرًا في الدار البيضاء    المغرب يحتضن النسخة الأولى من المعرض الدولي للموانئ ونظامها البيئي    السعودية: 107 آلاف طائف في الساعة يستوعبها صحن المطاف في الحرم المكي    ماليزيا: الفظائع التي ارتكبت في غزة تعكس اللامبالاة وازدواجية المعايير    الحكومة تطلق برنامجا لدعم مربي الماشية حتى 2026    نهضة بركان في موقعة الحسم أمام سيمبا التنزاني نحو اللقب القاري    سوريا تلتزم بالبحث عن أمريكيين    انقطاع الكهرباء يعزل نيس الفرنسية    حرارة مرتفعة.. هذه توقعات الأرصاد لهذا اليوم الأحد    هلال: الجزائر تعاني من فصام سياسي مزمن .. وتغذي الإرهاب في المنطقة    المخرج الإيراني المعارض جعفر بناهي يظفر ب"السعفة الذهبية" في مهرجان "كان"    حقوقيون ينشدون العفو عن النقيب زيان في عيد الأضحى    الجامعي: المغرب يعيش تراجعا حقوقيا تقوده عقلية إدارية مُمخزنة بائدة لا تستحق الثقة ولا الاحترام    ضبط عوامل الخطر لدى مرضى ضغط الدم يقلل خطر الوفاة    المعهد الملكي للشرطة بالقنيطرة يحتضن مراسم الاحتفاء بالشرطيات والشرطيين الموشحين بالأوسمة الملكية    أسوشيتد برس: قادة في جيش إسرائيل يأمرون باستخدام فلسطينيين دروعا بشرية    وفاة طفل داخل سيارة نقل مدرسي بتاونات تستنفر النيابة العامة    أوجار: جو الأمان يدعم الديمقراطية ببلادنا وإنجازات الحكومة تجعلها الأنجح في تاريخ المغرب    فيضانات أستراليا تخلف خمسة قتلى وآلاف المنازل المتضررة    مدرب نهضة بركان يشدد على أهمية الحفاظ على التركيز أمام سيمبا التنزاني    باحثة ترصد تأثير تحولات الأسرة المغربية على السلوك الغذائي للأطفال    فيدرالية الأحياء السكنية ومتطوعون ينظمون ورشا بيئيا بشاطئ الجديدة    طنجة.. توقيف خمس فتيات من جنسية إيفوارية حوّلن شقة مفروشة إلى وكر للدعارة    الملك يستقبل الولاة والعمال الجدد بالقصر الملكي بالرباط    استمرار تأخر تعويضات تصحيح وحراسة الامتحانات يغضب رجال التعليم    المغاربة بعد الجزائريين أكثر المهاجرين في فرنسا    بركان يختتم التحضير لمواجهة سيمبا    "ماطا" تبعث برسائل السلم والتآخي والتعايش بين الأديان    البطولة: السوالم يقترب من ضمان البقاء عقب انتصاره على أولمبيك الدشيرة    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولات الأسبوع على وقع الارتفاع    عزيز كي يوقع عقد الالتحاق بالوداد    لكريني يرفض إساءة الجزائري بخوش    ارتفاع تهديدات اختطاف الأطفال من وإلى هولندا.. والمغرب في دائرة الاتهام    "استدامة الموارد المائية والأمن الغذائي" شعار المؤتمر الجهوي للاتحاد العام للفلاحين بسوس ماسة    السغروشني: تموقع بلدنا غير بارز كفاية على مستوى الترتيب العالمي المرتبط بالذكاء الاصطناعي    المعهد الموريتاني يحذر: صيد الأخطبوط في هذه الفترة يهدد تجدد المخزون البيولوجي    مدينة العرائش تحتضن الدورة الثانية من ملكة جمال الفراولة    الجناح المغربي يتألق في مهرجان كان السينمائي    "Art du Caftan"يحتفي بعشر سنوات من الإبداع في دورته العاشرة بمدينة طنجة    حجاج التنظيم الرسمي مدعوون للإحرام في الطائرات حين بلوغ ميقات "رابغ"    تتويج الفائزين بجائزة المغرب للشباب 2025    بلاغ جديد من وزارة الأوقاف للحجاج المغاربة    وزارة الأوقاف: حجاج التنظيم الرسمي مدعوون للإحرام في الطائرات حين بلوغ ميقات "رابغ"    الله أمَر بالسّتْر ولم يأمُر ببيْع الماسْتَر !    دراسة: الولادة المبكرة قد تكون مفيدة في حالة الأجنة كبيرة الحجم    السعودية تجري أول عملية لزرع جهاز ذكي داخل الدماغ في الشرق الأوسط    البرازيل في ورطة صحية تدفع المغرب لتعليق واردات الدجاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اختناق العدالة والتنمية
نشر في هسبريس يوم 04 - 06 - 2016


3.في مأزق التصور الديمقراطي.
ناقشنا في المقالين السابقين بعض مظاهر الاختناق السياسي في مشروع العدالة والتنمية من خلال زيف أطروحته المتعلقة بفصل الدعوي عن السياسي، ومن خلال خطاب التسلط الذي يشكل خيطا ناظما في أدائه السياسي.
وإذا كانت ورطة الدعوي والسياسي تنكشف بناء على غلبة الإيديولوجية الرسالية (الدعوية) على الممارسة السياسية المدنية، وهو مأزق يرتبط بحركات الإسلام السياسي عموما ، لعدم قدرتها على التكيف مع مقتضيات بناء الدولة المدنية العصرية مع ما تعنيه من انتصار لقواعد التعدد، والاختلاف، والحريات العامة، والقبول بمأسسة السياسة على قواعد الصراع الديمقراطي والقبول بالمنافسة السياسية المفتوحة، فإن خطاب التسلط الذي يوظفه الحزب الديني بترويجه لمقولة " التحكم"، وباعتماده لأسلوب المظلومية يستهدف ربح مواقع ومساحات في المشهد السياسي بافتعال معارك ذات طبيعة هوياتية، والاستعاضة عن فشله في تدبير السياسات العمومية ب الترويج لأسطوانة "قوى التحكم والفساد".
واعتبارا للمأزق السياسي الذي يتخبط فيه الحزب الديني، بالنظر لعدم قدرته على فصل خطابه الدعوي عن مجال الممارسة السياسية، وتوظيفه لمقولات تحكمية تكشف تمثلاته للمسألة الديمقراطية، فان العديد من المواقف المعلنة تسمح بمقاربة مأزق التصور الديمقراطي عند العدالة والتنمية.
وعندما صرح بنكيران مثلا في إحدى جلسات البرلمان بأنه لا يشتغل إلا مع من صوت عليه، فانه كان يترجم عمليا حقيقة المشروع السياسي الذي يشتغل عليه الحزب الديني. وهو التصور القائم على نفي فكرة التعددية التي تؤسس للديمقراطية التمثيلية والتشاركية بأبعادهما الشاملة.ويرجع هذا التصور إلى الأصول المرجعية في ايديولوجيته القائمة على منطق الاستقواء والغلبة، لا على منطق الاختلاف والتعايش.
ولأن حزب العدالة والتنمية حزب ديني يسعى إلى فرض نموذج خاص للمجتمع بتقنين أنماط السلوك،والفكر، والفن، والعلاقات العامة والخاصة،وبناء نموذج للدولة الدينية بما يتعارض مع أسس المدنية السياسية بأبعادها الدستورية، والمؤسساتية، والقانونية، فان هذا المشروع يصطدم بامتحان الديمقراطية، شأنه في ذلك شأن كل الجماعات الدينية، في طبيعة تمثلاتها للديمقراطية كفكرة، وكمشروع مجتمعي. وثانيا، كاختيار سياسي ومؤسساتي.
وعندما شن البيجيدي حربا مقصودة على الإعلام العمومي من خلال محاولته تمرير ما سمي بدفاتر تحملات السمعي البصري، أو عندما هاجم أحدهم في البرلمان صحفية بسبب ما اعتبره لباسا غير لائق،لم يكن الأمر طبعا معزولا عن هذه التمثلات.
واليوم،يترجم التشكيك في نتائج الانتخابات التشريعية القادمة ملمحا من ملامح الأداء السياسي للبيجيدي بتوظيفه هذه الورقة من أجل الضغط على خصومه السياسيين من جهة، وعلى الدولة من جهة أخرى. مما يسائل حقيقة هذه المناورة التي تعمل – كما قلنا في مقال سابق- على التلويح المستمر بتقويض العملية السياسية برمتها، وتصويرها لدى الرأي العام الوطني والدولي أنها معادلة تهم شرعية العملية الديمقراطية. وهذا التشكيك في جوهره مقايضة سياسية تعني ما يلي.. إما أن يربح البيجيدي الانتخابات وإلا فان الشارع سيتحرك...
ومن منظور الصراع السياسي والديمقراطي، قد يكون مقبولا- إلى حد ما- إشهار كل الأوراق المشروعة في المنافسة الانتخابية، لكن أن يعلن حزب ما مصادرته القبلية لنتائج الانتخابات، فهذا معناه التشكيك في شرعية المؤسسات الدستورية، وعدم القبول بالتباري الديمقراطي إلا بمنطق الاستقواء وإقصاء الآخرين.وعندما يتم تهديد الدولة عشية الانتخابات، وتوظيف أبواق إعلامية لهذا الغرض،فان الأمر يكشف مأزق التصور الديمقراطي عند الحزب الحاكم.
إن مبدأ " الاختيار الديمقراطي" الوارد في الدستور يتعارض كلية مع هذا النوع من الخطاب على اعتبار أن شرعية العملية السياسية برمتها، ومن خلالها العملية الانتخابية، لا يمكن أن تخضع لهذا النوع من المقايضة، أوالمساومة.
وينبغي التذكير في هذا المقام بأن السياق السياسي الذي أفرز حكومة بنكيران عبر انتخابات سابقة لأوانها كان من المفروض أن يساهم في عملية الترسيخ الديمقراطي لا أن يفرمل الوثيقة الدستورية، لأن مسار الإصلاحات السياسية والدستورية لم يبتدئ مع 20 فبراير، ولا مع العدالة والتنمية، وكان من المفروض في هذه المرحلة المضي قدما في طريق ترسيخ مقومات دولة القانون والعدالة الاجتماعية،و محاربة الفساد، قولا وفعلا،لا أن يتحول الشعار إلى بروباغندا أفرغته من محتواه الحقيقي، فازداد الفساد تغولا عندما أعلن رئيس الحكومة التطبيع الرسمي معه في قناة أجنبية.
وعو ض أن يباشر رئيس الحكومة مهامه واختصاصاته الدستورية الجديدة،كسلطة تنفيذية( لأول مرة في الدساتير المغربية المتعاقبة منذ 1962 يتم التنصيص على السلطة التنفيذية) فضل أن يلعب، في الرقعة السياسية لا كرئيس للحكومة بل " كزعيم" معارض من داخل مؤسسات الدولة. مما أفرغ التجربة الحكومية من سلطتها التنفيذية وحولها لسلطة سياسية،يمارس رئيسها المعارضة ، تارة ضد الدولة، وتارة ضد الفرقاء السياسيين، وتارة أخرى ضد " الأشباح".
وهذا السلوك يترجم في اعتقادنا مأزق التصور الديمقراطي في مشروع العدالة والتنمية. وقد شكل- ويشكل- مناورة سياسية عطلت إمكانات إنجاح العديد من الملفات التشريعية، والإصلاحية، كما ساهم في تعطيل البناء الدستوري بتعطيل القوانين التنظيمية. ولم يفلح رئيس الحكومة إلا بالتسابق مع الزمن لربح التعيينات في المناصب العليا ليبشرنا بها ناطقه الرسمي عند انعقاد المجلس الحكومي كل يوم خميس ، وتحريف النقاش العمومي في ملفات بالغة الأهمية( تدريس اللغات- إصلاح التعليم- الأمازيغية- المناصفة..)، وكلما احتد الصراع السياسي ضد الاختيارات الاقتصادية والمالية التي تنهجها حكومته يعلن للرأي العام بأنه يشتغل بتوجيهات الملك، وان اقتضى الحال الذهاب إلى السجن إن أراد جلالة الملك ذلك.
إن مأزق التصور الديمقراطي في المشروع السياسي للحزب الديني يرتبط بمحاولة البحث عن تأسيس " شرعيته" السياسية التي قد تخلصه من ماضيه، ومن التهم التي ضلت عالقة به بعد الأحداث الإرهابية التي ضربت بلادنا سنة 2003، وما تلاها من تطورات متلاحقة في المنطقة، وكذا بسعيه اللاشعوري للتطبيع مع الدولة وتصوير حزبه كحزب إصلاحي يؤمن بالعمل المؤسساتي...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.