تعيينات جديدة في صفوف الأمن الوطني بالإدارة المركزية واللاممركزة    المحكمة الدستورية تسقط الفقرة الأولى ومواد أخرى من قانون المسطرة المدنية        استيراد الأبقار بالمغرب يلامس سقف 150 ألف رأس والحكومة تتجه لإصدار قرار جديد    تداولات بورصة البيضاء تنتهي بالأخضر    حقينة سدود المغرب تواصل الانخفاض رغم التحسن النسبي في معدل الملء    طيران مباشر يربط الأردن بالمغرب    فرنسا تعلق إعفاء جزائريين من التأشيرة    تحطم مروحية يقتل وزيرين في غانا    وفيات سوء التغذية تزيد بقطاع غزة    هل يُضفي الذكاء الاصطناعي الشفافية والمصداقية على الانتخابات المغربية؟    قرعة الأبطال و"الكاف" بدار السلام    "إعارة بلا شراء" للضحاك مع الرجاء    تنظيم جديد للسفر من "طنجة المتوسط"    تقلب الجو يوقف الصيد بمياه بوجدور    ضمنهم جزائريون وباكستانيون.. السلطات المغربية توقف "حراگة" بالشمال    دعم السينما يركز على 4 مهرجانات    خبيرة غذائية تبرز فوائد تناول بذور الفلفل الحلو    تكريم كفاءات مغربية في سهرة الجالية يوم 10 غشت بمسرح محمد الخامس    ماكرون يرفع سقف المواجهة مع الجزائر ويدعو حكومته لنهج أكثر صرامة    مصرع شخصين واصابة ثلاثة اخرين بجروح خطيرة في حادثة سير نواحي الناظور    بادس.. ذاكرة شاطئ يهمس بحكايا التاريخ        نشرة إنذارية: موجة حر وزخات رعدية قوية مصحوبة بالبرد وبهبات رياح مرتقبة من الأربعاء إلى الأحد بعدد من مناطق المملكة        رئيس الفيفا جياني إنفانتينو: دعم الملك محمد السادس جعل المغرب نموذجاً كروياً عالمياً    المغرب... تضامن مستمر ومتواصل مع فلسطين بقيادة الملك محمد السادس    دقيقة صمت في هيروشيما إحياء لذكرى مرور 80 سنة على إلقاء القنبلة الذرية عليها    حين ينطق التجريد بلغة الإنسان:رحلة في عالم الفنان التشكيلي أحمد الهواري    النجمة أصالة تغني شارة «القيصر» الدراما الجريئة    توقيف أفارقة متورطين في تزوير جوازات سفر وشهادات مدرسية أجنبية ووثائق تعريفية ورخص للسياقة    نتنياهو يتجه نحو احتلال قطاع غزة بالكامل    نشوب حريق في شقة سكنية بمدينة الفنيدق    حزب الله يرفض قرار الحكومة اللبنانية تجريده من سلاحه    قراءة ‬في ‬برقية ‬الرئيس ‬الأمريكي ‬دونالد ‬ترامب ‬إلى ‬جلالة ‬الملك ‬    أكلو : إلغاء مهرجان "التبوريدة أوكلو" هذا الصيف.. "شوقي"يكشف معطيات حول هذه التظاهرة    عدد ضحايا حوادث السير يرتفع بالمدن فيما يسجل انخفاضا خارجها خلال شهر يوليوز    نقل جندي إسباني من جزيرة النكور بالحسيمة إلى مليلية بمروحية بعد إصابته في ظروف غامضة    أشبال الأطلس يستعدون للمونديال بمواجهتين وديتين ضد منتخب مصر    المديرية العامة للأمن الوطني تطلق حركية الانتقالات السنوية    طفل يرى النور بعد ثلاثين عامًا من التجميد    غزة.. انقلاب شاحنة مساعدات يخلف 20 قتيلا ومستوطنون يهاجمون قافلة معونات قرب مخيم النصيرات    الموثقون بالمغرب يلجأون للقضاء بعد تسريب معطيات رقمية حساسة    "وصل مرحلة التأزم البنيوي".. 3 مؤسسات رسمية تدق ناقوس الخطر بشأن أنظمة التقاعد    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تعقد اجتماعاً حاسماً لدراسة تعديلات قانونية وهيكلية    الذهب يتراجع متأثرا بصعود الدولار    بطولة فرنسا: لنس يتوصل لاتفاق لضم الفرنسي توفان من أودينيزي    «أكوا باور» السعودية تفوز بصفقة «مازن» لتطوير محطتي نور ميدلت 2 و3    بين يَدَيْ سيرتي .. علائم ذكريات ونوافذ على الذات نابضة بالحياة    بنما تعلن من جديد: الصحراء مغربية... ومبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هي الحل النهائي    نحن والحجاج الجزائريون: من الجوار الجغرافي …إلى الجوار الرباني    اتحاديون اشتراكيون على سنة الله ورسوله    بجلد السمك.. طفل يُولد في حالة غريبة من نوعها    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    الأطعمة الحارة قد تسبب خفقان القلب المفاجئ    دراسة كندية: لا علاقة مباشرة بين الغلوتين وأعراض القولون العصبي    بنكيران يدعو شبيبة حزبه إلى الإكثار من "الذكر والدعاء" خلال عامين استعدادا للاستحقاقات المقبلة    "العدل والإحسان" تناشد "علماء المغرب" لمغادرة مقاعد الصمت وتوضيح موقفهم مما يجري في غزة ومن التطبيع مع الصهاينة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد بنيسّف.. رسم النقود المغربية فكرّمته إسبانيا
نشر في هسبريس يوم 21 - 04 - 2013

هو ‬فنان ‬رحالة، ‬عودنا ‬على ‬حماماته ‬التي ‬تحط ‬هنا ‬وهناك، ‬حتى ‬أنها ‬أصبحت ‬تعيش ‬معنا ‬كل ‬يوم، ‬نخبؤها ‬في ‬أكثر ‬الأماكن ‬سرية، ‬ونفرح ‬بها ‬محلقة ‬جانحة ‬على ‬الأوراق ‬النقدية ‬المغربية ‬التي ‬صممها.‬
فنان ‬من ‬العيار ‬الثقيل، ‬يشهد ‬لنفسه ‬بالعبقرية، ‬ويطالب ‬العالم ‬بأن ‬يحتفي ‬به ‬قبل ‬مماته.. ‬في ‬لوحته ‬سحر ‬يستحوذ ‬عليك، ‬وقوة ‬تنفذ ‬إلى ‬أعماقك ‬بعذوبة ‬مغلفة ‬بالأسى، ‬ذلك ‬أنه ‬رسم ‬الإنسان ‬في ‬كثير ‬من ‬لحظات ‬ضعفه ‬وصراعاته ‬ضد ‬الفقر ‬والاضطهاد ‬والجهل ‬والجوع..‬ معاناة ‬ترجمها ‬على ‬الوجوه ‬الحزينة ‬التي ‬صادفته ‬في ‬الممشى ‬الرحب ‬في ‬تطوان ‬البيضاء، ‬في ‬هذا ‬الحوار ‬كثير ‬من ‬بوح ‬الرسام ‬الذي ‬ما ‬فتئ ‬يتشبث ‬بنظرته ‬المواربة ‬وبحماماته ‬التي ‬تحلق ‬في ‬سماء ‬إشبيلية، ‬وتحديدا ‬في ‬ساحة ‬‮«‬لاخيرالدا‮»‬، ‬في ‬هذا ‬الحوار ‬أيضا، ‬كثير ‬من ‬الكلام ‬الذي ‬خلف ‬الكلام، ‬للفتى ‬الذي ‬يحتفظ ‬بالجوائز ‬الثلاث، ‬والتي ‬عُدَّت ‬سابقة ‬في ‬تاريخ ‬جامعة ‬إشبيلية ‬للفنون ‬التشكيلية ‬الجائزة ‬الأولى ‬للصباغة ‬الزيتية‪،‬ ‬الجائزة ‬الأولى ‬للرسم ‬القديم، ‬الجائزة ‬الأولى ‬للمناظر ‬الطبيعية. ‬
بحضور ‬صديقه ‬الروائي ‬المبدع ‬بهاء ‬الدين ‬الطود، ‬صاحب ‬‮ «البعيدون‮»‬ ‬و «أبو ‬حيان ‬في ‬طنجة‮»‬، ‬والذي ‬كان ‬شاهدا ‬على ‬النبش ‬في ‬عوالم ‬بنيسف، ‬سأستهل ‬الحديث ‬بالسؤال ‬التالي: ‬
البدايات ‬هي ‬منبع ‬الخصب، ‬كيف ‬كانت ‬بدايات ‬الفنان ‬الكبير ‬أحمد ‬بنيسف؟
لا ‬أذكر ‬شيئا ‬آخر ‬عن ‬علاقتي ‬الأولى ‬بالحياة ‬سوى ‬أني ‬كنت ‬منذ ‬البدء ‬رساما، ‬لم ‬أع ‬بوجودي ‬إلا ‬وأنا ‬رسام، ‬الفقيه ‬‮«‬السي ‬الحسن‮»‬ ‬في ‬‮«‬المسيد‮»‬ ‬الذي ‬كنت ‬أحفظ ‬على ‬يديه ‬القرآن، ‬كان ‬كثيرا ‬ما ‬يضربني ‬على ‬أصابعي، ‬لأني ‬بدل ‬أن ‬أكتب ‬القرآن، ‬كنت ‬أرسم ‬على ‬اللوح، ‬أما ‬في ‬مرحلة ‬الابتدائي ‬والثانوي، ‬فقد ‬كنت ‬قد ‬رسمت ‬جميع ‬المعلمين ‬والأساتذة ‬الذين ‬تتلمذت ‬على ‬أيديهم، ‬وقد ‬تسبب ‬لي ‬ذلك ‬في ‬العديد ‬من ‬الخصومات ‬والمشاكل ‬مع ‬والدي ‬ومع ‬المعلمين، ‬الذين ‬كانوا ‬باستمرار ‬يعاتبوني ‬على ‬عدم ‬الاهتمام ‬بالدراسة ‬وصرف ‬جل ‬أوقاتي ‬في ‬رسم ‬الوجوه ‬والسحنات... ‬إلا ‬أنني ‬كنت ‬أجتهد ‬في ‬الابتدائي ‬والثانوي ‬كي ‬يتحقق ‬لي ‬ولوج ‬مدرسة ‬الفنون ‬الجميلة، ‬وهو ‬حلم ‬راودني ‬منذ ‬أن ‬علمت ‬بوجود ‬تلك ‬المدرسة..‬
عشت ‬بعد ‬ذلك ‬مغامرة ‬التحدي، ‬وكنت ‬دائما ‬أومن ‬بأن ‬الحظ ‬لا ‬يحالف ‬الكسالى، ‬فكان ‬علي ‬أن ‬أعمل ‬وأجتهد، ‬وكثيرا ‬ما ‬يُقال ‬لي ‬أنني ‬محظوظ، ‬إلا ‬أنني ‬أقول ‬إني ‬مجتهد ‬ومكافح.. ‬وما ‬زلت ‬لحد ‬الآن ‬في ‬مرحلة ‬البحث ‬والمثابرة ‬من ‬أجل ‬رسم ‬اللوحة ‬التي ‬لم ‬أرسم ‬بعد.‬. وأنا ‬نكاية ‬بكل ‬المتطفلين ‬الذين ‬يستسهلون ‬الفن ‬التشكيلي ‬والإبداع ‬عموما، ‬أقول: ‬ولدت ‬عبقريا، ‬لكني ‬أتمنى ‬أن ‬أموت ‬رساما.‬
منحك ‬الفن ‬التشكيلي ‬شهرة ‬واسعة ‬وحظوة ‬بين ‬الناس، ‬ونجاحات ‬باهرة، ‬فما ‬الذي ‬امتلأتَ ‬به ‬بعد ‬هذا ‬المشوار ‬العريض ‬والغني؟ ‬
أصبحت ‬أنظر ‬إلى ‬الحياة ‬بمنظور ‬مختلف ‬تماما، ‬ربما ‬بسبب ‬ذلك ‬أصبحت ‬أكثر ‬عزلة ‬وأكثر ‬ميلا ‬إلى ‬الانزواء، ‬ففي ‬مرسمي ‬كم ‬من ‬مرة ‬أحسست ‬أني ‬أطير ‬خارج ‬هذا ‬العالم، ‬أشعر ‬في ‬كثير ‬من ‬الأحيان ‬أني ‬أنتمي ‬إلى ‬عالم ‬آخر...‬قد ‬يحدث ‬معي ‬أن ‬أبقى ‬لفترة ‬طويلة ‬غير ‬راض ‬عن ‬اللوحة ‬التي ‬رسمتها، ‬وأنا ‬أعرف ‬جيدا ‬مكمن ‬الخلل ‬فيها ‬وكيف ‬يمكنني ‬أن ‬أقوم ‬بتصحيحه ‬أو ‬معالجته، ‬غير ‬أن ‬يدي ‬لا ‬تسعفني، ‬إلا ‬أنه ‬وبعد ‬مضي ‬أيام ‬وليالي ‬في ‬محاولاتي ‬لضبط ‬الخطأ، ‬يحدث ‬معي ‬هكذا ‬فجأة، ‬أن ‬تسعفني ‬يدي ‬فأصحح ‬ما ‬فا ‬تني ‬في ‬اللوحة، ‬فكيف ‬يمكن ‬تفسير ‬ذلك؟؟
هناك ‬من ‬الناس ‬منْ ،‬حين ‬أحكي ‬لهم ‬ما ‬يحدث ‬معي، ‬يعتبرها ‬فلسفة، ‬ويذهب ‬إلى ‬القول ‬إنها ‬فلسفة ‬آثمة، ‬فمن ‬الصعب ‬شرح ‬أشياء ‬كهذه، ‬غير ‬أني ‬غالبا ‬ما ‬أردد: ‬‮«‬ماكيعْرَفْ ‬الحال ‬غير ‬صاحب ‬الحال‮».
كيف ‬يقرأ ‬بنيسف ‬المشهد ‬التشكيلي ‬المغربي؟
في ‬الحقيقة، ‬يمكنني ‬القول ‬بأننا ‬خطونا ‬خطوات ‬عملاقة ‬في ‬هذا ‬المجال، ‬لكن ‬على ‬المستوى ‬الفردي، ‬وليس ‬على ‬المستوى ‬المؤسساتي، ‬ليس ‬هناك ‬مؤسسات ‬لا ‬خاصة ‬ولا ‬رسمية، ‬نحن ‬لا ‬نملك ‬لحد ‬الآن ‬حتى ‬وزارة ‬الثقافة، ‬نحن ‬لدينا ‬فقط ‬وزارة ‬الشؤون ‬الثقافية، ‬ولهذا ‬ففي ‬رأيي ‬أن ‬الخطوات ‬التي ‬وقعناها ‬في ‬مجال ‬الفن ‬التشكيلي ‬تعتبر ‬معجزة، ‬لذلك ‬فالرسام ‬المغربي ‬اليوم ‬لا ‬يقل ‬أهمية ‬عن ‬أي ‬رسام ‬عالمي ‬آخر.. ‬ولكن ‬لسوء ‬الحظ، ‬نحن ‬لا ‬نتوفر ‬على ‬قاعات ‬وطنية ‬في ‬المدن ‬الكبرى ‬في ‬المستوى ‬المطلوب، ‬لا ‬نتوفر ‬على ‬جائزة ‬وطنية ‬للفنون ‬التشكيلية، ‬لا ‬نتوفر ‬على ‬معرض ‬دولي ‬سنوي ‬يقام ‬خصيصا ‬لرصد ‬الحركة ‬التشكيلية ‬بالمغرب ‬وخارجه، ‬نحن ‬لا ‬نملك ‬متحفا ‬للفن ‬المعاصر، ‬هناك ‬قاعة ‬وطنية ‬يتيمة ‬مستواها ‬رديء ‬هي ‬قاعة ‬باب ‬الرواح، ‬قاعة ‬ممتازة ‬ولكن ‬تشييدها ‬سيء، ‬ليس ‬هناك ‬إعلام ‬حقيقي ‬متخصص ‬في ‬الفن ‬التشكيلي، ‬وبالتالي ‬ليس ‬هناك ‬نقاد ‬حقيقيون..
ومع ‬ذلك، ‬أحب ‬التأكيد ‬على ‬أن ‬ما ‬تراكم ‬لحد ‬الآن ‬في ‬مجال ‬الفن ‬التشكيلي ‬يعتبر ‬ذا ‬قيمة ‬كبيرة ‬، ‬بالنظر ‬إلى ‬الإمكانيات ‬الضعيفة ‬والهزيلة ‬التي ‬تقدم ‬للفنان، ‬وأنا ‬في ‬هذه ‬المرحلة ‬من ‬العمر، ‬لم ‬يعد ‬يمكنني ‬أن ‬أزيف ‬الحقائق ‬أو ‬أخفي ‬الواقع ‬بالغربال..‬
أنتم ‬كمؤسسين ‬وكرواد ‬للفن ‬التشكيلي ‬المعاصر ‬وأقصد ‬هنا ‬جيل ‬مدرسة ‬الفنون ‬الجميلة ‬بتطوان ..
(يقاطعني)
نحن ‬لسنا ‬روادا ‬ولسنا ‬مؤسسين، ‬نحن ‬جيل ‬التضحية، ‬نحن ‬القنطرة ‬التي ‬سيُعبَرُ ‬منها، ‬الدليل ‬القاطع ‬على ‬هذا ‬الكلام ‬هو ‬أننا ‬لا ‬نملك ‬ذاكرة ‬تشكيلية. ‬هناك ‬فنانين ‬مغاربة ‬أنتجوا ‬وأعطوا ‬الكثير ‬ولكن ‬من ‬يذكرهم ‬اليوم، ‬لذلك ‬فأنا ‬لن ‬أستغرب ‬أنه ‬بعد ‬عشر ‬سنوات ‬لن ‬يكون ‬هناك ‬من ‬سيذكر ‬المكي ‬مغارة ‬أو ‬الورديغي ‬أو ‬بنعلام...‬
ماذا ‬يحدث ‬عندنا، ‬الذي ‬يحدث ‬هو ‬أن ‬الناس ‬تقتني ‬اللوحات ‬فتضعها ‬في ‬البيت، ‬وينتهي ‬الأمر، ‬فبدل ‬أن ‬تقتني ‬بعض ‬المؤسسات ‬الرسمية ‬لوحات ‬الفنانين ‬الحقيقيين، ‬حتى ‬تشمل ‬المتعة ‬والتواصل ‬كافة ‬الناس، ‬ثمة ‬أعمال ‬تبقى ‬حبيسة ‬جدران ‬الغرف ‬والصالونات، ‬أنت ‬تلاحظين ‬معي ‬أن ‬جل ‬المكاتب ‬في ‬جل ‬المؤسسات ‬فارغة ‬تماما ‬إلا ‬من ‬صورة ‬الملك ‬أطال ‬الله ‬عمره، ‬ولكن ‬أين ‬لوحات ‬الفنانين ‬الكبار؟
وهنا ‬أذكر ‬أن ‬الحسن ‬الثاني ‬نفسه ‬رحمه ‬الله ‬تساءل ‬يوما: ‬إن ‬كل ‬من ‬يفكر ‬في ‬مشروع، ‬يفتح ‬مقهى، ‬أليس ‬هناك ‬من ‬يفكر ‬في ‬متحف ‬أو ‬قاعات ‬عرض ...‬؟
إن ‬المصلحة ‬الذاتية ‬الصرفة ‬تحكم ‬كل ‬العقليات ‬في ‬بلادنا، ‬لذلك ‬نحن ‬لا ‬نتطور، ‬ليس ‬هناك ‬من ‬يفكر ‬في ‬الفنان، ‬لأن ‬السائد ‬عندنا ‬هو ‬أن ‬الفنان ‬لا ‬بد ‬أن ‬يكون ‬‮«‬مزلوطا‮»‬، ‬وأن ‬يكون ‬دائما ‬مبعث ‬شفقة، ‬حتى ‬عندما ‬يراه ‬أحدهم ‬يقول: ‬إنه ‬فنان ‬كبير ‬ولكني ‬أعطيته ‬بالأمس ‬خمسين ‬درهما ‬لكي ‬‮«‬يتعشى‮»‬.. ‬وهذا ‬حاصل ‬عندنا ‬في ‬المغرب ‬وأنا ‬أعرف ‬هذا ‬جيدا... ‬وفي ‬النهاية ‬لا ‬يمكنني ‬القول ‬إلا ‬أن ‬ذلك ‬بكل ‬تأكيد ‬يعتبر ‬علامة ‬تخلف ‬ليس ‬إلا..‬
ولكني ‬أعتقد ‬أن ‬هناك ‬رغم ‬ذلك ‬اعتراف ‬بك ‬داخل ‬المغرب ‬؟
اعتراف ‬بي ‬لأنني ‬نجحت ‬في ‬الخارج، ‬وهنا ‬أنا ‬لا ‬أريد ‬أن ‬أنافق ‬أحدا، ‬ولو ‬كنت ‬بقيت ‬في ‬المغرب، ‬لما ‬تحقق ‬لي ‬هذا ‬الحضور، ‬فحضوري ‬والاعتراف ‬بي ‬جاء ‬من ‬الغرب ‬وليس ‬من ‬المغرب.‬
لذلك ‬أردد ‬دائما ‬في ‬مناسبات ‬كثيرة ‬وأقول ‬أنا ‬لست ‬في ‬حاجة ‬إلى ‬اعتراف ‬بعد ‬مماتي، ‬لا ‬أريد ‬تكريما ‬بعد ‬موتي، ‬وعلى ‬من ‬يفكر ‬في ‬تكريمي ‬أو ‬الاحتفاء ‬بي ‬غدا ‬بعد ‬أن ‬أرحل ‬عن ‬هذا ‬العالم، ‬فعليه ‬أن ‬يكرمني ‬اليوم، ‬ومن ‬يريد ‬الاحتفاء ‬بي ‬فليحتفي ‬بي ‬اليوم... ‬أما ‬بعد ‬موتي ‬فما ‬الفائدة؟ ‬
علمت ‬من ‬مصدر ‬مقرب ‬أنك ‬في ‬مرحلة ‬التهييء ‬لتشييد ‬مؤسسة ‬بنيسف ‬للفن ‬التشكيلي، ‬ماذا ‬عن ‬هذا ‬المشروع ‬الهام؟ ‬
هناك ‬عروض ‬من ‬إشبيلية ‬ليقدموا ‬لي ‬كل ‬ما ‬أنا ‬في ‬حاجة ‬إليه ‬لتشييد ‬هذه ‬المؤسسة، ‬ولكني ‬كنت ‬وما ‬أزال ‬مصرا ‬على ‬أن ‬تكون ‬المؤسسة ‬التي ‬أريدها ‬أن ‬تحمل ‬اسمي ‬واسم ‬زوجتي ‬أي ‬‮«‬بنيسف ‬فيلاسكيس‮»‬ ‬يكون ‬مقرها ‬في ‬تطوان ‬وتحديدا ‬في ‬المدينة ‬العتيقة، ‬وقد ‬اشتريت ‬بيتا ‬ذا ‬واجهتين، ‬وقررت ‬إصلاحه ‬وتهيئته ‬ليصبح ‬قابلا ‬لاستيعاب ‬متحف ‬دائم ‬لأعمالي ‬على ‬اختلاف ‬أساليبها ‬ومراحلها ‬في ‬الطابق ‬الأول، ‬ثم ‬معرضا ‬دائما ‬لكبار ‬الرسامين ‬المغاربة ‬الذين ‬اقتنيت ‬أعمالهم، ‬والذين ‬لهم ‬علاقة ‬بتاريخ ‬المدينة ‬في ‬الطابق ‬الثاني، ‬كما ‬قررت ‬أن ‬أخصص ‬الطابق ‬الأعلى ‬لمقصف ‬أو ‬مقهى ‬يطل ‬على ‬المدينة ‬العتيقة ‬ويضم ‬كذلك ‬مكتبة ‬وقاعة ‬للمحاضرات ‬واللقاءات ‬الثقافية، ‬ليكون ‬مكان ‬تأمل ‬لكل ‬زائر ‬لهذه ‬المؤسسة، ‬غير ‬أن ‬المشكل ‬هو ‬أن ‬أحد ‬المنعشين ‬العقاريين ‬بدون ‬وجه ‬حق ‬وبدون ‬رخصة ‬أيضا، ‬بنى ‬عمارة ‬مقابلة ‬لمبنى ‬المؤسسة، ‬وحجبتْ ‬بذلك ‬المشهد ‬الذي ‬يطل ‬على ‬المدينة ‬العتيقة، ‬الشيء ‬الذي ‬أغاظني ‬كثيرا ‬وقدمت ‬شكاية ‬في ‬الموضوع، ‬ومازلت ‬لم ‬أتلق ‬ردا..‬
ففي ‬الوقت ‬الذي ‬أفكر ‬فيه ‬بالقيام ‬بشيء ‬لأجل ‬مدينتي ‬ووطني، ‬أصدم ‬بهذا ‬السلوك.. ‬المثل ‬المغربي ‬يقول: ‬ «‬شْكُونْ ‬شافو ‬لكْ ‬ألمَكَحْلة ‬الظلام‮»‬ ‬أو ‬مثل ‬المثل ‬المغربي ‬الآخر ‬الذي ‬يقول : ‬‮«‬بحال ‬اللي ‬كتكب ‬ما ‬وَرْدْ ‬في ‬العطارين‮».‬
مؤسسة ‬بنيسف ‬للفن ‬التشكيلي، ‬من ‬مشاريعي ‬الحياتية، ‬ولحسن ‬حظي ‬اليوم ‬أنني ‬مرتاح ‬ماديا ‬فلست ‬في ‬حاجة ‬إلى ‬أن ‬أبيع ‬إحدى ‬لوحاتي ‬كي ‬أتدبر ‬قوت ‬يومي، ‬لذلك ‬فكرت ‬في ‬مشروع ‬إيجابي ‬لبلدي، ‬غير ‬أني ‬لو ‬استمرت ‬هذه ‬العراقيل ‬فسأكون ‬مضطرا ‬لإنشاء ‬المؤسسة ‬هنا ‬في ‬إشبيلية ‬بما ‬أن ‬كل ‬الظروف ‬متوفرة، ‬ولكني ‬رغم ‬ذلك ‬سأشعر ‬بأسف ‬شديد، ‬كوني ‬لن ‬أحقق ‬حلما ‬راودني ‬منذ ‬زمن ‬في ‬بلدي.‬
أنت ‬فنان ‬كبير ‬معني ‬بالإبداع ‬والخلق، ‬ولكنك ‬بكل ‬تأكيد ‬إنسان ‬عربي ‬معني ‬كذلك ‬بالوضع ‬الراهن، ‬كيف ‬يتفاعل ‬بنيسف ‬مع ‬ما ‬يحدث ‬من ‬حراك ‬عربي؟
الرسام ‬في ‬رأيي ‬يصبح ‬مؤرخا ‬للمرحلة ‬التي ‬يعيش ‬فيها، ‬موثقا ‬لحياته ‬التي ‬يعيشها، ‬والدليل ‬على ‬ذلك، ‬أنك ‬في ‬كل ‬المتاحف ‬العالمية ‬ومن ‬حسن ‬الحظ ‬أن ‬العالم ‬العربي ‬لا ‬يتوفر ‬على ‬متاحف ‬حقيقية ‬ ‬تجد ‬أن ‬تاريخ ‬الإنسانية ‬كله ‬موجود ‬فيها ‬ومرسوم ‬على ‬جدرانها، ‬وهذا ‬العبد ‬الضعيف ‬ركز ‬كثيرا ‬على ‬هذا ‬الموضوع ‬، ‬فكثير ‬من ‬أعمالي ‬شاهدة ‬على ‬ذلك، ‬فقد ‬رسمت ‬المسيرة ‬الخضراء، ‬ورسمت ‬أول ‬لقاء ‬بين ‬الفلسطينيين ‬والإسرائيليين ‬في ‬مدريد، ‬رسمت ‬الربيع ‬العربي ‬وهذه ‬اللوحة ‬اقتنتها ‬مؤسسة ‬‮«‬مشيش ‬العلمي‮»‬ ‬بالقنيطرة، ‬رسمت ‬انقلاب ‬الصخيرات ‬سنة ‬1971... ‬لقد ‬اشتغلت ‬على ‬هذا ‬الموضوع ‬جماليا ‬وفنيا، ‬كما ‬أعتبر ‬أيضا ‬أني ‬وثقت ‬له ‬وأرخته ‬عبر ‬اللوحة، ‬فبطبيعة ‬الحال ‬أنا ‬لا ‬أرسم ‬كي ‬أرسم.
* من العدد 11لمجلّة هسبريس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.