الاستقلال ينتفض ضد "إهانة" أوزين ويطالب بمحاسبته أمام لجنة الأخلاق    اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر: لا أحد فوق أخلاقيات المهنة    قمة الأبطال.. حلم النهائي يشعل مواجهة برشلونة وإنتر ميلان فى إياب دوري أبطال أوروبا    طانطان تحتضن ندوة الاستثمار الأخضر على هامش موسمها ال18    الحسيمة...افتتاح فعاليات الدورة الرابعة لمهرجان الدولي للفيلم    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    صادرات المغرب من الحوامض.. إجراءات حكومية جديدة لتعزيز التنافسية في السوق الأوروبية    "أونروا": مئات الآلاف في غزة يعيشون على وجبة واحدة كل يومين أو ثلاثة    الحكومة تكشف خطتها لإنقاذ القطيع الوطني    العصبة تلزم فرق البطولة بحذف جميع إشهارات الشركات المتخصصة في نقل الأشخاص والوساطة في النقل    جمهور فنربخشة يطلق صافرات استهجان ضد يوسف النصيري    المندوبية السامية للتخطيط تطلق بحثا جديدا حول العائلة    بورصة البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    لقجع: الوضع المالي بالمغرب متحكَّم فيه.. وموارد الميزانية تواصل نموها التصاعدي    زوربا اليوناني    الرجاء يحتج على التحكيم في مواجهة اتحاد تواركة ويطالب بفتح تحقيق    أحمد الشرع يلتقي ماكرون في أول زيارة للرئيس السوري إلى أوروبا    توقعات بتسجيل زيادة مهمة في محصول الحبوب هذا الموسم    وزير العدل الفرنسي: السلطات الجزائرية أطلقت تحذيراً كاذبا بوجود قنبلة على متن طائرة متجهة من فرنسا إلى موريتانيا    المغرب ‬ضمن ‬نادي ‬الدول ‬المنتجة ‬لتقنيات ‬الطيران ‬الحربي ‬المتقدم ‬    لقجع: الطلب العمومي الأخضر محور أساسي في استراتيجية التنمية المستدامة بالمملكة    توقعات أحوال الطقس اليوم الثلاثاء    الذهب يسجل أعلى مستوى في أسبوعين مدعوما بالطلب على الملاذ الآمن    المعارضة البرلمانية تؤجل إجراءات حجب الثقة عن حكومة أخنوش    الجنون الاستبدادي لقيس سعيّد: رئيس يقوّض أسس الديمقراطية التونسية    اختناق جماعي يصيب أزيد من 100 عاملة بمصنع ل"الكابلاج" بالقنيطرة    اختيار ملكة جمال الورد العطري في قلعة مكونة بمناسبة الدورة الستين لمهرجان الورد (صور)    بحث وطني جديد لرصد تحولات الأسرة المغربية بعد ثلاثة عقود    اتفاق مغربي-مصري لرفع وتيرة التبادل التجاري وتعزيز الصادرات الصناعية    مايكروسوفت توقف تطبيق الاتصال عبر الإنترنت "سكايب"    الرباط تحتضن ملتقىً دولي حول آلة القانون بمشاركة فنانين وأكاديميين من المغرب والعراق ومصر    تحذير من تناول الحليب الخام .. بكتيريات خطيرة تهدد الصحة!    الأميرة للا حسناء تلتقي بباكو السيدة الأولى لجمهورية أذربيجان ورئيسة مؤسسة حيدر علييف    نقابة تعليمية تحشد لعودة التصعيد    عامل إقليم الجديدة يشرف على حملة كبرى لتحسين وجه المدينة واليقضة الدائمة للشأن المحلي    تسجيلات صوتية تثير الهلع وسط أولياء التلاميذ بطنجة.. ومصالح الأمن تؤكد: "مجرد إشاعات لا أساس لها من الصحة"    طنجة.. "سناك" يتحول إلى مطعم دون رخصة وروائح الطهي تخنق السكان بسبب غياب نظام التهوية    البكوري: ندعم الفعاليات الجادة بتطوان وجمعية محبي ريال مدريد تُسهم في إشعاع مدينتنا    هكذا يستغل بنكيران القضايا العادلة لتلميع صورته وإعادة بناء شعبية حزبه المتهالكة    المغرب وموريتانيا يدفعان بعجلة التنمية المحلية عبر توطيد التعاون اللامركزي    الأحزاب الوطنية تؤكد انخراطها القوي وراء جلالة الملك في معركة الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة    ارتفاع حالات الإصابة بالحصبة في أوروبا خلال شهر مارس الماضي    "الأشبال" يستعدون لتونس بالإسماعيلية    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء تزور بباكو ممر الشرف وممر الشهداء    المغرب يحصد 43 ميدالية منها ثلاث ميداليات ذهبية في بطولة إفريقيا للمصارعة    ألباريس: المغرب ساعدنا في أزمة الكهرباء.. وعلاقتنا تشهد "تقدما كبيرا"    عضة كلب تنهي حياة شاب بعد أسابيع من الإهمال    بطاقة النهائي تُشعل مباراة إنتر وبرشلونة في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    استقبال أعضاء البعثة الصحية لموسم الحج    كيف تُنقذ حياة شخص من أزمة قلبية؟.. أخصائي يوضّح    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    أسود الأطلس يواصلون التألق بالدوريات الأوروبية    باريس.. الوجه الآخر    أكاديمية المملكة تحتفي بآلة القانون    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مرجعيات الفلسفة الغربية - 11 - .. التيارات الإرادية ومفهوم القانون
نشر في هسبريس يوم 17 - 05 - 2019

نتطرق من خلال هذه السلسلة (28 مقالا) لاستعراض محطات فكرية وأطروحات فلسفية أنارت طريق الحضارة الغربية في تعاملها مع مسألة حقوق الإنسان التي برزت بشكل يزداد ثقلا وعمقا منذ الربع الأخير من القرن العشرين، والتي تحمل في ثناياها إيديولوجية القرن الواحد والعشرين المفتوحة على كل الاحتمالات.
إن الاعتبارات النقدية الواردة في هذه المقالات ليست من باب التسرع في إصدار أحكام القيمة، ولا من باب التحامل المبني على الآراء الجاهزة والاندفاعات العشوائية المتطرفة، وإنما هي قراءة موضوعية في بعض مرجعيات الفكر الفلسفي الغربي الذي تتغذى عليه منظومة حقوق الإنسان المعاصرة.
28/11 - التيارات الإرادية ومفهوم القانون
الإرادية هي نظرية تعتبر الحكم عملا فكريا يتم تحقيقه بتدخل إرادي حسب ديكارت، وأما نيتش فيعرفها بالمذهب الذي يقر هيمنة الفعل على الفكر، والإرادية مشتقة من الإرادة بمعناها الرامي إلى القدرة التقريرية على القيام بالفعل تنفيذا أو إحجاما، وبديهيا أنها شغلت الفكر الفلسفي منذ عهود قديمة، وكل المدارس الفلسفية ساهمت بشكل أو بآخر في توسيع دائرة التساؤلات وتعميق مجالات التأويل بصدد هذه المسألة بالذات، ونتناولها هنا في علاقتها بالقانون ومفاهيمه ومدى انعكاس تلك العلاقة على إشكالية حقوق الإنسان.
جذور الإرادية الحقوقية
هناك شبه إجماع لدى المختصين بأن المبادئ الأولى للتيارات الإرادية في مجال الحقوق كانت واردة عند الاسميين، وخاصة منهم دان سكوت وأوكام، اللذين بتأكيدهما على مبدأ استقلال الإرادة عن العقل مهدا السبيل لظهور النظرية الإرادية.
وفعلا كان أوكام يميز بين القواعد السلوكية العامة المطلقة التي يمليها المذهب الطبيعي، والقواعد العقلانية الاجتماعية، والقواعد القانونية الوضعية. ومن هنا حدث ارتباط تلقائي بين التيارات الوضعية والتيارات الإرادية. وهكذا بالنسبة للإرادية فإن الظاهرة القانونية تنبثق من تصرفات إرادة الحكام، وقيمة القوانين منوطة بإرادة من يضعها على حد تعبير سواريز. وبالمفهوم الوضعي يعني ذلك أن القانون موضوع وفقا لإرادة محدودة في الزمان والمكان، وصادرة إما عن حاكم بمفرده وإما بإجماع آراء الذين شاركوا في الصياغة الفعلية للقانون. وقد جاء في كتاب "قانون الحرب والسلم" للفقيه الهولندي كروسيوس، الصادر عام 1625، أن القانون هو القدرة على الفعل والامتلاك الناتجة عن سلطة الإنسان على نفسه -ويقصد بها الحرية- وعن سلطته على غيره من الناس وكذلك عن سلطته على الأشياء. وكان هذا الطرح بمثابة ثورة فكرية على مستوى المعالجة التقنية للظاهرة القانونية بالمقارنة مع الأطروحات الفلسفية للقرون الوسطى. ومن ثم فإن الإشكالية القانونية لم تعد مجرد ظاهرة أنطولوجية، وإنما أصبحت وسيلة يوظفها الإنسان العاقل في تنظيم المجتمع ويستعملها للسيطرة على الطبيعة وفقا لحاجياته، مع التأكيد على أن هذا الإنسان ليس عاقلا فقط بل يتمتع بكامل حريته. وانسجاما مع الفكر الجديد لم يعد القانون مظهرا من مظاهر المعقول لذاته كما دأبت على ذلك النظريات القديمة، بل أصبح نتاجا لإرادة الإنسان. وترتب عن ذلك مبدأ حرية التوافق الإرادي وظهور قاعدة عامة تحت صياغة "العقد شريعة المتعاقدين" التي تم اعتمادها كأساس للعلاقات القانونية والاجتماعية على الصعيدين الوطني والدولي.
هذا ولم ينكر كروسيوس وجود القانون الطبيعي لكنه أضفى عليه صبغة علمانية التي لا تتنافى مع المشيئة الإلهية. وكان واضحا من هذا المنحى الرامي إلى علمنة القانون الطبيعي أنه سيؤدي حتما إلى الفصل بين القانون واللاهوت، تماما كما أدت الماكيافلية إلى فصل السياسة عن الأخلاق. ويستفاد من هذا التحول أن جوهر العلاقات القانونية أصبح يتشكل من حرية وإرادة الإنسان، وأن مفهوم القانون لم يعد مرادفا لمفهوم المعقول في علاقته بالواقع، وإنما هو حصيلة لأفعال إرادة الإنسان الحرة. بمعنى أن الاتجاه الذي كان سائدا منذ قرون في الفكر القانوني الغربي، والقاضي بالبحث عن "العدل الطبيعي"، فقد جدواه حتى وإن لم يتم نفيه نفيا نظريا قاطعا.
الإرادوية والاستبداد
وهكذا فالقوانين البشرية التي كانت تعتبر مجرد وسائل لتنفيذ القوانين الإلهية أصبح ينظر إليها على أساس كونها مرحلة من مراحل تطور الفكر القانوني الغربي لا غير. هذا مع الإشارة إلى أن الأرسطية والطومية كانتا تقران بأن القانون الوضعي لا يستمد سلطته إلا من الإرادة البشرية ولكن بخلفية عودة أمور الموجودات بصفة عامة في آخر المطاف إلى الله. وأما تأكيد هوبز، المؤسس للتيار الإرادي الحديث، على أن هناك اتساقا للقانون الوضعي مع القانون الطبيعي فقد جاء بهدف التشديد على أن القانون في نظره لا يصبح قانونا إلا بموجب أمر من السلطات. ولم تكن وجهة نظر بنتهام التي تضمنها مؤلفه "في القوانين بوجه عام" لتختلف عن هذا المنظور، لكون بنتهام يعتبر القانون أمرا مؤيدا بسلطة الدولة. وأما أوستين، المعروف بدراساته التحليلية للقانون الإنجليزي، فإنه عزز نفس المنهاج. وكان تعريفه للقانون كالتالي: "قاعدة وضعت لحكم كائن عاقل بواسطة كائن عاقل يملك سلطة الحكم". والقانون الطبيعي يعني في منظور هوبز احترام العقود والمحافظة على الحياة، وهو قانون لا يأمر بالشيء وإنما يشير إلى ملاحظة الأمر بالشيء، وشتان بينه وبين القانون الوضعي المعبر عن إرادة الدولة القوية. وفي هذا الباب يبقى مبدأ القانون الروماني المعروف" إن ما يرضى الحاكم يتمتع بحكم القانون" محتفظا بمغزاه الوضعي الواضح.
وبناء على ما تقدم فإن التيار الإرادي يعطي التعريف لمفهوم القانون بالنظر إلى وظيفته التقريرية الآمرة وليس بالنظر إلى التقييم الأخلاقي لمحتوى الأوامر التي بتراكمها تتشكل الترسانة القانونية. وبعبارة وجيزة يمكن القول بأن القانون هو الأمر المقرر وأن السلطة تسهر على وضع القوانين لا العدالة، مما لا يدع مجالا للشك بأن هناك التباسا حقيقيا بين المذهب الإرادي و المذهب الاستبدادي، حتى وإن كان هوبز ينفي الارتباط بينهما ، فعندما يقول: " إن القانون بصورة عامة، ليس سوى إرادة سلطة عليا تفرض بموجبها على الخاضعين لها وجوب التصرف وفقا لما تمليه عليهم"، لا شك أن فكرة الاستبداد قد خطرت بباله، سيما و أن فرض العقوبات عن طريق الإكراه تعد من السمات البارزة للتيار الإرادي، والقانون في هذا السياق هو مجموعة من القواعد المنظمة بشكل مفروض بالقوة من طرف سلطة خارجية عليا ، خلافا للأخلاق النابعة من سلطة معنوية ذاتية على سبيل المقارنة. وهذا معناه أن استعمال القوة يبقى من المميزات الأساسية لتدخل الدولة في سعيها لتطبيق القانون بالاستناد إلى محض إرادتها، وهي في ذلك قد تجنح لا محالة إلى الخروقات والتجاوزات والإفراط في استعمال القوة بحجة تنفيذ القانون. وعليه فإن مفهوم القانون سرعان ما ينقلب إلى مجرد تعبير عن إرادة الدولة، وبالتالي يعم الاستبداد. وعندما يقول هيجل بأن الدولة لا تتفوق على القانون وإنما تعبر عنه، فإن ذلك لا يعارض في جوهره النزعة الاستبدادية والميول الشططية من حيث لا ينفى بتاتا أنه سيظل تعبيرا إراديا للسلطة الحاكمة المعلومة بالضرورة. لكن هذا الاتجاه استبعده الإرادويون تحت تأثير أطروحة العقد الاجتماعي لجون جاك روسو، والقائمة على تفسير للقانون باعتباره تعبيرا للإرادة العامة بمفهومها الديمقراطي الحديث، ولا يسعنا إلا أن نتوقف بإمعان عند مقولة يرينج، الفقيه الألماني البارز، حين أعلن: إن القانون هو ثمرة القتال، وإن القاعدة القانونية هي سياسة القوة...
والواضح من تجربة الإدراك الإنساني عبر العصور هو أن المفاهيم مطاطية وقابلة لكل الاحتمالات، وينسحب ذلك بشكل خطير ومصيري على المفاهيم القانونية زمانيا ومكانيا عند هذا المجتمع أو ذاك. ومن الواضح كذلك أن قانون القوة وقوة القانون سيظلان إلى الأبد وجهين لعملة واحدة مهما اختلفت المقاربات...
*أستاذ التاريخ المعاصر وعلوم الإعلام والاتصال بمدرسة الملك فهد العليا للترجمة- طنجة
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.