قال عبد القادر سبو، المغنّي الطارقي الشهير باسمه الفني "كادير ترهانين"، إن "الموسيقى في ظل الأحداث المضطربة التي تعرفها بلدان الساحل بمثابة استراحة محارب؛ لأنها تشكل لغة مقبولة لدى الجميع مهما كانت الخلافات، فهي لغة الحوار غير المرفوضة، إذ تحمل رسائل مفهومة لا تحتاج إلى المترجم، بل إنها شكلت جزءًا من الحل في القضايا التي تدخل على خطها، ما دفع المجتمع الطارقي إلى اعتبارها رسالة للسلام". وأضاف ترهانين، في حوار أجرته معه جريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الجانب التقليدي يبقى متأصّلا في مجتمع الطوارق، لأنه شيء فطري، فلا يمكن أن تطمسه أي ثقافة أخرى؛ لكننا ننفتح على العالم، ونتأثر بالثقافة الخارجية، ما مكّننا من دمج الأصالة الثقافية بالعالم الخارجي؛ ومن ثمّ صُنع مزيج سلس يجمع العنصرين بشكل متوازن". وإليكم الحوار كاملا: ظلت القبائل الطارقية تتشبث بالأصالة الصحراوية والهوية الأصيلة، مُحافظة بذلك على بريقها الثقافي والإنساني رغم عوادي الزمن. كيف تفسّر هذا الارتباط الوثيق بين قبائل الطوارق والصحراء؟ ارتباط واضح وطبيعي، فلا يمكن الحديث عن مجتمع طارقي بدون الصحراء؛ وهي مسألة معروفة عبر التاريخ، لأنه لا مكانة للفرد الطاّرقي بدون الأماكن التي تتضمن الحيز الجغرافي الصحراوي، ما يدفعني إلى القول بأنه ارتباط أزلي وبديهي، فأغلبية الطوارق يتمركزون في الصحراء، بينما تعيش قلة منّا في المدن، وإن كانت حواضر صحراوية في حد ذاتها. لا شك في أن أغانيك تنقل المشاهدين إلى رحلة في الصحراء عبر أنغام الموسيقى الطارقية المطعّمة بإيقاعات غربيّة. كيف مزجت بين الإيقاعات التقليديّة والغربيّة بشكل سلس؛ لكن مع الاحتفاظ ببصمتها الخاصّة؟ يبقى الجانب التقليدي متأصّلا في مجتمع الطوارق، لأنه شيء فطري، لا يمكن أن تطمسه أي ثقافة أخرى، لكننا ننفتح على العالم، ونتأثر بالثقافة الخارجية، ما مكّننا من دمج الأصالة الثقافية بالعالم الخارجي؛ ومن ثمّ صُنع مزيج سلس يجمع العنصرين بشكل متوازن، بما يراعي الحفاظ على كينونتنا، دون أن تطغى عليها الثقافة المأخوذة من الخارج. نشأت في تمنراست بالجزائر من أبوين أصلهما من مالي؛ لكن هذه الأخيرة شهدت انقلاباً عسكريا، أعاد إلى الواجهة الاضطرابات الأمنية التي تعرفها بلدان الساحل الإفريقي منذ سنوات عديدة، وهنا يأتي تساؤلي: كيف ترى الهزّات الداخلية العنيفة التي تعرفها دول الطوارق؟ تعرف بلدان الساحل اضطرابات متواترة، نتيجة المتغيرات التي وسمت المشهد الدولي بشكل عام، ما يرخي بظلاله على المشهد الإفريقي، فهي سياسة مدروسة تجاه العديد من الشعوب الصحراوية الطارقية التي تأثرت بهذه التحولات، خصوصا على المستوى الأمني، لكن يبقى الطوارق ملوك الصحراء، كونهم يَخْبِرُونَ كل أماكن التراب الصحراوي، ما يساهم بالتحكّم في التأثير السلبي الناجم عن الأحداث الدولية. "توماست"؛ "تينيري".. كلها أغانٍ تتمحور حول حياة البدو في الصحراء الإفريقية الكبرى. ما الذي تشكله البداوة في التراث الثقافي لدى الطوارق؟ البداوة تقترن بالمجتمع الطارقي، الذي لا يمكنه الاستغناء عن الحياة الصحراوية البدوية، ليس فقط بالنسبة إلى القاطنين في الصحراء، وإنما يشمل ذلك حتى الأفراد الذين هاجروا إلى المدن العالمية، بحيث يحافظون على صفات البداوة في محيطهم الشخصي. في الحقيقة، هي المنبع الذي نستقي منه الأشياء الجديدة في ثقافتنا، والمصدر الذي نرجع إليه كلما ضللنا الطريق. توجد عشرات الفرق الموسيقية المشهورة في قبائل الطوارق؛ وهي معروفة بحبّها الشديد لكل ما يمت إلى الفن بصلة، لكن ما موقف المجتمع الطارقي المحافظ من الموسيقى؟ المجتمع الطارقي ليس منغلقا على ذاته، بل منفتح على العالم، بحيث يتقبل وجهات الغير، ويطبّع مع الأنماط الجديدة. صحيح أنه قد يرفض بعضها، لكن من ناحية الشكل فقط، خصوصا إن كانت لا تتوافق مع مبادئه وأصالته× غير أنه يتقبل أي شيء يتوافق مع أخلاقيات وآداب البشر. في ظل الأحداث المضطربة التي تعرفها بعض دول الساحل؛ مثل مالي والنيجر وغيرهما. ما الدور الذي يمكن أن تلعبه الموسيقى في تعزيز السلام بين الشعوب وتجاوز هذه المحن العصيبة؟ بالنسبة إليّ، الموسيقى في ظل هذه الأحداث المضطربة بمثابة استراحة محارب؛ لأنها تشكل لغة مقبولة لدى الجميع مهما كانت الخلافات، فهي لغة الحوار غير المرفوضة، تحمل رسائل مفهومة لا تحتاج إلى المترجم، بل إنها شكلت جزءًا من الحل في القضايا التي تدخل على خطها، ما دفع المجتمع الطارقي إلى اعتبارها رسالة للسلام.