تدوينتان متشابهتان حد التطابق، في الموقف من التجنس، أو إسقاط الجنسية، من شخصين متناقضين، في خلفياتهما وأفكارهما ومعتقداتهما. حيث اعتبر القاضي السابق، محمد الهيني، أن الجنسية هي الهوية والتراب والدم والروح والانتماء للوطن وللأجداد، والكرامة والوجود والماضي والحاضر والمستقبل، والبيعة المقدسة المتوارثة لسلاطين المغرب. أما الشيخ حسن الكتاني، فقد اعتبر التجنس بجنسية أخرى، تنكر للأصول، وهزيمة حقيقية، وخسران مبين، لأنه ارتماء في حضن الأعداء. لابد من التذكير أن التدوينتين، جاءتا في سياق طلب الزفزافي ورفاقه، إسقاط الجنسية المغربية عنهم. لكن قبل مناقشة موضوع التجنس أو طلب إسقاط الجنسية، أود تسجيل ملاحظتين: الأولى: الخلفية الحداثية التي ينطلق منها الأستاذ الهيني، لاتسعفه في أن ينهل من قاموس الهوية والأصول، وأن يستعمل مصطلحات من قبيل البيعة المقدسة، السلاطين، فلا أدري حقيقة، كيف استساغ ذلك، وكيف جمع بين النقيضين. الثانية: المدرسة التي ينتمي إليها الشيخ حسن الكتاني، وأقصد الحركة الإسلامية عموما، بكل فصائلها وتوجهاتها، لم تكن في يوم من الأيام، تعتبر اللجوء والهجرة والتجنس، تنكر للأصول، وهزيمة حقيقية، وخسران مبين، وارتماء في حضن الأعداء. عدد كبير جدا، من قادة وأعضاء وعناصر، الجماعات الإسلامية، طلبوا اللجوء، في دول أوروبا وأمريكا، بدءا من الإخوان، وقيادات الجماعة الإسلامية، والجهاد الإسلامي، والشبيبة الإسلامية، والجماعة المغربية المقاتلة، والسلفية الجهادية، والسرورية، وحزب التحرير...، ولم يمنع هذا الأمر إلا التيار المدخلي، لأنه يعتبر ذلك خروجا على ولي الأمر، وعقوق له، ومع ذلك يتواجدون في دول الغرب باستمرار. هما ملاحظتان ومفارقتان، أردت تسجيلهما، قبل مناقشة لب الموضوع. التجنس بكل بساطة، هو علاقة قانونية بين شخص ودولة. ليس تخليا عن هوية، ولا تنكرا لأصول، ولا ارتدادا عن دين، ولانكوثا عن بيعة. مجرد علاقة قانونية تربطك بدولة، فتصبح محكوما مؤطرا بقوانينها، دون أن تطلب منك محاربة قومك، ولا تغيير دينك. واللجوء، أو التجنس، ليس له حكم واحد، بل تعتريه الأحكام الشرعية المعروفة، بحسب حال الطالب والظروف والسياقات، فقد يكون جائزا وقد يكون مستحبا وحتى واجبا، وقد يمنع، بحسب المآلات والدوافع والسياقات... فاعتبار الفعل الذي قام به الزفزافي وأصحابه، تنكر للأصول وخيانة وهزيمة ونكث للبيعة وتخل عن الهوية... كما جاء في التدوينتين معا، دون النظر لعوامل أخرى مؤثرة في هذا الحكم، ودون اعتبار الدوافع والمقاصد والمآلات، ودون أخذ بعين الاعتبار كل الظروف والمتغيرات، هو مجرد لغو، خاصة إذا استحضرنا خلفية كل من الأستاذ والشيخ، والتي تبدو متناقضة مع النتيجة التي اتفقا عليها. ختاما لا أعتقد أن طلب الزفزافي ورفاقه، طلب حقيقي، بل هو مناورة وتصعيد وضغط، يمارسونه، بعد أن وصلت قضيتهم للباب المسدود، وأعتقد ليس من المروءة أن يزايد عليهم أحد، وهم في هذه الظروف وهذا الوضع الصعب. بل حتى إن طالبوا بذلك حقيقة، فليس في الأمر أي خيانة ونكوث عن البيعة وتخل عن الهوية، كما لمز الأستاذ الهيني. وليس في الأمر أي مخالفة شرعية، كما لمح الشيخ الكتاني. من حقهم أن يفتشوا عن أي حل لمشكلتهم، بأي وسيلة تناسبهم، ويبحثوا عن أي وطن يوفر لهم الأمن والحرية. الأمن والحرية حاجة إنسانية، ومقصد شرعي، بل من المقاصد الكبرى. وأن تبحث عن أمنك وحريتك وكرامتك، لست في حاجة لفتوى دينية أو قانونية، من شيخ أو محام، أفت لنفسك، فأنت محامي نفسك وشيخها، وأنت أدرى بحاجاتك وقدراتك والضغوطات الممارسة عليك، وقدراتك على التحمل.