10 مليارات درهم عمولات سنويّة.. "الأوليغوبول البنكي" قد يعرقل دخول بنك "رفولي" الرقمي بخدماته المجانية السوق المغربية    المغرب يعزز أسطوله الجوي ب10 مروحيات متطورة    الدشيرة الجهادية .. انطلاق فعاليات الدورة ال18 للمهرجان الوطني للفروسية التقليدية    المجلس العلمي الأعلى يعلن إعداد فتوى شاملة حول الزكاة بتعليمات من الملك محمد السادس    الولايات المتحدة: دونالد ترامب يريد تغيير اسم وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب    ارتفاع أسعار الذهب    إقصائيات مونديال 2026 'المغرب-النيجر': مجمع الأمير مولاي عبد الله يفتح أبوابه في الساعة الرابعة عصرا    بعد الأرجنتين والبرازيل والإكوادور.. تأهل أوروغواي وكولومبيا وباراغواي لنهائيات كأس العالم 2026    ملعب الأمير مولاي عبد الله.. إشادة جماهيرية بتحفة رياضية غير مسبوقة    أمير المؤمنين يأمر بإصدار فتوى شاملة توضح للناس أحكام الشرع في الزكاة        رضوان برحيل يعلن موعد إصدار جديده الفني            بلاغ: أمير المؤمنين يصدر أمره المطاع إلى المجلس العلمي الأعلى بإصدار فتوى شاملة توضح للناس أحكام الشرع في موضوع الزكاة    تحويلات مغاربة الخارج تسجل رقما قياسيا    توقعات أحوال الطقس لليوم الجمعة    مبادرة ملكية لتبسيط فقه الزكاة وإطلاق بوابة رقمية للإجابة على تساؤلات المواطنين        مجلة The Economist: المغرب يتحول إلى قوة تجارية وصناعية كبرى بفضل ميناء طنجة المتوسط وشبكة مصانعه    ملعب الأمير مولاي عبد الله في حلته الجديدة يحتضن مباراة استثنائية لأسود الأطلس    موجة جديدة من كوفيد-19 تضرب كاليفورنيا        غياب التدابير الاستعجالية لمواجهة أزمة العطش تجر بركة للمساءلة    كيوسك الجمعة | أكثر من 8 ملايين تلميذ يلتحقون بمدارسهم    شاب يلقى حتفه طعنا إثر خلاف حول نعجة    ليلة إنقاذ بطولية بحي إبوعجاجا بعد سقوط حصان في بئر        جلالة الملك يصدر عفوه السامي على 681 شخصا بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف        "زرع الأعضاء المطيلة للعمر والخلود"… موضوع محادثة بين شي وبوتين    غانا.. مواجهات وأعمال عنف قبلية تخلف 31 قتيلا وتهجر حوالي 48 ألف مواطن        معتقلو حراك الريف بسجن طنجة يدينون رمي رجال الأمن بالحجارة.. إصابات واعتقالات    شي جين بينغ وكيم جونغ أون يؤكدان متانة التحالف الاستراتيجي بين الصين وكوريا الشمالية    "النكبة الثانية": 700 يوم من الإبادة في غزة… أكثر من 225 ألف شهيد وجريح    كوريا والولايات المتحدة واليابان يجرون تدريبات عسكرية مشتركة في شتنبر الجاري    الرباط تستقبل صحافيين وصناع محتوى    فضائح المال العام تُبعد المنتخبين عن سباق البرلمان القادم    اتحاد طنجة ينهي المرحلة الأولى من البطولة الوطنية لكرة القدم الشاطئية بفوز عريض على مارتيل    دياز يوجه رسالة مؤثرة بعد لقائه محمد التيمومي    سبتة تحتضن تقديم وتوقيع كتاب "محادثات سرية حول مدينة طنجة" لعبد الخالق النجمي    ملايين الأطفال مهددون بفقدان حقهم في التعلم بنهاية 2026    عفو ملكي على 681 شخصا بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف    إصابات في صفوف رجال الأمن واعتقالات على خلفية أعمال شغب أعقبت جنازة الزفزافي    اجتماع حاسم بوزارة الصحة يرسم خريطة طريق لإصلاح قطاع الصيدلة بالمغرب    النباتات المعدلة وراثياً .. الحقيقة والخيال    الحكومة تصادق على مشروع قانون جديد لتعويض ضحايا حوادث السير... 7.9 مليار درهم تعويضات خلال 2024    لحظات من الحج : 13- هنا روضة النبي،وهناك بيت الله‮    «سحر الشرق وغوايته».. عز الدين بوركة يواصل البحث في فن الاستشراق بالشرق والمغرب    حكاية لوحة : امرأة بين الظل والنور    علماء يحددون البكتيريا المسؤولة عن أول جائحة في التاريخ البشري    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    مجلس الحكومة تتداول النسخ التصويري    التفكير النقدي في الفلسفة كأداة للابتكار والتطوير المستمر    غاستون باشلار: لهيب شمعة    دراسة: ثلاثة أرباع واد سبو في سيدي علال التازي تُصنف ضمن "التلوث المرتفع جدا"    دولة أوروبية تحظر بيع مشروبات الطاقة للأطفال دون 16 عاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مرض القابلية للاستعمار المزمن
نشر في هسبريس يوم 20 - 11 - 2007

شخص المفكر الجزائري الكبير الأستاذ مالك بن نبي (الصورة) مشكلات الحضارة التي تعانيها الأمة الإسلامية من طنجة إلى جاكارطا، في مجموعة نادرة من كتبه القيمة التي لا يقرأها إلا القليل القليل من الناس، أما الذين يفهمون ما يقول فهم أقل من القليل، ومن بين أقوى الأفكار التي تحدث عنها المفكر الفيلسوف فكرة " القابلية للاستعمار"، هذه الفكرة القوية يثبت عبرها مالك بن نبي أن دخول المستعمر إلى إلى الدول المتخلفة أو دول العالم الثالث ليس من منطق أنه قوي ويمتلك عتادا حربيا متطورا أو جنودا مدربين بشكل جيد، ليس هذا ما جعلهم يحتلون أرضنا، إن ما جعلهم يحتلون أرضنا هو نحن، فقبل أن يشرع المستعمرون في تحركاتهم الاستعمارية، كانت نفسية الخنوع والانهزام قد تشكلت لدى العرب والمسلمين، مما سهل على المستعمر مأموريته فتمكنت آلته المدمرة من السيطرة على البلاد المتخلفة في كل أرجاء العالم في وقت قياسي. ""
عندما خرجت هذه الفكرة إلى الوجود قامت جمعية علماء الجزائر ضد الأستاذ مالك بن نبي متهمة إياه أنه يشرعن للاستعمار ولا يحمله المسؤولية كاملة فيما ارتكبه من مجازر في حق الجزائريين، وهو ما أدى بها إلى مطالبة السلطات الجزائرية آنذاك بمنع كتاب " وجهة العالم الإسلامي" الذي ألفه مالك بن نبي وتحدث فيه عن فكرة القابلية للإستعمار التي تعتبر فكرة خالصة للمفكر المجدد مالك بن نبي.
لكن وبعد مرور مدة ليست بالقصيرة أدرك المسلمون أن كلام مالك بن نبي كان صحيحا وأن المشكلة الأولى التي تجعل كفتي الميزان مختلتين هي جرثومة القابلية للاستعمار المستوطنة في عقولنا منذ عصور الانحطاط الأولى عند فقدان الأندلس وبداية نهاية الإمبراطورية العثمانية، لقد وقف المفكرون عند أهمية هذه الفكرة وتأكدوا أنه بدون معالجتها كمرض يصيبنا فلن تكون الأمور على ما يرام، لكن للأسف الشديد لم يستطع الكثير من المسلمين في العالم أن يتحرروا من القابلية للإستعمار رغم أنهم حصلوا على الاستقلال، فهم فعلا حصلوا على بعض الاستقلال السياسي وبقي الاستعمار الاقتصادي والثقافي والفكري مسيطرا، فمن ينظر إلى دول شمال إفريقيا مثلا يجدها مازالت تابعة بشكل قوي للمستعمر سياسيا واقتصاديا وثقافيا، فاقتصاداتها مرهونة بشكل كلي باقتصاد الدول الشمالية المستعمرة وعلى رأسها فرنسا، والتي زرعت في هذه الدول جيوشا من الأطر الذين تخرجوا في مدارسها وتشبعوا بثقافتها الفركفونية، فأصبحوا المدافعين الأوفياء عليها في بلدانهم الأصلية، وهم بذلك ممثلون غير رسميون للثقافة والفكر الفرنكفوني في الدول الجنوبية للمتوسط، أما مناهج التعليم في هذه الدول فهي لم تستطع بعد أن تنفك من عقدة التبعية المذلة للمناهج الفرنسية، ونقلها حرفيا إلى الضفة الجنوبية لتطبيقها رغم اختلاف الظروف الاجتماعية والثقافية بين البلدان، وهو ما يحتم علينا الفشل دائما، ونبقى على حالنا بدون شخصية ولا هوية ولا محاولات ذاتية للنهوض من النكبة، إننا لم نستوعب بعد منطق السفينة التي تحكم هذا العالم، فرغم أن الإسلام يؤكد دائما على السننية كمبدأ أساسي وضرورة احترامه لضمان سير جيد للمستقبل دون عراقيل ومشاكل تعيق المسيرة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فالسننية هي التي آمنت بها بعض الدول في جنوب شرق آسيا مثل ماليزيا وسنغافورة واندونيسيا واستطاعت في وقت قياسي أن تسجل نفسها في منظومة الدول المتقدمة التي تمتلك اقتصادات قوية، وتنافس بشكل جدي وملموس كبريات الإقتصادات العالمية، فهؤلاء فهموا الدرس جيدا وتأكدوا أن التبعية العمياء للأقوى لن تمكنهم من صنع شخصيتهم الأصلية ولن تجعل تجاربهم تتجاوز المربع الأول، إنهم استوعبوا الدرس واستطاعوا أن يضمنوا لأنفسهم مكانا في مصاف الدول الكبرى اقتصاديا وثقافيا وسياسيا، إن القابلية للإستعمار لازالت جاثمة على عقولنا وولدت في لا وعينا مرضا آخر لا يقل خطورة منها، وهو التسليم بأن التفوق الأوروبي والأمريكي هو الغالب، ومهما حاولنا أن نواجههم فلن نستطيع، وترسخ بذلك هذا المرض مما شكل لدينا إحساسا عميقا بأن الدول المتخلفة حكم عليها القدر أن تكون في الصف الأخير دائما وأن التاريخ يحتم عليها أن تحمي ظهور أصحاب الصفوف الأولى وأن تبقى وفية بتزويدهم بالمواد الخام من أجل أن يضمنوا تفوقهم الدائم وهيمنتهم الكاملة.
يتبجح الكثير من المنتسبين إلى الدين الإسلامي بقوة أفكاره وعالميتها، ويقولون بأنه دين يؤسس للطريقة المثالية للعيش في مجتمع العدالة والمساواة، لا يكل هؤلاء من ترديد أن الإسلام هو أعظم الديانات في هذا الوجود، نعم إن الإسلام هو أعظم دين في هذا الكون، وهو الدين الذي يمتلك منظومة أخلاقية واقتصادية واجتماعية وسياسية متكاملة يكمل بعضها بعضا، لكن لماذا تخلفنا نحن وتقدم الذين يصفهم الخطاب الديني لبعض المسلمين أنهم أهل ديانة مزورة ومزيفة، وأنهم من ساءت أعمالهم وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا، إذا هناك خللا ما في مستوى معين؟.
إن الخلل هو في المنتسبين إلى الإسلام الذين تخلوا عن جميع الأفكار النيرة في الإسلام تخلوا عن دراسة تعاليم هذا الدين الحنيف المسالم، و لم يعملوا على جعلها تحيا من أجل مصلحة الشعوب، تخلوا عن التعامل مع الرسالة المحمدية كرسالة منقذة للعالم دون أي إقصاء أو أي نفي للمخالفين في الرأي والعقيدة والعرق.
إذا استطاع المسلمون وغيرهم ممن يصنفون في دول العالم الثالث من التخلص في فكرة القابلية للاستعمار، وآمنوا مكانها بفكرة القابلية لصنع الحضارة والتاريخ في إيمان بسننية إلاهية مؤطرة لعملهم، وعلم ومعرفة يزودان العقل بما يحتاجه من حرية وانطلاق وتفكير، وإيمان مطلق بحرية الإنسان والأفكار والمعتقدات، حينها نستطيع أن ننطلق انطلاقة جديدة، انطلاقة كلها فن وإبداع ونظرة مشرقة إلى المستقبل، إن التاريخ لا يرحم من يتعامل معه بأي تشكل من أشكال التخلف والرجعية والانهزامية، إن التاريخ سيجل بفخر من يعملون لصناعته صناعة حقيقية مثمرة، عمادهم في ذلك هو علم حقيقي وسلم يعم الأمكنة والأزمة. فالعالم يقاس بما فيه من أفكار ولا يقاس بما فيه من أشياء كما قال المفكر العظيم مالك بن نبي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.