مدير المستشفى الجهوي بني ملال يستنفر كل الأطقم لتجفيف كل الظواهر المشينة بالمشفى ومحيطه    المغرب وموريتانيا يعززان تعاونهما في مجال اللامركزية والتنمية المحلية من الرباط    مزاعم اختطاف أطفال في طنجة غير صحيحة    الحقيقة والخيال في لوحة التشكيلية المغربية ليلى الشرقاوي    المحمدية تحتفي بالمسرح الاحترافي في دورته الثالثة    ألباريس: المغرب ساعدنا في أزمة الكهرباء.. وعلاقتنا تشهد "تقدما كبيرا"    آدم قاروال.. موهبة مغربية تخطف الأنظار داخل أكاديمية برشلونة والجمهور يصفه ب"لامين جمال الجديد"    المقاربة الدبلوماسية المغربية بشأن قضية الصحراء انتقلت إلى منطق المبادرة والاستباق مرتكزة على شرعية تاريخية راسخة (ولد الرشيد)    "تعزيز الدفاع" يؤخر محاكمة حامي الدين    للا حسناء تلتقي السيدة الأولى لأذربيجان    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء تزور بباكو ممر الشرف وممر الشهداء    عضة كلب تنهي حياة شاب بعد أسابيع من الإهمال    مصرع سائحين بريطانيين في حادثة سير بأكادير وإصابة سائحين آخرين وسائق السيارة بجروح متفاوتة الخطورة    عودة ليفاندوفسكي تزين قائمة برشلونة قبل موقعة إنتر ميلان في دوري الأبطال    سوق الشغل.. خمس جهات تضم 72 في المائة من مجموع السكان النشيطين    توقيف شخص بالبيضاء بشبهة التهديد بارتكاب اعتداءات جسدية قاتلة في حق مرتادي الملاعب الرياضية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    استقبال أعضاء البعثة الصحية لموسم الحج    كيف تُنقذ حياة شخص من أزمة قلبية؟.. أخصائي يوضّح    جدل يرافق دعما يفوق مليار سنتيم في قطاع الصيد .. والدريوش: التمويل دولي    مطالب للحكومة بالكشف عن الجهات المستفيدة من الدعم العمومي بقطاع الصيد البحري    تتويج مثير لكلوب بروج بكأس بلجيكا وشمس الدين الطالبي يرفع العلم المغربي احتفالاً    أوقفها ثم أعادها.. مصطفى أوراش يتراجع عن التجميد ويُعلن استئناف البطولة    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    إسرائيل تقر خطة "السيطرة" على غزة    رشق الرئيس الكيني بالحذاء خلال تجمع جماهيري    باحثون أمريكيون يبتكرون "تيرابوت".. أداة ذكاء اصطناعي للعلاج النفسي    أسعار الذهب ترتفع مدعومة بتراجع الدولار    بورصة البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الانخفاض    العلاقات الاقتصادية الصينية العربية تتجاوز 400 مليار دولار: تعاون استراتيجي يمتد إلى مجالات المستقبل    عمر حجيرة.. زيارة البعثة الاقتصادية المغربية لمصر رسالة واضحة على رغبة المملكة في تطوير الشراكة والتعاون بين البلدين    الكوكب يواصل نزيف النقاط واتحاد يعقوب المنصور يعزز موقعه في المركز الثالث    مفاوضات متواصلة تؤجل الكشف عن الأسماء المغربية في موازين    أسود الأطلس يواصلون التألق بالدوريات الأوروبية    باريس.. الوجه الآخر    النفط ينخفض بأكثر من دولارين للبرميل مع اتجاه أوبك+ لزيادة الإنتاج    فرنسا والاتحاد الأوروبي يقودان جهودا لجذب العلماء الأميركيين المستائين من سياسات ترامب    محمد وهبي: نتيجة التعادل مع نيجيريا منطقية    بعد فتح الجمارك.. مواد البناء المغربية تغزو سبتة المحتلة    رسميًا.. ألكسندر أرنولد يعلن رحيله عن ليفربول    الرابطة المغربية لمهنيي تعليم السياقة تطالب بإحداث رخصة خاصة للسيارات الأوتوماتيكية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    العثور على جثث 13 عاملا بعد اختطافهم من منجم ذهب في بيرو    ترامب يأمر بإعادة فتح سجن الكاتراز بعد 60 عاما على إغلاقه    تفاصيل إحباط تفجير حفلة ليدي غاغا    أكاديمية المملكة تحتفي بآلة القانون    شغب الملاعب يقود أشخاصا للاعتقال بالدار البيضاء    مقبرة الرحمة بالجديدة بدون ماء.. معاناة يومية وصمت الجهات المعنية    العثور على جثث 13 عاملا بالبيرو    طنجة.. حملات أمنية متواصلة لمكافحة الدراجات النارية المخالفة والمعدّلة    الاحتفاء بالموسيقى الكلاسيكية خلال مسابقة دولية للبيانو بمراكش    الأميرة لالة حسناء تشارك كضيفة شرف في مهرجان السجاد الدولي بباكو... تجسيد حي للدبلوماسية الثقافية المغربية    بريطانيا تطلق رسمياً لقاح جديد واعد ضد السرطان    دراسة: الشخير الليلي المتكرر قد يكون إنذارا مبكرا لارتفاع ضغط الدم ومشاكل القلب    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمّد بنيسف.. رسم النقود المغربية فكرّمته إسبانيا
نشر في هسبريس يوم 20 - 04 - 2013

هو ‬فنان ‬رحالة، ‬عودنا ‬على ‬حماماته ‬التي ‬تحط ‬هنا ‬وهناك، ‬حتى ‬أنها ‬أصبحت ‬تعيش ‬معنا ‬كل ‬يوم، ‬نخبؤها ‬في ‬أكثر ‬الأماكن ‬سرية، ‬ونفرح ‬بها ‬محلقة ‬جانحة ‬على ‬الأوراق ‬النقدية ‬المغربية ‬التي ‬صممها.‬
فنان ‬من ‬العيار ‬الثقيل، ‬يشهد ‬لنفسه ‬بالعبقرية، ‬ويطالب ‬العالم ‬بأن ‬يحتفي ‬به ‬قبل ‬مماته.. ‬في ‬لوحته ‬سحر ‬يستحوذ ‬عليك، ‬وقوة ‬تنفذ ‬إلى ‬أعماقك ‬بعذوبة ‬مغلفة ‬بالأسى، ‬ذلك ‬أنه ‬رسم ‬الإنسان ‬في ‬كثير ‬من ‬لحظات ‬ضعفه ‬وصراعاته ‬ضد ‬الفقر ‬والاضطهاد ‬والجهل ‬والجوع..‬ معاناة ‬ترجمها ‬على ‬الوجوه ‬الحزينة ‬التي ‬صادفته ‬في ‬الممشى ‬الرحب ‬في ‬تطوان ‬البيضاء، ‬في ‬هذا ‬الحوار ‬كثير ‬من ‬بوح ‬الرسام ‬الذي ‬ما ‬فتئ ‬يتشبث ‬بنظرته ‬المواربة ‬وبحماماته ‬التي ‬تحلق ‬في ‬سماء ‬إشبيلية، ‬وتحديدا ‬في ‬ساحة ‬‮«‬لاخيرالدا‮»‬، ‬في ‬هذا ‬الحوار ‬أيضا، ‬كثير ‬من ‬الكلام ‬الذي ‬خلف ‬الكلام، ‬للفتى ‬الذي ‬يحتفظ ‬بالجوائز ‬الثلاث، ‬والتي ‬عُدَّت ‬سابقة ‬في ‬تاريخ ‬جامعة ‬إشبيلية ‬للفنون ‬التشكيلية ‬الجائزة ‬الأولى ‬للصباغة ‬الزيتية‪،‬ ‬الجائزة ‬الأولى ‬للرسم ‬القديم، ‬الجائزة ‬الأولى ‬للمناظر ‬الطبيعية. ‬
بحضور ‬صديقه ‬الروائي ‬المبدع ‬بهاء ‬الدين ‬الطود، ‬صاحب ‬‮ «البعيدون‮»‬ ‬و «أبو ‬حيان ‬في ‬طنجة‮»‬، ‬والذي ‬كان ‬شاهدا ‬على ‬النبش ‬في ‬عوالم ‬بنيسف، ‬سأستهل ‬الحديث ‬بالسؤال ‬التالي: ‬
البدايات ‬هي ‬منبع ‬الخصب، ‬كيف ‬كانت ‬بدايات ‬الفنان ‬الكبير ‬أحمد ‬بنيسف؟
لا ‬أذكر ‬شيئا ‬آخر ‬عن ‬علاقتي ‬الأولى ‬بالحياة ‬سوى ‬أني ‬كنت ‬منذ ‬البدء ‬رساما، ‬لم ‬أع ‬بوجودي ‬إلا ‬وأنا ‬رسام، ‬الفقيه ‬‮«‬السي ‬الحسن‮»‬ ‬في ‬‮«‬المسيد‮»‬ ‬الذي ‬كنت ‬أحفظ ‬على ‬يديه ‬القرآن، ‬كان ‬كثيرا ‬ما ‬يضربني ‬على ‬أصابعي، ‬لأني ‬بدل ‬أن ‬أكتب ‬القرآن، ‬كنت ‬أرسم ‬على ‬اللوح، ‬أما ‬في ‬مرحلة ‬الابتدائي ‬والثانوي، ‬فقد ‬كنت ‬قد ‬رسمت ‬جميع ‬المعلمين ‬والأساتذة ‬الذين ‬تتلمذت ‬على ‬أيديهم، ‬وقد ‬تسبب ‬لي ‬ذلك ‬في ‬العديد ‬من ‬الخصومات ‬والمشاكل ‬مع ‬والدي ‬ومع ‬المعلمين، ‬الذين ‬كانوا ‬باستمرار ‬يعاتبوني ‬على ‬عدم ‬الاهتمام ‬بالدراسة ‬وصرف ‬جل ‬أوقاتي ‬في ‬رسم ‬الوجوه ‬والسحنات... ‬إلا ‬أنني ‬كنت ‬أجتهد ‬في ‬الابتدائي ‬والثانوي ‬كي ‬يتحقق ‬لي ‬ولوج ‬مدرسة ‬الفنون ‬الجميلة، ‬وهو ‬حلم ‬راودني ‬منذ ‬أن ‬علمت ‬بوجود ‬تلك ‬المدرسة..‬
عشت ‬بعد ‬ذلك ‬مغامرة ‬التحدي، ‬وكنت ‬دائما ‬أومن ‬بأن ‬الحظ ‬لا ‬يحالف ‬الكسالى، ‬فكان ‬علي ‬أن ‬أعمل ‬وأجتهد، ‬وكثيرا ‬ما ‬يُقال ‬لي ‬أنني ‬محظوظ، ‬إلا ‬أنني ‬أقول ‬إني ‬مجتهد ‬ومكافح.. ‬وما ‬زلت ‬لحد ‬الآن ‬في ‬مرحلة ‬البحث ‬والمثابرة ‬من ‬أجل ‬رسم ‬اللوحة ‬التي ‬لم ‬أرسم ‬بعد.‬. وأنا ‬نكاية ‬بكل ‬المتطفلين ‬الذين ‬يستسهلون ‬الفن ‬التشكيلي ‬والإبداع ‬عموما، ‬أقول: ‬ولدت ‬عبقريا، ‬لكني ‬أتمنى ‬أن ‬أموت ‬رساما.‬
منحك ‬الفن ‬التشكيلي ‬شهرة ‬واسعة ‬وحظوة ‬بين ‬الناس، ‬ونجاحات ‬باهرة، ‬فما ‬الذي ‬امتلأتَ ‬به ‬بعد ‬هذا ‬المشوار ‬العريض ‬والغني؟ ‬
أصبحت ‬أنظر ‬إلى ‬الحياة ‬بمنظور ‬مختلف ‬تماما، ‬ربما ‬بسبب ‬ذلك ‬أصبحت ‬أكثر ‬عزلة ‬وأكثر ‬ميلا ‬إلى ‬الانزواء، ‬ففي ‬مرسمي ‬كم ‬من ‬مرة ‬أحسست ‬أني ‬أطير ‬خارج ‬هذا ‬العالم، ‬أشعر ‬في ‬كثير ‬من ‬الأحيان ‬أني ‬أنتمي ‬إلى ‬عالم ‬آخر...‬قد ‬يحدث ‬معي ‬أن ‬أبقى ‬لفترة ‬طويلة ‬غير ‬راض ‬عن ‬اللوحة ‬التي ‬رسمتها، ‬وأنا ‬أعرف ‬جيدا ‬مكمن ‬الخلل ‬فيها ‬وكيف ‬يمكنني ‬أن ‬أقوم ‬بتصحيحه ‬أو ‬معالجته، ‬غير ‬أن ‬يدي ‬لا ‬تسعفني، ‬إلا ‬أنه ‬وبعد ‬مضي ‬أيام ‬وليالي ‬في ‬محاولاتي ‬لضبط ‬الخطأ، ‬يحدث ‬معي ‬هكذا ‬فجأة، ‬أن ‬تسعفني ‬يدي ‬فأصحح ‬ما ‬فا ‬تني ‬في ‬اللوحة، ‬فكيف ‬يمكن ‬تفسير ‬ذلك؟؟
هناك ‬من ‬الناس ‬منْ ،‬حين ‬أحكي ‬لهم ‬ما ‬يحدث ‬معي، ‬يعتبرها ‬فلسفة، ‬ويذهب ‬إلى ‬القول ‬إنها ‬فلسفة ‬آثمة، ‬فمن ‬الصعب ‬شرح ‬أشياء ‬كهذه، ‬غير ‬أني ‬غالبا ‬ما ‬أردد: ‬‮«‬ماكيعْرَفْ ‬الحال ‬غير ‬صاحب ‬الحال‮».
كيف ‬يقرأ ‬بنيسف ‬المشهد ‬التشكيلي ‬المغربي؟
في ‬الحقيقة، ‬يمكنني ‬القول ‬بأننا ‬خطونا ‬خطوات ‬عملاقة ‬في ‬هذا ‬المجال، ‬لكن ‬على ‬المستوى ‬الفردي، ‬وليس ‬على ‬المستوى ‬المؤسساتي، ‬ليس ‬هناك ‬مؤسسات ‬لا ‬خاصة ‬ولا ‬رسمية، ‬نحن ‬لا ‬نملك ‬لحد ‬الآن ‬حتى ‬وزارة ‬الثقافة، ‬نحن ‬لدينا ‬فقط ‬وزارة ‬الشؤون ‬الثقافية، ‬ولهذا ‬ففي ‬رأيي ‬أن ‬الخطوات ‬التي ‬وقعناها ‬في ‬مجال ‬الفن ‬التشكيلي ‬تعتبر ‬معجزة، ‬لذلك ‬فالرسام ‬المغربي ‬اليوم ‬لا ‬يقل ‬أهمية ‬عن ‬أي ‬رسام ‬عالمي ‬آخر.. ‬ولكن ‬لسوء ‬الحظ، ‬نحن ‬لا ‬نتوفر ‬على ‬قاعات ‬وطنية ‬في ‬المدن ‬الكبرى ‬في ‬المستوى ‬المطلوب، ‬لا ‬نتوفر ‬على ‬جائزة ‬وطنية ‬للفنون ‬التشكيلية، ‬لا ‬نتوفر ‬على ‬معرض ‬دولي ‬سنوي ‬يقام ‬خصيصا ‬لرصد ‬الحركة ‬التشكيلية ‬بالمغرب ‬وخارجه، ‬نحن ‬لا ‬نملك ‬متحفا ‬للفن ‬المعاصر، ‬هناك ‬قاعة ‬وطنية ‬يتيمة ‬مستواها ‬رديء ‬هي ‬قاعة ‬باب ‬الرواح، ‬قاعة ‬ممتازة ‬ولكن ‬تشييدها ‬سيء، ‬ليس ‬هناك ‬إعلام ‬حقيقي ‬متخصص ‬في ‬الفن ‬التشكيلي، ‬وبالتالي ‬ليس ‬هناك ‬نقاد ‬حقيقيون..
ومع ‬ذلك، ‬أحب ‬التأكيد ‬على ‬أن ‬ما ‬تراكم ‬لحد ‬الآن ‬في ‬مجال ‬الفن ‬التشكيلي ‬يعتبر ‬ذا ‬قيمة ‬كبيرة ‬، ‬بالنظر ‬إلى ‬الإمكانيات ‬الضعيفة ‬والهزيلة ‬التي ‬تقدم ‬للفنان، ‬وأنا ‬في ‬هذه ‬المرحلة ‬من ‬العمر، ‬لم ‬يعد ‬يمكنني ‬أن ‬أزيف ‬الحقائق ‬أو ‬أخفي ‬الواقع ‬بالغربال..‬
أنتم ‬كمؤسسين ‬وكرواد ‬للفن ‬التشكيلي ‬المعاصر ‬وأقصد ‬هنا ‬جيل ‬مدرسة ‬الفنون ‬الجميلة ‬بتطوان ..
(يقاطعني)
نحن ‬لسنا ‬روادا ‬ولسنا ‬مؤسسين، ‬نحن ‬جيل ‬التضحية، ‬نحن ‬القنطرة ‬التي ‬سيُعبَرُ ‬منها، ‬الدليل ‬القاطع ‬على ‬هذا ‬الكلام ‬هو ‬أننا ‬لا ‬نملك ‬ذاكرة ‬تشكيلية. ‬هناك ‬فنانين ‬مغاربة ‬أنتجوا ‬وأعطوا ‬الكثير ‬ولكن ‬من ‬يذكرهم ‬اليوم، ‬لذلك ‬فأنا ‬لن ‬أستغرب ‬أنه ‬بعد ‬عشر ‬سنوات ‬لن ‬يكون ‬هناك ‬من ‬سيذكر ‬المكي ‬مغارة ‬أو ‬الورديغي ‬أو ‬بنعلام...‬
ماذا ‬يحدث ‬عندنا، ‬الذي ‬يحدث ‬هو ‬أن ‬الناس ‬تقتني ‬اللوحات ‬فتضعها ‬في ‬البيت، ‬وينتهي ‬الأمر، ‬فبدل ‬أن ‬تقتني ‬بعض ‬المؤسسات ‬الرسمية ‬لوحات ‬الفنانين ‬الحقيقيين، ‬حتى ‬تشمل ‬المتعة ‬والتواصل ‬كافة ‬الناس، ‬ثمة ‬أعمال ‬تبقى ‬حبيسة ‬جدران ‬الغرف ‬والصالونات، ‬أنت ‬تلاحظين ‬معي ‬أن ‬جل ‬المكاتب ‬في ‬جل ‬المؤسسات ‬فارغة ‬تماما ‬إلا ‬من ‬صورة ‬الملك ‬أطال ‬الله ‬عمره، ‬ولكن ‬أين ‬لوحات ‬الفنانين ‬الكبار؟
وهنا ‬أذكر ‬أن ‬الحسن ‬الثاني ‬نفسه ‬رحمه ‬الله ‬تساءل ‬يوما: ‬إن ‬كل ‬من ‬يفكر ‬في ‬مشروع، ‬يفتح ‬مقهى، ‬أليس ‬هناك ‬من ‬يفكر ‬في ‬متحف ‬أو ‬قاعات ‬عرض ...‬؟
إن ‬المصلحة ‬الذاتية ‬الصرفة ‬تحكم ‬كل ‬العقليات ‬في ‬بلادنا، ‬لذلك ‬نحن ‬لا ‬نتطور، ‬ليس ‬هناك ‬من ‬يفكر ‬في ‬الفنان، ‬لأن ‬السائد ‬عندنا ‬هو ‬أن ‬الفنان ‬لا ‬بد ‬أن ‬يكون ‬‮«‬مزلوطا‮»‬، ‬وأن ‬يكون ‬دائما ‬مبعث ‬شفقة، ‬حتى ‬عندما ‬يراه ‬أحدهم ‬يقول: ‬إنه ‬فنان ‬كبير ‬ولكني ‬أعطيته ‬بالأمس ‬خمسين ‬درهما ‬لكي ‬‮«‬يتعشى‮»‬.. ‬وهذا ‬حاصل ‬عندنا ‬في ‬المغرب ‬وأنا ‬أعرف ‬هذا ‬جيدا... ‬وفي ‬النهاية ‬لا ‬يمكنني ‬القول ‬إلا ‬أن ‬ذلك ‬بكل ‬تأكيد ‬يعتبر ‬علامة ‬تخلف ‬ليس ‬إلا..‬
ولكني ‬أعتقد ‬أن ‬هناك ‬رغم ‬ذلك ‬اعتراف ‬بك ‬داخل ‬المغرب ‬؟
اعتراف ‬بي ‬لأنني ‬نجحت ‬في ‬الخارج، ‬وهنا ‬أنا ‬لا ‬أريد ‬أن ‬أنافق ‬أحدا، ‬ولو ‬كنت ‬بقيت ‬في ‬المغرب، ‬لما ‬تحقق ‬لي ‬هذا ‬الحضور، ‬فحضوري ‬والاعتراف ‬بي ‬جاء ‬من ‬الغرب ‬وليس ‬من ‬المغرب.‬
لذلك ‬أردد ‬دائما ‬في ‬مناسبات ‬كثيرة ‬وأقول ‬أنا ‬لست ‬في ‬حاجة ‬إلى ‬اعتراف ‬بعد ‬مماتي، ‬لا ‬أريد ‬تكريما ‬بعد ‬موتي، ‬وعلى ‬من ‬يفكر ‬في ‬تكريمي ‬أو ‬الاحتفاء ‬بي ‬غدا ‬بعد ‬أن ‬أرحل ‬عن ‬هذا ‬العالم، ‬فعليه ‬أن ‬يكرمني ‬اليوم، ‬ومن ‬يريد ‬الاحتفاء ‬بي ‬فليحتفي ‬بي ‬اليوم... ‬أما ‬بعد ‬موتي ‬فما ‬الفائدة؟ ‬
علمت ‬من ‬مصدر ‬مقرب ‬أنك ‬في ‬مرحلة ‬التهييء ‬لتشييد ‬مؤسسة ‬بنيسف ‬للفن ‬التشكيلي، ‬ماذا ‬عن ‬هذا ‬المشروع ‬الهام؟ ‬
هناك ‬عروض ‬من ‬إشبيلية ‬ليقدموا ‬لي ‬كل ‬ما ‬أنا ‬في ‬حاجة ‬إليه ‬لتشييد ‬هذه ‬المؤسسة، ‬ولكني ‬كنت ‬وما ‬أزال ‬مصرا ‬على ‬أن ‬تكون ‬المؤسسة ‬التي ‬أريدها ‬أن ‬تحمل ‬اسمي ‬واسم ‬زوجتي ‬أي ‬‮«‬بنيسف ‬فيلاسكيس‮»‬ ‬يكون ‬مقرها ‬في ‬تطوان ‬وتحديدا ‬في ‬المدينة ‬العتيقة، ‬وقد ‬اشتريت ‬بيتا ‬ذا ‬واجهتين، ‬وقررت ‬إصلاحه ‬وتهيئته ‬ليصبح ‬قابلا ‬لاستيعاب ‬متحف ‬دائم ‬لأعمالي ‬على ‬اختلاف ‬أساليبها ‬ومراحلها ‬في ‬الطابق ‬الأول، ‬ثم ‬معرضا ‬دائما ‬لكبار ‬الرسامين ‬المغاربة ‬الذين ‬اقتنيت ‬أعمالهم، ‬والذين ‬لهم ‬علاقة ‬بتاريخ ‬المدينة ‬في ‬الطابق ‬الثاني، ‬كما ‬قررت ‬أن ‬أخصص ‬الطابق ‬الأعلى ‬لمقصف ‬أو ‬مقهى ‬يطل ‬على ‬المدينة ‬العتيقة ‬ويضم ‬كذلك ‬مكتبة ‬وقاعة ‬للمحاضرات ‬واللقاءات ‬الثقافية، ‬ليكون ‬مكان ‬تأمل ‬لكل ‬زائر ‬لهذه ‬المؤسسة، ‬غير ‬أن ‬المشكل ‬هو ‬أن ‬أحد ‬المنعشين ‬العقاريين ‬بدون ‬وجه ‬حق ‬وبدون ‬رخصة ‬أيضا، ‬بنى ‬عمارة ‬مقابلة ‬لمبنى ‬المؤسسة، ‬وحجبتْ ‬بذلك ‬المشهد ‬الذي ‬يطل ‬على ‬المدينة ‬العتيقة، ‬الشيء ‬الذي ‬أغاظني ‬كثيرا ‬وقدمت ‬شكاية ‬في ‬الموضوع، ‬ومازلت ‬لم ‬أتلق ‬ردا..‬
ففي ‬الوقت ‬الذي ‬أفكر ‬فيه ‬بالقيام ‬بشيء ‬لأجل ‬مدينتي ‬ووطني، ‬أصدم ‬بهذا ‬السلوك.. ‬المثل ‬المغربي ‬يقول: ‬ «‬شْكُونْ ‬شافو ‬لكْ ‬ألمَكَحْلة ‬الظلام‮»‬ ‬أو ‬مثل ‬المثل ‬المغربي ‬الآخر ‬الذي ‬يقول : ‬‮«‬بحال ‬اللي ‬كتكب ‬ما ‬وَرْدْ ‬في ‬العطارين‮».‬
مؤسسة ‬بنيسف ‬للفن ‬التشكيلي، ‬من ‬مشاريعي ‬الحياتية، ‬ولحسن ‬حظي ‬اليوم ‬أنني ‬مرتاح ‬ماديا ‬فلست ‬في ‬حاجة ‬إلى ‬أن ‬أبيع ‬إحدى ‬لوحاتي ‬كي ‬أتدبر ‬قوت ‬يومي، ‬لذلك ‬فكرت ‬في ‬مشروع ‬إيجابي ‬لبلدي، ‬غير ‬أني ‬لو ‬استمرت ‬هذه ‬العراقيل ‬فسأكون ‬مضطرا ‬لإنشاء ‬المؤسسة ‬هنا ‬في ‬إشبيلية ‬بما ‬أن ‬كل ‬الظروف ‬متوفرة، ‬ولكني ‬رغم ‬ذلك ‬سأشعر ‬بأسف ‬شديد، ‬كوني ‬لن ‬أحقق ‬حلما ‬راودني ‬منذ ‬زمن ‬في ‬بلدي.‬
أنت ‬فنان ‬كبير ‬معني ‬بالإبداع ‬والخلق، ‬ولكنك ‬بكل ‬تأكيد ‬إنسان ‬عربي ‬معني ‬كذلك ‬بالوضع ‬الراهن، ‬كيف ‬يتفاعل ‬بنيسف ‬مع ‬ما ‬يحدث ‬من ‬حراك ‬عربي؟
الرسام ‬في ‬رأيي ‬يصبح ‬مؤرخا ‬للمرحلة ‬التي ‬يعيش ‬فيها، ‬موثقا ‬لحياته ‬التي ‬يعيشها، ‬والدليل ‬على ‬ذلك، ‬أنك ‬في ‬كل ‬المتاحف ‬العالمية ‬ومن ‬حسن ‬الحظ ‬أن ‬العالم ‬العربي ‬لا ‬يتوفر ‬على ‬متاحف ‬حقيقية ‬ ‬تجد ‬أن ‬تاريخ ‬الإنسانية ‬كله ‬موجود ‬فيها ‬ومرسوم ‬على ‬جدرانها، ‬وهذا ‬العبد ‬الضعيف ‬ركز ‬كثيرا ‬على ‬هذا ‬الموضوع ‬، ‬فكثير ‬من ‬أعمالي ‬شاهدة ‬على ‬ذلك، ‬فقد ‬رسمت ‬المسيرة ‬الخضراء، ‬ورسمت ‬أول ‬لقاء ‬بين ‬الفلسطينيين ‬والإسرائيليين ‬في ‬مدريد، ‬رسمت ‬الربيع ‬العربي ‬وهذه ‬اللوحة ‬اقتنتها ‬مؤسسة ‬‮«‬مشيش ‬العلمي‮»‬ ‬بالقنيطرة، ‬رسمت ‬انقلاب ‬الصخيرات ‬سنة ‬1971... ‬لقد ‬اشتغلت ‬على ‬هذا ‬الموضوع ‬جماليا ‬وفنيا، ‬كما ‬أعتبر ‬أيضا ‬أني ‬وثقت ‬له ‬وأرخته ‬عبر ‬اللوحة، ‬فبطبيعة ‬الحال ‬أنا ‬لا ‬أرسم ‬كي ‬أرسم.
* من العدد 11لمجلّة هسبريس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.