قال عبد السلام بوطيب، رئيس مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم، إن "الأزمة المغربية الإسبانية الأخيرة أثبتت الحاجة إلى الصرامة والوضوح الفكري في التعامل مع مسبباتها، باعتبارها حلقة من حلقات مسلسل الأزمات الجديدة/ المتجددة التي تحكم العلاقة المغربية الإسبانية على مر التاريخ الراهن، وبعيدا عن المصالح الاقتصادية والجيوسياسية بين البلدين". وأضاف بوطيب، في مقال له بعنوان "سبتة ومليلية والجزر المتوسطية على ضوء التجارب الدولية والقانون الدولي ورؤى الأحزاب السياسية المغربية"، أن "اضطراب العلاقة بين البلدين، بالرغم من أنه يعطي الانطباع بأنه ناتج عن صراعات جيوسياسية يفرضها عالم ما بعد "كورونا"، فهو في العمق مشاكل ذات طبيعة حقوقية- سياسية موروثة عن الحقبة الاستعمارية وما قبلها. مشاكل لا تترك فرصا كثيرة للبلدين والشعبين للتفكير في مستقبلهما". وذكّر بوطيب، في المقال ذاته، بخلاصات تقرير متعلق بأنشطة تصب في جوهر الأزمة المغربية الإسبانية، مشيرا إلى أنها "دعوة للانتباه إليها من قبل الطرفين، وتأكيد دور المجتمع المدني الحقوقي في اقتراح الحلول على نار هادئة". وهذا نص المقال: أثبتت الازمة المغربية الإسبانية الأخيرة الحاجة إلى الصرامة والوضوح الفكري في التعامل مع مسبباتها باعتبارها حلقة من حلقات مسلسل الأزمات الجديدة/ المتجددة التي تحكم العلاقة المغربية الإسبانية على مر التاريخ الراهن، وبعيدا عن المصالح الاقتصادية والجيوسياسية بين البلدين، وقريبا منها بالضرورة، فاضطراب العلاقة بين البلدين، بالرغم من أنه يعطي الانطباع بأنه ناتج عن صراعات جيوسياسية يفرضها عالم ما بعد "كورونا"، هو في العمق مشاكل ذات طبيعة حقوقية- سياسية موروثة عن الحقبة الاستعمارية وما قبلها. مشاكل لا تترك فرصا كثيرة للبلدين والشعبين للتفكير في مستقبلهما، وإبداع صيغ بناء فضاء للتعايش السلمي باعتبارهما بوابة عالمين كتب عليهما أن يكونا مختلفين، ولعل سؤال الدين التاريخي الاستعماري بكل امتداداته، واستمرار احتلال سبتة ومليلة والجزر المتعددة، وعدم الكشف- من الطرف الإسباني- عن وثائق تخص مغربية الصحراء والجرائم الحقوقية الخطيرة المرتكبة في المرحلة الاستعمارية... أهم هذه المشاكل الكبرى التي تخنق هذه العلاقة وتوترها كلما طفت على السطح. وحرصا منا على أن يكون المركز- الذي أسسته قبل قرابة عشرين سنة مع ثلة من الحقوقيين والسياسيين والأكاديميين المغاربة، والذي انضمت إليه في فترات لاحقة نخب مماثلة من الإسبان والفرنسيين ومن البلدان العربية وأمريكا اللاتينية، والذي يشتغل منذ أسس على المشاكل سابقة الذكر- مؤسسة تفاعلية غير انفعالية، قررت أن أنشر تقارير عده أنشطة في جوهر الأزمة المغربية الإسبانية، وهي دعوة للانتباه إليها من قبل الطرفين، وتأكيدا على دور المجتمع المدني الحقوقي في اقتراح الحلول على نار هادئة، أقول هذا الكلام لأن التقرير الذي سأنشره هنا كتب قبل عشر سنوات. وبما أن تقرير الندوة الخاصة بسؤال مستقبل سبتة ومليلية طويل جدا، ومتوفر في مواقع مركز الذاكرة المشتركة والمستقبل، سأكتفي هنا باستعراض توصيات هذه الندوة وبعض الملاحظات حولها. فقد نظم المركز يوما دراسيا حول موضوع "سبتة ومليلية على ضوء التجارب الدولية والقانون الدولي وموقعها في أجندة الأحزاب السياسية المغربية" بفندق حسان بالرباط يوم 25 شتنبر 2010. وانطلقت أشغال هذا اليوم بجلسة افتتاحية أشار فيها رئيس الجلسة إلى أن اهتمام المركز بهذه القضية يأتي ضمن معالجة مخلفات الدين الاستعماري في إطار منهجية العدالة الانتقالية، التي تروم البحث عن صيغ ديموقراطية تشاركية لطي صفحة الماضي بشكل يمهد لبناء علاقات جوار تضمن الاعتراف بالحقوق والواجبات المتبادلة بما يساعد على الانتقال لبناء حقائق مشتركة تتجاوز سلبيات الماضي والمعوقات التي ترهن المستقبل، بما يحول دون استدامة صراعات هذا الماضي، وتضمن للأجيال المقبلة ذاكرة مشتركة ومستقبلا واعدا، وتحقق انتقالا ديموقراطيا في المنطقة وبناء أنظمة دولاتية حداثية ديموقراطية ذات حكامة جهوية جيدة. انتظمت أشغال هذا اليوم في أربع جلسات حول أربعة محاور كالتالي: سبتة ومليلية والجزر المحتلة: إضاءات تاريخية. سبتة ومليلية والجزر على ضوء القانون الدولي والتجارب الدولية. موقع سؤال سبتة ومليلية والجزر المحتلة في أجندة الأحزاب السياسية المغربية. سبتة ومليلية: الآفاق والرهانات الجيواستراتيجية. وقد انقسمت فعاليات كل محور إلى تدخلات من طرف أكاديميين ومختصين ومسؤولين سياسيين وحزبيين، تلتها تعقيبات لفاعلين من المجتمع المدني المحلي والجهوي والوطني بمختلف أطيافه، سواء الهيئات الحقوقية أو التنموية أو الثقافية أو ذات الطبيعة السياسية. وقد سجل اليوم الدراسي تدخل 43 مشاركا (دون احتساب التكرارات)، من بينهم خمسة ممثلين لخمسة أحزاب سياسية مغربية، وانتهت الندوة إلى التوصيات والمقترحات الآتية: وضع كتاب أبيض حول الثغور المحتلة يكون عبارة عن مرافعة قانونية وسياسية وثقافية لصالح استرجاعها. وتسهم في إنتاجه مختلف الفعاليات السياسية والمدنية والأكاديمية، وتقام حوله لقاءات. خلق شبكة وطنية خارج النمطية للترافع حول الملف والضغط ضمن عمل تنسيقي واستراتيجي متكامل مع مختلف القوى المجتمعية (أحزاب، مركزيات، شخصيات، الخ). الاهتمام بأوضاع المغاربة الذين يعيشون بالثغور المحتلة من خلال تطوير أشكال عمل لمساندتهم والضغط للاعتراف بحقوقهم السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والدينية. على الأحزاب أن تقوم بإحياء فروعها بأوروبا، وخصوصا بإسبانيا وعلى الأخص بالثغور المحتلة، وفتح الباب أمام المغاربة من الثغور المحتلة لولوج الهيئات التقريرية بالأحزاب. بناء موقف يرتكز على تصورات قادرة على بلورة استراتيجية واضحة ومتوافق حولها تمكن الفاعل السياسي من تدبير الملف في تكامل مع الفاعلين المدنيين على اختلاف مستوياتهم (الحقوقي، التنموي، السوسيواقتصادي، الخ). عقد ندوات فكرية حول الثغور المحتلة لاستقصاء الآراء وجمع المعطيات وتكوين مجلدات وثائقية وقواعد معطيات تخدم القضية الوطنية، إلى جانب عقد مناظرات يحضرها الباحثون والخبراء الدوليون، بمن فيهم الإسبان. تنظيم لقاءات أخرى حول هذا الملف، مع دعوة الهيئات السياسية والإعلامية والشخصيات الوطنية إلى تعميق النقاش حول الملف لبلورة مواقف تدعم الإجماع الوطني وأشكال عمل تساعد على استدامة راهنية الملف والخروج به من طابع الموسمية. الاهتمام بالتحديات ورهانات الجانب الأمني، سواء تعلق الأمر بالهجرة السرية أو الجريمة المنظمة (تهريب المخدرات، الأسلحة، الاتجار بالبشر، الخ) أو الإرهاب (الحركات الجهادية)، وارتباط هذا بمسألة الثغور المحتلة لنزع الفتيل ودور المغرب القوي في هذا الأمر، فالمغرب يشكل، إلى حد الآن، حاجزا بين إسبانيا والحركات الجهادية، خاصة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، فوجود المدينتين والجزر تحت حكم السلطات الإسبانية يخدم الحركات الجهادية، التي أصبحت منذ يناير 2007 مرتبطة بتنظيم القاعدة في أفغانستان. الاشتغال داخل الهياكل المدنية (الشبكة الأورومتوسطية، الأرضية غير الحكومية، مؤسسة الثقافات الثلاث، الخ) عبر إطلاق آليات حوار تمكن من كسر الجليد حول الملف. هل ما زالت هذه التوصيات صالحة اليوم؟ نعم. وهي محتاجة إلى التحيين والتفعيل السريع. وقد تميزت الندوة بتدخل ممثلين لكل الأحزاب السياسية المغربية في مستوى قياداتها الأولى، لذا سأورد هنا بشكل تركيبي ما عبرت عنه هذه الأحزاب لنقف على ما إن كان تقديرها صحيحا قبل عشر سنوات أم لا، وفي كلتا الحالتين، سواء كانت تقديراتها صحيحة أو غير ذلك، فالأمر اليوم يتطلب من هذه المؤسسات الضرورية للديمقراطية تعميق نظرها وإعمال الذكاء الجماعي في الموضوع، وكانت خلاصات تدخلاتها: • توطيد الديمقراطية بإسبانيا من جهة وتوثيق الاندماج، الأوروبي من جهة أخرى، سيدفعان إلى تهذيب الرؤية الإسبانية، كما أن الاتحاد الأوروبي لن يقبل بأن يرث مشاكل قديمة. • تطور المغرب جد حيوي بالنسبة لإسبانيا، كما أن دوائر القرار الاستراتيجي والسياسي والاقتصادي في كلا البلدين تشتغل، وإسبانيا تدرك أن المغرب دولة مستمرة، وأن لها مصالح به (لإسبانيا موقع في الاقتصاد الوطني: حالة منح قوى اقتصادية إسبانية مواقع في مشروع الجرف الأصفر). • المغرب جزء من المنظومة الأمنية الأوروبية، وهو كذلك اختيار مغربي واضح، وبالتالي لن يتم قبول التشويش على الساحلين الأطلسي والمتوسطي بالنظر لدور المغرب. • مسألة سبتة ومليلية مسألة وقت. وهناك تطورات منذ عهد الحسن الثاني، خاصة منذ انطلاق التوافق السياسي، الذي استمر مع العهد الجديد بقيادة محمد السادس. • مسألة المضائق والممرات البحرية رهينة بالقوى الدولية، التي تقرر في شؤون العالم (وهو ما تأكد مع أحداث 7 يوليوز وكذا مع أزمة جزيرة ليلى). • الارتباط بين ملفي جبل طارق وسبتة ومليلية والجزر المتوسطية واقع، ونظرية الحسن الثاني في الموضوع صائبة. • أوضح الراحل الحسن الثاني الطريق، ومحمد السادس سائر في إنجازها (خلق أقطاب اقتصادية بالشمال). • الواقع الجديد الذي خلقه المغرب في العشر سنوات الأخيرة بالشمال، وإزالة الحواجز الجمركية، جعلا هذه المدن غير مغرية كما كانت (المعادلة قلبت). • مسألة النمو الديموغرافي أطروحة مغلوطة لأن قضية سبتة ومليلية ليس فيها تقرير المصير. • مسألة "تحرير الأندلس" مزعجة، ويجب حلها في الدولتين، ولا يجب ترك الأجانب يتدخلون. ففرانكو أقر بأن الإسلام في الثغور مرتبط بالمغرب. • إسبانيا تشهد انقساما حول ملف "سبتة ومليلية والجزر المتوسطية" عكس المغرب. ولكن هناك من جهة موقف الحزب الشعبي المتصلب، بالرغم من اتفاق باراخاس بين الحسن الثاني وفرانكو، ناهيك عن زيارة الملك خوان كارلوس للمرحوم الحسن الثاني أسبوعين قبل وفاته. ومن جهة أخرى، هناك الموقف المعتدل للحزب الاشتراكي، إلى جانب قوى سياسية أخرى تعترف بمغربية الثغور المحتلة. وعلى العموم، كلما حدثت أزمة بين البلدين طفا بشكل مثير الاختلاف بين الإسبان. فالنزعة الإقليمية القومية تنعكس إيجابا على مغربية الثغور المحتلة. • هناك تقصير للإعلام المغربي والباحثين الأكاديميين في التعريف بالملف واختبار مناهج لمعالجته. • لا بد من الانتباه إلى مواقف دول أمريكا اللاتينية، التي تكن كراهية لإسبانيا، وربط ملف الثغور المحتلة بالإنصاف من مخلفات الاستعمار، وهو خطاب سائد. • سنضطر إلى خلق هيئة إنصاف ومصالحة بالمنطقة الشمالية بعد تصفية الاستعمار. • لا يجب الركون إلى فكرة "الكلفة المرتفعة للمدينتين"، لأنهما حاميتين عسكريتين، كما أن استردادهما على فترات ممكن. • قضية الثغور المحتلة ضد منطق التاريخ. كما أن أزمة قانون الأجانب فتحت الباب لمطالب المغاربة بالمدينتين لأنهم يعيشون وضعية تمييزية. بعد عشر سنوات، أصاب قادتنا السياسيون- ككل البشر- فيما أصابوا فيه، وأخطؤوا- ككل البشر- فيما أخطؤوا فيه، وكم نحن- والبلد- في حاجة ماسة إلى تعميق النظر في قضايانا الاستراتيجية.