4.81 مليار درهم قيمة منتجات الصيد الساحلي في النصف الأول من 2025    الأمم المتحدة: 798 قتيلا في غزة أثناء استلام المساعدات الإنسانية    اجتماع بالرباط لتتبع تنفيذ مشاريع "كان 2025″ و"مونديال 2030"    الدولي المغربي إلياس شعيرة يوقع لريال أوفييدو حتى سنة 2028    المغرب يفتح باب المنافسة لمنح تراخيص الجيل الخامس 5G    أثنار: شيراك طلب مني تسليم سبتة ومليلية إلى المغرب خلال أزمة جزيرة ليلى    "سد تامري".. مشروع مهيكل لضمان الأمن المائي بأكادير الكبير    محكمة طنجة تصدر حكمها في قضية "هتك عرض" فتاة قاصر    المعارضة: "مؤسسة المغرب 2030" تضع حداً للتوظيف السياسي للمونديال    الجزائر ضمن "لائحة أوروبية سوداء"    الجزائر على قائمة الاتحاد الأوروبي السوداء للدول عالية المخاطر في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب    وزير الداخلية الإسباني يشيد بعملية "مرحبا 2025".. ما كان لهذا النجاح أن يتحقق لولا التعاون والتنسيق المثالي مع شريكنا المغرب    مصدر ينفي حسم استضافة نهائي مونديال 2030 في سانتياغو برنابيو    الرباط الصليبي يبعد لبحيري عن الميادين    توقعات إيجابية للاقتصاد المغربي في الربع الثاني من 2025    "عقوبات محتملة" ترفع أسعار النفط    يوعابد ل"برلمان.كوم": المغرب مقبل على موجة حر تصاعدية وانخفاض نسبي في الحرارة نهاية الأسبوع    أسرة ضحية قاصر ترفض حكما "مخففا"    شيرين تتجاوز أزمة موازين ب "حدوتة"    بورصة البيضاء تنهي تداولاتها على أداء إيجابي    السرقة وترويج المخدرات يوقفان ثلاثيني بسلا    الكاف يحقق مع منتخب الجزائر بعد محاولة إخفاء شعار المغرب في "كان السيدات"    زلزال الحوز: القيمة الإجمالية للدعم والمساعدة تجاوزت 6.6 مليار درهم.. وأكثر من 46 ألف أسرة استكملت بناء منازلها    النيابة العامة تكشف تلاعبات صفقة النظافة وتلتمس إدانة البدراوي وكريمين    الوادي السعيد... حزينٌ على أهله!    الدار البيضاء.. السكوري يدعو إلى إصلاح مدونة الشغل بما يتلاءم مع التحولات المجتمعية والاقتصادية    كلمة السر في فهم دورة العمران و عدوى التنمية بشرق أسيا..    باحثون بريطانيون يطورون دواء يؤخر الإصابة بداء السكري من النوع الأول    بنعبد الله: "مسيرة آيت بوكماز تجسد تعبيرا حيا عن تدهور المستوى المعيشي لفئات اجتماعية واسعة"    اتفاقية شراكة بين العيون وأكادير لتعزيز ثقافة الصورة وتثمين القيم الوطنية بمناسبة الذكرى ال50 للمسيرة الخضراء        الدار البيضاء تحتضن أول لقاء دولي مخصص لفنون الطباعة المعاصرة الناشئة    أشرف حكيمي: لم أختر الرحيل عن ريال مدريد وسعيد بثقة باريس سان جيرمان    "ناسا" تنشر صوراً غير مسبوقة من داخل الغلاف الجوي للشمس    ممرضو طاطا يحتجون ضد التهميش والإهمال الإداري    تحذير رسمي لمؤسسة إسلامية في بريطانيا بسبب مقطع يدعم حماس    فتح الله ولعلو في حوار مع صحيفة "الشعب اليومية" الصينية: المغرب والصين يبنيان جسرًا للتنمية المشتركة    تقرير للأمم المتحدة يظهر عدم وجود "علاقات نشطة" بين الدولة السورية وتنظيم القاعدة    تصنيف فيفا.. المنتخب المغربي يحافظ على مركزه ال12 عالميا والأول إفريقيا    فضيحة تهز أركان حزب الأحرار بطنجة    الإنسانية تُدفن تحت ركام غزة .. 82 شهيدًا خلال 24 ساعة    نوستالجيا مغربية تعيد الروح إلى شالة في موسم جديد من الاحتفاء بالذاكرة    في ضيافة أكاديمية المملكة .. مانزاري تقرأ الأدب بالتحليل النفسي والترجمة        توزيع جوائز الدورة الرابعة للسباق الدولي للزوارق الشراعية بشاطئ الدالية    عدد المستفيدين من برنامج دعم السكن بلغ 55 ألفا و512    الحكومة تصادق على مشروع قانون لحماية الحيوانات الضالة والوقاية من أخطارها    لطيفة رأفت تحيي جولة صيفية في مختلف جهات المملكة المغربية    السجال السياسي‮ ‬بين‮ ‬«يوتيوب» وخامنئي!‮‬ 2    الحكومة تصادق على قانون لحماية الحيوانات الضالة ومواجهة أخطارها    دراسة ترصد أمراض البشر منذ 37 ألف عام وأقدم طاعون في التاريخ    دراسة كندية: التمارين المائية تخفف آلام الظهر المزمنة    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التنمية البشرية: الحمقاء وتأخر القطار
نشر في هسبريس يوم 13 - 09 - 2018


1
التنمية الذاتية أداة فعالة أو شبه فعالة للتغلب على الصعوبات إذا أُحسن استعمالها، وتم الاقتناع بجدواها. نحن نحتاج إلى تزكية ذاتية توجّهُنا من الداخل وتفتح لنا الطريق نحو الأفضل، بل وتسهّل علينا المسير، ما دام تاريخ الفرد منا ليس سوى تاريخ سيرته ومسيره.
نَمَّيْتُ الآخر ونميتُ الذات تنميةً، وبينهما فرق في المدخل والنتيجة. الانطلاق من الذات مسألة هامة للوصول إلى الآخر، أعنى للتواصل الفعال.
هذا عصر الاتصال والتواصل، وكلما كثرت فيه وسائل الاتصال الحديثة قلَّ التواصل، والمقصود هنا لغة الجسد الناطقة التي لا محيد عنها في كل عملية تواصلية. أنا وأنت بيننا الكلام الواصل مباشرة أو بالوسيط، ولكنه بلغة الجسد سيكون أقوى وأكثر تأثيرا. إنه "الكلام أو الموت" على حد تعبير مصطفى صفوان.
هل تكفي علامات التشوير لتقودني صوب الوجهة الصحيحة؟ هل تكفي لغة مسموعة عبر مكبر صوت ومسجَّلة بصوت امرأة ذات صوت رقيق ناعم وهادئ لتوجيهي وجهتي الصحيحة حين أتيهُ وأضل طريقي؟
سيظل الفرد سائرا على الأرجل أو عبر آلة خاصة (سيارة)، أو عامة ( حافلة، طائرة، قطار...) فهل هناك فرق بين هذه الوسائل؟ الجمعي يخلق التآلف، والفردي يعزز الخصوصية. هذا هو الظاهر. سِرْ ولن تخرجَ عن السكة مهما حاولتَ. خطّان متوازيان قد يلتقيان في المنتهى أو في اللامنتهى رغم أنف الفيزيائيين.
2
خرجنا من تكوين مُكثّف حول الذات والآخر. ناقشنا ما يتعلق بالأنا والآخر، أنواع الجمهور، لغة الجسد، طريقة إعداد عرض، إعداد حقائب تدريبية ومواضيع أخرى كثيرة...
نحن في مدينة الدار البيضاء التي يفوق عدد سكانها أربعة ملايين ونصف نسمة، وهي نسبة تشكّل حوالي %12 من مجموع ساكنة المغرب، وبكثافة سكانية قد تتجاوز 15 ألف نسمة للكيلومتر المربع الواحد. مدينة يطلق عليها المغاربة "المدينة الغول"، ورغم ذلك فهي القلب النابض لاقتصاد البلد. وللمسافرين السّاعين للتواصل جماعات خُصِّصتْ محطتان كبيرتان للقطارات هما: محطة الدار البيضاء الميناء، ومحطة البيضاء المسافرين، إضافة إلى محطات فرعية أخرى كمحطة عين السبع ومحطة الوازيس وغيرها.
خرجنا من فندق جميل، منظّم إلى حد ما. استقبال لطيف يليق بنخبة مثقفة تسعى للمزيد من المعرفة. كانت قاعة العرض مكيفة وكان الوقت مضبوطا بالدقيقة وربما بالثانية. ألسنا في تنمية ذاتية للتغلب على سوء التنظيم من خلال التواصل؟ العارض الرئيسي أي مدرّبُنا حرص على ضبط الوقت وحاسبنا عليه، بحيث سمح لكل واحد منا أن يعرض خلاصاته بشكل مركز في 15 دقيقة لا أقل ولا أكثر باستعمال الحاسوب وتقنية البويربونت. نحن سنحاسب على الوقت أكثر من محاسبتنا على مضمون العرض، فالمضامين والمعاني مطروحة على الطريق كما يقول الجاحظ.
تناقشنا فيما بيننا قبل القيام بالعروض، وتبادلنا التجارب. فالعارضون أطرٌ من حقول متعددة: هندسة، تعليم، تجارة، خدمات، مجال صحي، اتصالات، إعلاميات، وحتى في المجال الفلاحي. 23 عقلا تتلاقح للاستجابة لرغبة ذاتية في التنمية الذاتية. هي عادة شحذ المنشار كما يقول ستيفن كوفي ( العادة السابعة من العادات السبع المعروفة لاستيفن كوفي). لقد بدأ تغيير يحصل على سلوكنا فيما بيننا خاصة ومع الآخر الكبير ( Grand A ) كما يقول جاك لاكان.
ركزت العروض على المواضيع التالية: - أسرار الكاريزما – الإرادة والتغيير الذاتي – التفكير الإبداعي – التفكير الإيجابي – الذكاء العاطفي – المحترفات الإبداعية والذكاءات المتعددة – مهارة حل المشكلات ، ثم عروض متعددة حول أهمية إدارة الوقت وترتبي الأولويات .
اللافت للانتباه هو أن أغلب العروض ركزت على كيفية ضبط الوقت وعلاقة الفرد بالزمن باستعمال الأولويات. وقد يكون أهم ما بقي في أذهاننا هو مربع الأوليات ( ستيفن كوفي : العادة الثانية: ابدأ بالأهم قبل المهم، العادات السبع للناس الأكثر فعالية، النسخة العربية، مكتبة جرير ). قضينا يومين كاملين في المعرفة الممتعة التي سنسعى بكل جهدنا لتقاسمها مع الآخرين.
3
الساعة تقارب السادسة من زوال يوم الأحد. خرجنا جماعات بعد أن حصل كل واحد منا على شهادة اعتراف بخبرة جديدة في التدريب النافع. جماعات صغيرة متوجهة في أغلبها نحو محطة قطار "البيضاء المسافرين". جماعتنا تكونت من 5 أفراد: امرأتان وثلاثة رجال، كلٌّ سيتجه نفس الوجهة مع اختلاف في محطات النزول: بين الرباط وفاس. حركة هائلة للناس تختلط بالغبار الذي تخلفه الأشغال. قطع حديدية كثيرة في كل مكان، أحجار وإسمنت وعمال وآلات، والانتظار سيد الموقف. السادسة وبضع دقائق، ومواقف متعددة يتكلف عدة أشخاص بتوجيه الناس إليها. صوت المنبهة المسجل يعلن عن الوقت والاتجاه ورقم السكة. أليس تنظيم الوقت أهم ميزة للحداثة كما تعلمنا؟: " سيداتي سادتي: القطار القادم من مراكش، والمتوجه إلى الرباط، القنيطرة، مكناس، فاس يدخل المحطة بعد قليل، سكة رقم 1، من أجل سلامتكم المرجو الابتعاد عن قارعة الطريق ". تنفسنا الصعداء وتوجهنا بحقائبنا نحو السكة المشار إليها، استوقفتا سيدة قائلة: إن هذا الاتجاه هو عكس ما أنتم ذاهبون إليه، إنه اتجاه سطات. كيف؟ لقد أعلن الصوت وِجهتنا. توقفنا وانتظرنا 10 د، 15 د ، وبعدها توجّهتْ صديقتنا " زكية" نحو أحد المسؤولين مستفسرة. الناس أمامنا يتلاطمون من سكة إلى أخرى، ويتساءلون. كهل يتحرك كثيرا يسيّر الناس حسب ما يُبلَّغ به من أوامر، بما أن الأشغال لا تنتهي أبدا بهذه المحطة الكبيرة. ما زال الصوت يردد: " القطار القادم من ... والمتوجه إلى ....، سكة رقم1". سألَته: لقد سمعنا بصوت المكبر أن القطار سيدخل المحطة بعد قليل، ومرت نصف ساعة ولم يدخل بعد؟ أجابها وهو يسرع الخطى: فاس : السكة رقم 3. وعلق:
– لا تهتمي بصوت المذيعة فهي مجرد حمقاء.
قالها بدارجة مغربية سريعة: "مَاتدّيهاشْ عْليها هاديكْ غِيرْ حَمقى".
التفتنا نحو بعضنا حين أخبرتنا "زكية" بما جرى بينها وبين المسؤول من حوار، ثم انفجرنا ضحكا. " التنمية الذاتية هي هذه"، قلتُ. " منذ يومين ونحن في الوقت والضبط والتنظيم والإعداد والتخطيط ليأتي مسؤول "واقعي" ويضرب كل قناعاتنا في الصفر" علَّق حدو.
تبادلنا الحديث ببرودة أعصاب. حللنا. ناقشنا الهوة بين ما نحن فيه وما نأمله. ما زال القطار متأخرا، وما زال الصوت يردد اللازمة إياها: سيدخل المحطة بعد قليل ، السكة رقم 1. أزيد من ساعة ونصف. ما زلنا ننتظر.
نحاول أن نتلمس الأعذار بما أن المحطة في أشغال أثرت على حركة سير القطارات، ولكن، أن يصرّح مسؤول بعدم اقتناعه بالصوت القادم لتنظيم الوقت، ويعتبر صاحبته حمقاء فهذا ما لم نفهمه. التبرير الذي خلقه الشخص بقوة بكونه هو من يعرف، وهو وحده من يوجه الناس ويتكلف بتنظيم محطة من آلاف الأشخاص هو عودة للطبيعة في مواجهة الثقافة. شتان بين النظر والاعتبار. بين الفكر والممارسة. بين الحلم والواقع.
هل هذا الرفض هو رفض للآلة من قبل الإنسان المغربي ضدا عن كل تقدم؟ آلة تلازم هذا الشخص تسيره ولكنه هو المسؤول الأول عن تعطلها أو تعطيلها. وهل الإنسان العربي ضد كل تقدم يأتي من خارجه لاشعوريا؟ تلك مسألة تحتاج إلى مزيد من التأمل. فلنتأمل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.