في الفاتح من أكتوبر المنصرم، أقدمت وزارة العدل والحريات، على توقيعِ منشور بدا غيرَ مألوف؛ يحصر حق تبني الأيتام المغاربة علَى المغاربة المقيمين فوق التراب الوطني بما يسحبَ حق تبنيهم من قبلِ الأجانب؛ حتَّى المسلمين منهم. وذلكَ لأجل حماية المصلحة العليا للطفل المتخلى عنه" يقول المنشور، الذي أثار القرار حفيظة المجتمع المدني. فقد رفع نسيج "الكفالة في المغرب"، وهوَ ائتلاف يضم ست جمعيات، عريضةً ضد منشور وزارة العدل والحريات، إذْ تصفُ حبيبة العلوي، مسيرة جمعية الإحسان (المرؤوسة من طرف الأميرة لالة حسناء)، تصفُ القرار بالعبثي، قائلة "بناءاً على تجربتي، فإن المسلمين الأجانب الذين يتبنون الأطفال المغاربة يعتنون جيداً، ويضحونَ آباء ممتازين" بخلاف بعض المغاربة الذين يقومون بتبنيهم، حيث إنهم لا يختارون الطفل بناءًا على حالته الصحية أو الجسدية، ولا يعيدونه بعدَ أيام من التكفل لأنه لم يرقْ لهم". تضيف المسؤولة الجمعوية باستياء، أن الرميد لا يريدُ أن يعرفَ، ويرَى أن منعَ الأجانبِ من كفالة الأيتام المغاربة سيضمنُ تربية الأطفال المتخلى عنهم في كنف التعاليم الإسلامية؛ وإن كان المسوغُ هنا دينيا فإن الأمرَ غيرُ مقبولٍ من الناحية الإنسانية؛ ومعايشة الظروف اليومية لأولئك اليتامي قادرٌ على التمكين من إدراك المسألة. منذ شهر نوفمبر 2006؛ أي تاريخ دخول القانون 14-05 المتعلق بظروف فتح وتدبير مؤسسات الرعاية الاجتماعية إلى حيز التنفيذ، لم يعدُ الحديث جارياً حول "دور الأيتام"، بلْ حول مؤسسات الرعاية الاجتماعية التي تشملُ كافة المراكز الاجتماعية. ويتوفر المغرب إلى حد اليوم من تلك المراكز على 1486 مركزاً، 45 منها مخصصة للأطفال في وضعية صعبة، إضافة إلى 58 داراً للأطفال، و49 مركزاً للأطفال المتخلى عنهم. لكنَّ 648 مركزاً فقط من بينها هيَ المحترمة لدفتر التحملات الذي يفرضهُ قانون 05-14، الذي يحددُ المعايير التقنية والإنسانية للمراكز الاجتماعية، فحسبَ التعاون الوطني، يستفيدُ من تلك المراكز 120000 شخص من بينهم 10% من اليتامى و9% من أبناء المطلقين؛ سواء من جهة الأب أو الأم، اللذين قد يكونان في السجن. من ناحية التمويل، تخصص الدولة عبرَ التعاون الوطني، ما متوسطه 5.5 درهم لكل مستفيد يومياً، وهوَ ما ليسَ بالكافي بتاتاً، ولولاَ التبرعات الخاصة؛ حسب مسؤولي دور الأيتام، لما استطاعت تلك الدورُ أن تبقى صامدةً. ولفهم طريقةِ اشتغالها، تنبغي الإشارة إلى أن هناك قسمين من دور الأيتام؛ فمن جانب أول، هناك مراكز مخصصة للأطفال حديثي السن (ما بين 0 إلى 6 سنوات)، ثمَّ هناك مراكز للأطفال المتراوحة أعمارهم ما بينَ 6 و18 سنة وأزيد. وحسبَ مسؤولي التعاون الوطني فإن تلك"المؤسسات تعرفُ صعوباتٍ على مستوى التنظيم والتدبير وجودة الخدمات، والتأطير والتواصل، والمتابعة والتقويم وتحديد المسؤوليات". وإجمالاً، فإن الشريحة العمرية (0 إلى 6 سنوات) لا تطرحُ صعوبةً كبيرة، والأطفال المتواجدون بتلك المراكز إما وضعوا من قبل أمهاتهم أو تم رميهم في الشارع، أو أخذتهم الشرطة ليتم وضعهم في المراكز، وأكبرُ تحدٍّ يمكن أن ترفعه الجمعيات هو المتعلق بالصحة، كما تؤكد سميرة الكواشي، المسؤولية والعالمة النفسانية في دار الأطفال لالة حسناء، قائلة "إن الأطفال الذين يصلون إلينا يأتون في حالة نفسية وذهنية جد هشة، ولكم أن تتخيلوا إيجادنا لبعضهم في أكياس القمامة أو مخنوقين بحبلهم السري، وهُوَ ما يفسرُ العددَ الكبير لمن يعانون الانطواء في دور الأيتام". بلغة الأرقام، وحسب إحصاءات دور الأيتام، فإن 60% من الأطفال يتم تبنيهم في إطار برنامج "كفالة"، و10% منهم تتم استعادتهم في يومٍ ما من قبل آبائهم البيولوجيين، فيما يموت 6.5% منهم خلال إقامتهم بتلك الدور، أي ما يزيد بمرتين عن المعدل الوطني.وعلاوةً على ذلك، فإن اليتامى ليسوا جميعاً من المحظوظين الذين يحصل تبنيهم في إطار الكفالة، فكلما تقدم الطفل في السن إلَّا وقلَّ احتمال الإقدام على تبنيه، فضلاً عن أخذ لونَ الطفل بعين الاعتبار، فالطفل الأبيض البشرة ذو حظوظ أكبر في إيجاد كفيل مقارنة مع الطفل الأسود، والأدهَى من ذلك، أن واحداً من أصل خمسة أطفال يتم تبنيهم يرجَعُونَ إلى إلى دور الأيتام بعد أيام قليلة. وهو تصرفُ لا يقدمُ عليه كافلو الأيتام المغاربة من الأجانب. وفي أجمل بلدان في العالم، تعد الاعتداءات الجنسية على الأطفال عملةً رائجة، فآخر حادثة، لم يقل فيها القضاء بعد كلمته، كان ضحاياها أربعة أيتام من الخيرية الإسلامية بمكناس، ويتعلق الأمر بمسؤول وبأربعة نساء، دأبوا على أخذ الأيتام إلى صالون تجميل يملكهُ زوج إحدى العاملات، كي يمارسَ عليهم الجنس من طرف أغنياء مقابل مبالغ مالية، يقول محمد كبوس أديب، المسؤول عن الملف. "فبما أن أولئك الأطفال لا آباء لهم يغدو الاعتداءُ الجنسي عليهم أمراً سهلاً" توضح ناجية أديب، مديرة جمعية "متقيش ولدي"، وهيَ جرائم لا يبدو أنها آخذة في التراجع بالمغرب.