على عَكْسِ ما كان متوقّعاً، بدَتْ الوقفة الاحتجاجية التي دعا إليها نشطاء مغاربة، والتي تحوَّلت إلى مسيرة جابت شوارع العاصمة الرباط، تفاعلاً مع الأحكام الصادرة في حق ناصر الزفزافي، أيقونة "حراك الريف"، ورفاقه المعتقلين في الدارالبيضاء، التي وصلت في مجموعها إلى أزيد من 200 سنة، (بدتْ) "باردة" وخالية من بعض الوجوه الحقوقية والسياسية المُؤثرة التي دأبت على الحضور في مختلف "المحطات الاحتجاجية". ولم يُلاحَظْ انتشار واسع لقوى الأمن؛ إذ اقتصر الأمر على أفراد للشرطة بالزي المدني وعناصر من القوات المساعدة لمراقبة الوضع غير بعيد عن الوقفة الاحتجاجية، التي انطلقت حوالي الساعة السادسة والنصف مساء من أمام مقر البرلمان، وسط أعلامٍ وشعارات حركة 20 فبراير، حيث حجَّ العشرات من النشطاء اليساريين والأمازيغ، مُرددين شعارات تندد بالأحكام القضائية التي وصفوها ب "القاسية"، داعين أعلى سلطة في البلاد إلى التدخل من أجل إنصاف الزفزافي ورفاقه. الوقفة التي انطلقت بشعار: "الموت ولا المذلة"، الذي اقتُرِنَ باحتجاجات الحسيمة وباقي مناطق الريف، شَجَبَتْ الأحكام التي وزَّعتها جنايات الدارالبيضاء في حق نشطاء الحراك، ورفعت عبارات احتجاجية غاضبة وتضامنية مع حراك الريف، من قبيل "من أجلنا اعتقلوا .. من أجلهم نناضل"، و"الحرية الفورية للمعتقل السياسي"، و"يا معتقل ارتاح ارتاح .. سنواصل الكفاح"، وأيضا "شعب الريف قرر إسقاط العسكرة"، و"هذا عيب هذا عار.. الجماهير في خطر"، إلى جانب "باراكا من البوليس .. زيدونا فالمدارس"، و"الجماهير شوفي مزيان.. حقوق الإنسان". الناشطة الحقوقية لطيفة البوحسيني قالت إن "أحكام الثلاثاء الأسود كانت صادمة وتعكس تراجعاً مهولاً في منسوب الثقة وعنواناً لعودة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب، التي كنا نعتبر أنه عملياً قد أغلقنا قوْسها مع هيئة الإنصاف والمصالحة، لكن اليوم نعيشُ تردياً ونكوصاً حقيقياً على كافة المستويات"، متوقفةً عند ما اعتبرته "أحكاماً ظالمة في حق شباب احتجَّ بطريقة سلمية للمطالبة بمستشفى وتوفير المناخ الايجابي للشغل". وأضافت البوحسيني في تصريح لهسبريس: "هناك إقرار صريح من أعلى سلطة في البلاد بفشل النموذج التنموي، وعوض البحث عن الاختلالات التي أوصلتنا إلى هذه النتيجة تمَّ الزج بالنشطاء في السجون"، مشيرة إلى أن "رئيس الدولة أعطى المصداقية لمطالب حراك الحسيمة"، مشددة على أن "أولاد الشعب لا حق لهم في الاحتجاج والمطالبة بتحسين ظروف عيشهم". من جهته، اعتبر المحلل الاقتصادي الأستاذ الجامعي نجيب أقصبي أن "الأحكام التي طالت معتقلي الريف في حدِّ ذاتها تمثل جريمة دولة"، وقال إن "هذه الأخيرة فقدت صوابها بصبِّها المزيد من الزيت على النار"، مضيفا: "نحن أمام تأزم حقيقي للوضع الاجتماعي وأمامنا طريق طويلة لبلوغ الديمقراطية التي لن تتأتَّى إلا بالمزيد من النضالات الشعبية". ودعا أقصبي، في تصريح لهسبريس، إلى إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين الذي يقبعون في السجون على خلفية حراك الريف، وقال: "يجب إعادة النظر في هذه الأحكام التي تمثل وصمة عار على جبين الدولة". أما الناشط الحقوقي عبد الحميد أمين، فقال إن "الوقفة الاحتجاجية جاءت للتعبير عن غضب المغاربة جراء الأحكام القاسية التي نزلت بها المحكمة كالصاعقة على الرأي العام الوطني والدولي"، وأضاف أن "مناضلي الحراك أبرياء وشرفاء رفعوا شعارات سلمية ولم يدعوا إلى مطالب سياسية"، مورداً أنه "رغم سليمة المحتجين، فإن السلطات أبت إلا أن تعاقب أبناء الريف وأن تصدر في حقهم أحكاما قاسية". وتابع عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، بأن "الأحكام التي صدرت لم تخرج من ردهات المحكمة، وإنما تقف وراءها الدولة المخزنية من أجل معاقبة المناضلين"، مضيفا: "هذه الأحكام لا ترهبنا، وسنواصل تضامننا مع عائلات المعتقلين حتى إطلاق سراح كافة المعتقلين".