فيروس غامض ضواحي الناظور.. والمصابون يشكون آلاما حادة في المعدة والأمعاء    منتج غذائي يتناوله المغاربة كثيرا.. الأطباء: تجنبوه فورًا    لفتيت يكشف أرقاماً صادمة عن الجريمة بالمغرب    المركز الوطني للإعلام وحقوق الإنسان يرفض مشروع قانون تنظيم المجلس الوطني للصحافة ويعتبره «نكسة دستورية»    طفل يُفارق الحياة غرقاً في حوض مائي أنجزته شركة خاصة قرب الدار البيضاء    ترامب: هناك فرصة جيدة لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة هذا الأسبوع    حفل بيئي بنكهة فنية يكرّم كزينة عويطة بشاطئ الأمم المتحدة -صور-    النيجيريات يهزمن التونسيات بالبيضاء    لشكر: المعارضة الاتحادية مسؤولة    "لبؤات الأطلس" يتدربن في المعمورة    بعد فيضانات مميتة.. ترامب يعلن حالة "الكارثة الكبرى" في تكساس    إقليم النواصر.. وفاة طفل إثر سقوطه في حوض مائي غير محروس    "مساندة الكفاح الفلسطيني" تنعى أندلسي    فضيحة.. قناة عمومية تبث خريطة مبتورة للمغرب خلال تغطية كأس أمم أفريقيا للسيدات    توقعات أحوال الطقس غدا الإثنين    جيش المغرب في استعراض بموروني    إيلون ماسك يعلن رسميا عن تأسيس حزب سياسي جديد يحمل إسم "أمريكا"    بعد إغلاق "لافوكا".. دعوات لتعميم المراقبة على مقاهي ومطاعم طنجة "المحمية بالشهرة"    طنجة تضع توقيعها في خريطة الصناعة النظيفة .. المغرب يدخل عصر السيارات الكهربائية والحلول الذكية للتنقل    الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية القمر الاتحادية بمناسبة العيد الوطني لبلاده    الوزيرة السغروشني: الرقمنة والذكاء الاصطناعي قادمان للقضاء على الفساد والرشوة    حرب الإبادة على غزة.. مقتل 54 فلسطينيا بغارات إسرائيلية على منازل ومدرسة وخيام نازحين    «وليتي ديالي»… إبداع جديد في مسيرة نصر مكري    باسو يشعل الدار البيضاء ب»أتوووووت» بعد نجاح جولته بين باريس ومراكش    لماذا النبش في علاقة الجدلية بين المسرح والديبوماسية، في الدورة 37 للمهرجان الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء    جمال موسيالا يغيب لفترة طويلة بسبب كسر في الشظية    "التقدم والاشتراكية": الحكومة فشلت على مختلف المستويات وغيَّبت مكافحة الفساد لأنها واقعة في تضارب مصالح    السلطات تُغلق مخيمي "بن صميم" و"خرزوزة" بإفران بسبب افتقارهما لشروط السلامة    اللاعب المغربي محمد أوناجم ينضم إلى نادي كهرباء الإسماعيلية    فوضى عاشوراء .. انفجارات ومواجهات تثير الرعب    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم للسيدات 'المغرب 2024': المنتخب الوطني المغربي يتعادل مع نظيره الزامبي '2-2'    ريان إير تعلن عن تعديل جديد يخص أمتعة المسافرين        الحوثيون يقصفون مطار "بن غوريون" في إسرائيل        مشروع طرقي ضخم لتحسين الوصول إلى ملعب الحسن الثاني ببنسليمان    حكيمي يواصل التألق بمونديال الأندية    "الطعريجة".. رمز متجذر في احتفالات المغاربة بعاشوراء    منتج الكبّار .. تعاونيات تبدع طرقا جديدة للتثمين وأقاليم تتلمّس الطريق    "حزب الله" يرفض التخلي عن السلاح    المغرب يراهن على مليون سائح صيني بحلول 2030    المؤسسات والمقاولات العمومية.. زغنون يدعو إلى حوار إستراتيجي بين القطاعين العام والخاص    في حوار مع الدار.. الخبير الدولي الصيني برنارد سوك: الصحراء أرض مغربية    إشهار ترويجي لشركة المراهنات "1xBet" يُظهر خريطة المغرب مبتورة على القناة الرياضية يثير الجدل (صورة)    القهوة تكشف سرا جديدا.. "إكسير الشباب" يعزز صحة الأمعاء ببكتيريا نافعة    بومداسة يوقع "إثنوغرافيا الدرازة الوزانية"    الهيمنة المسمومة .. كيف دفعت الصين ثمناً باهضاً للسيطرة على المعادن النادرة    بيان تضامني مع المعتقلة سعيدة العلمي صادر عن هيئات ومنظمات حقوقية وسياسية في أوروبا الغربية    إخلاء طائرة رايان إير في مايوركا بسبب إنذار كاذب وإصابات طفيفة بين الركاب    الوعي الزائف:رسالة إلى امرأة تسكنها الأوهام!    غويركات يرثي محمد بهضوض.. "الفكرة التي ابتسمت في وجه العالم"    جامعة محمد السادس تشارك في ابتكار جهاز ينتج المياه العذبة من الهواء دون مصدر طاقة خارجي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    تفسيرات علمية توضح أسباب فقدان ذكريات السنوات الأولى    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بنيس: التزمّت الديني والاستهلاك الإعلامي يغتالان ألق العربية
نشر في هسبريس يوم 12 - 02 - 2017

في ليلة باردة، تدفأ مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث بمدينة المحرق التاريخية، شمال البحرين، بباقة من قصائد الشاعر المغربي محمد بنيس. لمعت شمس الكلمات وأينعت شجرة الحلم في قصائد "فاس الدهشة"، و"تحت سماء الخطوط"، و"سكر"، و"لم أعد أذكر متى جاءني الأزرق"..
القصيدة الباذخة، معنى ومبنى، سبرت أغوار المجهول واللانهائي. شعر فرض بهاءه على الفضاء وحفر عميقا في الذوات وهي تنصت لارتطاماتها الداخلية. كانت ذبذباته لذيذة وموجعة في آن. ذبذبات كان وقعها ممتدا لا آنيا.
إنها صنعة الشعر البارعة: الصور تولد وتلاحق بعضها البعض واللغة شفيفة وكأنها تتدفق صافية من نبعها الأول. حركات اليد تؤثث المشهد وكأنها يد مايسترو يبدع تقاسيم سمفونية فريدة، والصوت ينخفض حد الهمس ثم يعلو كموج هادر قبل أن يخيم الصمت على المشهد.
إنه الشاعر الحداثي يغدق الجمال مدرارا، ويفتح نوافذ الحلم السالك نحو طهرانية الذات والعالم، نحو المرتع الخصب الشاسع للحياة والحب.. هي صرخة الحرية مدوية في وجه التحجر والانغلاق، البشاعة والقبح.. من غير الشاعر يفك طلاسم وجودنا الغامض والغرائبي ويكنس الرواسب المتحرجة في دواخلنا؟. من غيره يدثرنا بورقة البهاء لنستدفئ من برد وعراء الوقت.. ؟ "إنما سمي الشاعر شاعرا لأنه يشعر بما لا يشعر به غيره"، يؤكد ابن رشيق القيرواني في كتاب "العمدة".
وطأ بنيس لقراءته الشعرية برسم صورة قاتمة للزمن الراهن المضاد للشعر، حيث نجتاز في زمن الأدب التجاري الإعلامي مرحلة العولمة وهجران اللغة التي لم يبق لها بعد، وهذا الهجران هو للشعر أيضا. لقد سجل بمرارة أن الشعر العربي انطلق من فكرة العروبة وأساسها اللغة والآداب، "وهذه الفكرة ستغيب عنا غيابا شبه طويل".
فكرة العروبة هي التي أعطت اللغة العربية مكانها، وكان الشعر في مقدمة الأدب الذي قام بثورة في الثقافة العربية، وكل من يعرف الشعر العربي يدرك أن الشعراء قاموا بعمل مدهش في اللغة العربية وفي العقلية والخيال والتصور. وهذا كله يتعرض اليوم للهجران إما إلى الرواية وإما إلى خطاب ديني متزمت، أو إلى خطاب إعلامي استهلاكي.
هجران اللغة هذا يتطلب، من منظور الشاعر، مقاومة من خلال اعتبار الشعر لغة أولا. إن حب الشعر والدفاع عنه هو أولا تمسك باللغة والاشتغال عليها لأن ما يجب أن يبقى هو اللغة، وما يبقى يؤسسه الشعراء وحدهم.
الشعر سيد المجهول لا المعلوم، وثمة حاجة للعودة إلى المجهول، إلى الأساس في الإنسان. الإنسان أساسه ليس المعلوم ولكن المجهول، إنما هو ليس هذا المجهول الذي يلتبس علينا ولكنه المجهول الذي يقودنا نحو اللانهائي فينا، وهذا لا يكون إلا من خلال هذا الشعر الذي يفجر كل الحدود الممكنة من أجل بلوغ الأفق اللانهائي.
إن كل الشعراء الذين يقاومون من أجل الشعر، يؤكد صاحب ديوان "هناك تبقى"، هم واعون أكثر بدور الشاعر في هذا الزمان. إنه ليس شاعر الخطابة أو البلاغة، وليس شاعر الفتنة.. هو شاعر يشتغل في المناطق السلمية التي نكاد لا نراها.
الشاعر المغربي شدد على أن الشعر كان دائما ضروريا لأنه هو العنصر الذي يصل بالإنسان من خلال اللغة إلى أصفى حالات الأحاسيس والعلاقة بالأشياء وبالآخرين وبالكون. إلا أن هذه الضرورة تأخذ أشكالا متعددة حسب مراحل من التاريخ أو أوضاع حضارية وعلمية مختلفة.
نحن اليوم نعيش مرحلة صعبة في العالم العربي مطبوعة بالتطرف الديني وفكر الانغلاق الذي لا يرى في الحياة سوى ما بعد الموت، يردف بنيس، مبرزا أن الشعر هو لغة الحياة، والتشبث بالحياة هو تشبث بالشعر في الوقت نفسه لأنه هو الذي يعلمنا في كل لحظة كيف يمكن أن نتعامل مع تفاصيل حياتنا ولكن في نفس الوقت مع الأسئلة الكبرى التي نحس أنها تعترضنا في حياتنا أو أنها تفتح لنا أفقا لكي نتعلم كيف نعيش.
لذلك يجزم الشاعر بأن ضرورة الشعر اليوم هي ضرورة مضاعفة، وهذا ليس مجرد كلام بلاغي أو دعائي ولكنه صادر عن تصور للشعر وأهميته عبر المجتمعات والتاريخ، وهذه هي الضرورة المضاعفة التي لا بد أن ننتبه إليها اليوم في العالم العربي إذا كنا فعلا نفكر في تجاوز ما نعيشه بأفق مفتوح على المستقبل، ولا نكون في تفكيرنا منحصرين فقط في تفكير إما أمني أو وقائي محدود الفاعلية والأثر.
وعن الشعرية، يوضح بنيس أنه في القديم كان الإلمام بالتقنية الشعرية محدودا في مجموعة من القواعد الأولية وكان على الشاعر أن ينمي في ما بعد شخصيته الشعرية، أما اليوم فلم تعد هذه الضوابط بالصرامة التي كانت عليها من قبل. هناك ضوابط أخرى منها ما يمكن أن نلمسه بسهولة وهناك ما لا يمكن أن نعرفه إلا من خلال شاعر معين.
إن الشعرية اليوم، وكما في كل الأزمنة، شعرية فردية ولكن كان هناك غطاء إما للشعرية العربية أو الشعرية اليونانية أو الفارسية وغيرها وهذا شيء طبيعي، إلا أننا اليوم، يبرز الشاعر، أمام شعريات فردية أوضح، وهي شعريات تتطلب مجهودا مضاعفا في استيعاب هذا الجانب الذي كان أساس بناء القصيدة العربية أولا، ثم الانفتاح على التجربة الشعرية الحديثة في كل مكان، لأن هذا هو مصيرنا، وفي الوقت نفسه لابد من أن يستطيع الشاعر أن يصل إلى تكوين لغته الخاصة وعالمه الشعري الخاص، وهو ما يبرر كتابة الشعر، وبهذا نصل إلى النقطة الأساسية وهي الصوت الشخصي للشاعر وشاعريته.
* و.م.ع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.