1 القليل من الأحلام تماحك الواقع على تضميد هموم الزمان وآلام الدهر. ولولا العواطف لتمزقت عرى الإنسية وتبدلت علائق الناس وتاهوا بين المدافن والتعازي. وما حضور ثقافة الحياة بما هي فرح ومعنى واقتدار إلا امتدادا لتلك الأحلام والخيالات منذورة للبوح والإصغاء للذات والانقياد للجمال. لقد استعرت الشرور وتماهت في تخريب القيم وزحزحتها عن تأصيل السعادة وتقوية أواصرها لتكون خارج نطاق رؤيتنا، داخل صندوق التفكير، معطلة جانبا أساسيا للأمل ومنطقا لسيرورة تماهينا واعتدادنا بالمحبة والسلام والتسامح. الأشياء التي تخرج عن المعنى هي التي تؤول الحياة إلى براديغم مغلق، تنأى به عن فهم الإحساس بالوجود، بالحياة، بالمعنى أخيرا. ألم يسأل إيجلتون يوما عن معنى الحياة؟ مجيبا بقناعة فائقة: "لماذا يوجد أي شيء على الإطلاق بدلاً من لا شيء؟" لماذا يوجد أي شيء يمكننا أن نتساءل ماذا نعني به من الأساس؟.. 2 أثارني مقال مهم للمفكر المصري حسن حنفي يتحدث فيه عن تطور القيم أو تقلبها، أي تحولها من الضد إلى الضد، وتغيرها من النقيض إلى النقيض، دون تراكم كافٍ في كل قيمة حتى تظهر قيمة أخرى مضافة لا تنقض القيمة السابقة. الذي أعرفه أن القيم ثابتة مستقرة لا تتغير بتغير الزمان والإنسان، فهي إما مشروعة أو مقدسة، وهي إلى جانب هذا وذاك تجسد صفات الوجوب والإلزام كقيم أساسية كالتسامح والمحبة والعدالة والسلام. يعتقد حنفي أن الضعف البنيوي للقيم على مستوى السلوك الفردي والجماعي يطرح إشكالا أساسيا على مستوى الثقافة الوطنية وشخصيتها القومية. ويذهب إلى أبعد من ذلك عندما يؤطر رؤيته بإقامة نظرية للتداعي القيمي في الحالات السياسية ومنهجية تدبير الخلاف السياسي والإيديولوجي. واستدعى هذا التحليل عند حنفي نسقا تاريخيا استرجاعيا، انطلاقا من ليبرالية مصر إلى اشتراكيتها، ثم حالة النهب الأخيرة لاقتصادها وتاريخها. إن القيم التاريخية لا تتجزأ ولا تحتمل التأجيل، وهي موسومة بالسيرورة اليقينية، وبالمعيارية القطعية. ليس الفرد فيها سوى الفاعل المأهول بنظامية الغير ومنها الجماعة أو السلوك الجماعي. 3 القيم المدركة التي تحجب السلوك البشري وتتماهى معه، هي قيم حافزة ومؤثرة في العقل مجادلة ومراوغة. ولعل الأكسيولوجيا كمبحث أخلاقي ينظم هذه الثنائية المتحلقة ما بين التبدل والاستقرار، التعدد والواحدية، التجديد في الروح والهامش والتشبث بالأثر والعابر في النص. يصح الاعتقاد بتجدد القيم في الدوائر المفتوحة حيث ينتشر العقل الإنساني بوثوقية جاهزة وصلبة بالمعرفة وللمعرفة. إنه منطق التفكير في القيمة كنظام أخلاقي، كمشروع تحقيق الفكر الحي والتأمل في هذا الفكر أو هي الفعل وتفسير الفعل، كما قال ياسبرز. 4 كما كان الفعل الإنساني يستدعي التفكير وممارسة الحلم، فإن القيم بالأساس يمكنها تحويل فائض النسبية فيها إلى دوغمائية مهدمة ومدسوسة. ويمكن تطبيع مردود السياسة الأخلاقي والمعرفي بهذا التقييد، ما دامت السياسة في أجلى مفاهيمها قطع مع الوازع الأخلاقي ونفور منه، وتعطيل لأدواره في تحقيق فضاء للوعي والالتزام. القيم، إذن، غير قابلة للتشكل وتبذير الهوية، من جانب كونها بنية للأخلاق والسلوك الإنساني القائم على المنافع والمصالح المجلوة بقيم التحضر والإنسانية وتأمل الحياة. [email protected] https://www.facebook.com/ghalmane.mustapha