يسمع المغاربة كثيرا عن احتجاج مرتفقي المستشفيات والمراكز الصحية والمستوصفات على رداءَة الخدمات الطبية المقدّمة لهم، خاصة في المناطق النائية؛ لكنّ الأضواء لا تُسلّط كثيرا على معاناة الأطقم الطبية والتمريضية العاملة في هذه المراكز الصحية. ينقُل شكيب كوش، وهو ممرض رئيسي في المركز الصحي ببلْدة أنجيل إخاتارن، الواقعة على بعد 20 كيلومترا من بولمان، صورا من المعاناة التي تعيشها هذه الفئة من الأطر، فيقول: "نواجهُ مشاكل كثيرة في عملنا، ويأتي رأسها، في فصل الشتاء، مشكل برودة الطقس، حيث تنزل درجة الحرارة إلى أربع أو خمس درجات تحت الصفر". في هذا المناخ القاسي يُمكن أن يَطرق مريض باب بيْت شكيب كوش، أوْ أحدِ زملائه الممرضين أو القابلات، في أيّ ساعة من ساعات الليل، ويطلُب منه أن يرافقه إلى المركز الصحي ليقدّم له العلاج، أو لتوليد حبلى، في إطار ما يُسمّى "الخدمة الإلزامية". ولَئن كان الواجبُ يفرض أداءَ هذه المهمّة، إلا أنّ الممرضين والأطباء المشتغلين بهذا المركز الصحي لا يتلقّون تعويضات الخدمة الإلزامية سوى عن أربعة أشهر أوْ أقلَّ في السنة، بداعي أنّ "الميزانية ما كايناش"، كما يقول شكيب، مضيفا: "خلال السنوات الأربع السابقة، لم نُعوّض سوى عن شهرين أو ثلاثة أشهر. وفي السنة الماضية كنا محظوظين قليلا، وتمّ تعويضنا عن أربعة أشهر ونصف الشهر". حينَ يرحلُ فصل الخريف ويدقّ فصل الشتاء ببرده القارس أوتاده على جبال بولمان، تتضاعف معاناة المرضى القاصدين للمركز الصحي بإنجيل إختاران، والطاقم الطبي والتمريضي العاملِ به على حدّ سواء، إذْ يعيش البلدة في عُزلة تامة، لمدّة قد تصل إلى ثلاثة أيام، ويصير مستحيلا تحويل المرضى إلى ميسور أو فاس. "دار الولادة بالمركز الصحي لا تستوعبُ جميع الحالات الوافدة عليها؛ لكن عندما تنقطع الطريق بسبب الثلوج نضطر إلى الاشتغال بما توفّر من إمكانات، بالرغم من عدم كفايتها"، يقول شكيب كوش، متذكّرا حالة امرأة استعصى توليدها بالمركز خلال السنة الماضية، فجرى نقْلها إلى مركز آخر، واستغرقت رحلة قطْع 70 كيلومترا فقط زهاء خمس ساعات، بعد الاستعانة بأهل البلدة لفسْح الطريق المغطاة بالثلوج لسيارة الإسعاف. معاناة هذه السنة بالنسبة إلى شكيب وزملائه الأطباء والممرضين في المركز الصحي حيث يشتغل لا تختلف عن معاناة السنوات الماضية، إن لم تكنْ أشدَّ، بسبب نقْص كميّات حطب التدفئة التي يُزوّد بها المركز الصحي، بمعدّل النصف أوْ أكثر، حسب روايته. وبالرغم من أنّ المركز الصحي مجهّز بنظام التكييف الكهربائي، فإنّه لا يغطي جميع مرافقه، "المركز يضمّ تسعَ غرف، وتمّ إعطاء الأولوية لجناح الولادة وجناح التلقيح للاستفادة من مكيّفات الهواء، في حين أنّ جناح الانتظار غير مجهّز بنظام التكييف"، يقول شكيب، مضيفا أنّ المركز يعاني نقصا كبيرا في الأدوية والأطر الطبية. في المركز الصحي ببولمان، لا يبدو الوضع مختلفا، "نشتغل في ظروف قاسية، ونعاني مشاكل كثيرة، لكنّ أكبرَ مشكل نواجهه الآن هو برودة الجوّ الشديدة، ليس هناك نظام تكييف في المركز الصحي الحضري ببولمان، نستعين فقط بالمراجل "Chaudières"، ونعاني من رائحة الفحم"، يقول هشام أزريبة، الممرض الرئيس بالمركز الصحي بولمان. ويضيف المتحدث أنَّ المركز الصحي يفتقر إلى التجهيزات الكافية، كما يعاني قلة الأطباء، "وهو ما يدفعنا إلى إرسال المرضى إلى مدينة فاس، وأحيانا إلى مستشفى ميسور؛ لكنَّ هذا الأخير أيضا لا يتوفر على تجهيزات كافية. وحين يسقط الثلج تصير المنطقة منكوبة، إذ تتضاعف المدّة التي يستغرقها وصول المرضى إلى فاس أو ميسور، بسبب انقطاع الطريق بالثلوج". بالرغم من أنَّ المركز الصحي لبولمان يغطّي مساحة جغرافية يصل عدد ساكنتها إلى 75 ألف نسمة، فإنّه لا يتوفر سوى على سيارة إسعاف واحدة. وحين تكون هذه السيارة في مهمّة خارجية، وتأتي إلى المستشفى حالة مُستعجلة، يجري الاتصال بالمراكز الصحية المجاورة، بحثا عن سيارة إسعاف أخرى، "وفي كثير من الأحيان، لا نجدها"، يقول هشام أزريبة، مضيفا "نواجه مشاكل كثيرة في عملنا، وما زالت المعاناة مستمرة".