في بحث ميداني وُصف ب"الأول والأكبر من نوعه بالمغرب"، أعد المركز الأورو إفريقي للدراسات والأبحاث الميدانية، الذي تترأسه نعيمة المدني، أستاذة علم الاجتماع والأنتروبولوجيا بجامعة مراكش، بحثا في موضوع: "العادات الغذائية المغربية في مواجهة التغيرات المناخية"، طال عينة ناهزت 1500 شخص. وتقول نعيمة المدني، في هذا الصدد، إن البحث الميداني المنجز "أثبت ضرورة العناية بتبسيط مفهوم التغيرات المناخية، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالحملات التحسيسية التي تحتاج إلى ترجمة مثل هذه المفاهيم إلى الدارجة المحلية بالنسبة للساكنة التي تعاني درجة كبيرة من الأمية". وأفادت الدراسة، وفق المدني، بأن "نسبة المبحوثين الذين تفاعلوا بشكل مباشر مع مفهوم التغيرات المناخية ترتفع في أوساط الأشخاص المتوفرين على مستوى تعليمي جامعي بنسبة 83 بالمائة، إذ تم تسجيل ميلهم إلى استعمال معلومات علمية مستقاة من وسائل الإعلام أو الشبكة العنكبوتية، مثل الانحباس الحراري، أو ثقب الأوزون". أما باقي الفئات التي لا يتعدى مستواها الابتدائي، تضيف مدني، ف"تبين أنها تخلط بين التغيرات المناخية وتعاقب الفصول، إذ إن مفهوم التغيرات المناخية بالنسبة لها لا يوحي بالأزمة، ولا بالخطر الذي ينبغي فعلا أن يعبر عنه، وهو الأمر الذي ينسحب ليس فقط على الترجمة العربية، بل أيضا على مثيلتها في اللغة الفرنسية". وركز البحث على أثر وسط الإقامة في التعاطي مع مشكل التغيرات المناخية في علاقتها بالعادات الغذائية، فإذا كانت التقلبات المناخية ظاهرة كونية، فإن نسبة المشاركة في حدوثها تختلف بين المدينة والقرية، حسب المراحل التي يقطعها الغذاء قبل أن يصل إلى مائدة الطعام، وينتهي به الأمر في القمامة. وتضيف رئيسة المركز بأنه "بخصوص التعامل مع النفايات الغذائية، اعتبرت المبحوثات من الساكنة الحضرية أن إعادة تدوير النفايات والبقايا الغذائية لا تنسجم مع السلوكات الحضرية، خصوصا في أوساط ذات مستوى سوسيو اقتصادي عال، تعتبر أن عملية التدوير المنزلي للنفايات ترتبط بالفئات الفقيرة، بنسبة وصلت إلى 32 بالمائة". وعبرت نسبة كبيرة من المبحوثين في الوسط الحضري، وصلت إلى 57 بالمائة، بأنها تعاني من التبذير الغذائي من خلال اقتناء ما يزيد عن الحاجة الأسرية، ويزداد في بعض المناسبات الدينية، خاصة رمضان الكريم الذي يتسم بوجود أكوام من الأغذية والأكلات المتخلص منها في القمامة، حسب المصدر ذاته. ويمر المنتج الغذائي من عدة مراحل قبل أن يصل إلى المستهلك في الوسط الحضري، ما يتسبب في مشاكل بيئية خطيرة، حيث كثرة الوسطاء ونقاط التزود التي تحتم الاحتفاظ بالأغذية مدة أطول، بشكل ينعكس أيضا على القيمة الغذائية للمنتج التي شكلت النقطة الأساسية التي ركز عليها المبحوثون بنسبة 69 بالمائة، يورد المصدر ذاته. وسجل البحث ذاته اكتراثا ضعيفا بمساهمة الوسائل اللوجستية المستعملة في جلب المنتجات الغذائية في التلوث، بنسبة لم تتعد % 17، "ما يؤكد اهتمام المواطن بالقضايا التي يحس بتأثيرها المباشر، ما يتطلب من المعنيين بقضايا المناخ، من مؤسسات وباحثين، مضاعفة الجهود للتعريف بالخطر البيئي، باعتباره خطرا صامتا". وحسب المدني، فقد "اعتبر عدد كبير من المبحوثين، بنسبة %77، أن ساكنة المدن أكثر مساهمة في التلوث البيئي من ساكنة القرى على مستوى النفايات الغذائية، بالنظر إلى استعمالها للأغذية المعلبة والملفوفة، في حين قلما يكثر الإقبال على هذا النوع من الأغذية في الوسط القروي". وعبر 67 في المائة من المبحوثين من الساكنة القروية عن تمثلات خاصة حول المجال الخارجي، الذي يعتبرونه امتدادا للمجال البيتي، لذلك يكون لديهم حرص على نظافته، كما يتم استعمال المخلفات الغذائية، وهي قليلة مقارنة مع تلك المسجلة في المدينة، كغذاء للدواجن والمواشي، أو كسماد في بعض الضيعات البيولوجية. ومن النتائج المثيرة لهذا البحث، وفق المدني، "تصريح 61 بالمائة من المستجوبات في الوسط القروي بأنهن قبل حملة "زيرو ميكا" كن لا يتخلصن من الأكياس البلاستيكية إلا عندما تتمزق، إذ يحرصن على تنظيفها وإعادة استعمالها أكثر من مرة، مقارنة مع نساء الوسط الحضري". وسجل البحث تثمينا كبيرا في الوسط القروي والحضري لمبادرة "زيرو ميكا"، بنسب عالية، إذ اعتبرت مستجوبات بدويات أن الحملة أعادت الاعتبار للعادات القروية الأصلية، من خلال الاعتماد على منتوجات طبيعية في جلب الأغذية؛ وهي "نتائج تدفع إلى إعادة طرح النقاش حول التداخل بين القروي والحضري في سلم القيم الاجتماعية"، تورد المدني. وأوضح المصدر ذاته كيف يرتبط وعي المبحوثين بخطر الاضطرابات المناخية بدرجة الأذى المباشر الذي يلحقهم جراء هذه الاضطرابات، مثل العزلة، ونقص الإنتاج، والأسعار، خاصة في الوسط القروي، في حين تم تسجيل تصريحات مستفيضة عن ارتفاع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية، بفعل اضطرابات المناخ لدى المبحوثين من الساكنة الحضرية بنسبة وصلت إلى %39.