جل المؤرخين لأحداث انتفاضة الطلاب في ماي 1968 بفرنسا يجمعون على أن هذه الأحداث لم تكن مجرد مرحلة تاريخية عابرة وحسب، علا من خلالها صوت الشباب الثوار ضد القيود التي تكبلهم فبادروا إلى تحطيمها والخلاص منها، بل إن هذه الانتفاضة كانت محطة مهمة وثورة غيرت وجه البلد تماما، وما تزال آثارها وتداعياتها ممتدة إلى اليوم. وآية ذلك أن هذه الانتفاضة هي ما سمح بالتأسيس لفرنسا جديدة عنوانها الحرية والعدالة الاجتماعية. وعرفت انتفاضة ماي 68 بفرنسا مشاركة طلبة من كل بقاع العالم، ولاسيما البلدان التي تعرضت للاستعمار الفرنسي، ومن ضمن هؤلاء الطلبة الذين بحت أصواتهم بالدفاع عن الحرية والعدالة الاجتماعية، نلفي الطالب المغربي سيون أسيدون الذي كان من ضمن المشاركين في الانتفاضة إلى جانب جمهرة من المفكرين والأكاديميين الفرنسيين. وحين أنهى أسيدون تعليمه في فرنسا عاد إلى بلاده المغرب وحاول بمعية رفاقه المغاربة من مدن مختلفة، من الطلبة والأساتذة والفلاحين، تأسيس نواة لليسار الجديد، للمطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية كما وقع في فرنسا، وهكذا ساهم أستاذ الرياضيات في تأسيس تجربة ثورية بالمغرب منفتحة على الجماهير في أفق المشاركة في إحداث تغيير "حقيقي" كما كان يحلم الرفاق حينذاك. وهكذا أينعت تجربة اليسار بالمغرب الكثير من المثقفين والنشطاء المغاربة الذين حملوا هم التغيير، فتشكلت أنوية وحلقات نقاش، ودونت منشورات سرية بهدف التعبئة الجماهيرية، كما حلم بذلك جيل أسيدون من أمثال جبيهة والبريبري وحرزني وآخرين... أحلام الثوريين المغاربة لم تكن أرضا مفروشة بالورود، بل كانت أرضا مخضبة بالدماء، في علامة على تحدي النظام السياسي القائم، قضى منهم بعض الرفاق، وتعرض البعض للاختفاء، ومنهم من ذاق مرارة التعذيب في سجون المملكة فتحدى الموت على عهد أوفقير والبصري. نجح الثوار في فضح آلة التعذيب والاختفاء القسري، تنازل النظام تحت ضغط الرفاق في الداخل والخارج، كما فشل الرفاق في تحقيق أحلامهم المتمثلة في الوصول إلى الحكم كما وقع في كثير من البلدان العربية. وما بين النجاح والفشل يبقى التاريخ شاهدا على مرحلة من تاريخ المغرب الراهن هي في حاجة إلى أن تُحكى للجيل الحالي كي يتعرف على تاريخ بلاده. وهذا حق الجيل الحالي !! لقد كانت تجربة اليسار الجديد بالمغرب مهمة في تاريخ المغرب بالنظر إلى السياق التاريخي الإقليمي والدولي والوطني، وكذا الأفكار التي كان يتم تبادلها بين الثوار المغاربة، وكيفية استقطاب الكثير من الطلبة والعمال على أساس هذه الأفكار، وترويجها عبر منشورات سرية وجرائد ومجلات تعرض جلها للمنع والمصادرة. لقد غير الكثير من الرفاق تصوراتهم ورؤاهم، فالتاريخ قد تغير في سردياته الكبرى، ولذلك سارع الرفاق إلى تغيير أفكارهم، ومنهم من لا يزال يحتفظ بأفكاره ولو من باب "التقية"، ومنهم من غير وبدل وأصبح يحطب في حبل خصمه الذي حمل ضده السلاح، ومنهم من ذهب إلى النضال الحقوقي. أما صاحبنا سيون أسيدون فقد اختار وجهة أخرى، وهي مقاومة التطبيع مع إسرائيل. إنها مفارقة غريبة كما يذهب البعض!! وليكن، ومن أجل التعمق في هذه المفارقة الغريبة، تستضيف جريدة هسبريس، مساء الأربعاء (فاتح نونبر) المناضل اليساري سيون أسيدون من أجل إطلالة على جزء من التاريخ المغربي الراهن، والتعرف على أهم الأفكار والتحولات التي جعلت مناضلا مغربيا يساريا من أصول يهودية يتحول إلى مقاوم للتطبيع مع الكيان الصهيوني. كما سنتطرق في لقاء خاص مع أسيدون ضمن برنامج "نوستالجيا" إلى أهم المحطات التاريخية في حياة اليسار الجديد بالمغرب، وعن مساهمته في تأسيس تيار يساري ثوري، وأهم الأفكار التي كان يحلم بها الثوريون المغاربة، وكيف وقعت عملية التحول من اليسار الثوري إلى اليسار الحقوقي. جدير بالذكر أن متابعة برنامج "نوستالجيا" مع سيون أسيدون، ستكون متاحة بالصوت والصورة على جريدة هسبريس الإلكترونيّة، كما سيتم نقل أطوار الموعد باعتماد "تقنيّة المباشر" على صفحة هسبريس بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، والقناة الرسمية لجريدة هسبريس الإلكترونية على "يوتيوب"، ابتداء من الرابعة من مساء الجمعة 3 نونبر 2017.