من كثرة ما ولجنا الانتخابات، تحت يافطة حزب العدالة والتنمية، ولم تخذلنا صناديق الاقتراع، نشعر أنه لن يأتي أبدا اليوم الذي تخذلنا فيه، ومن كثرة ما قهَرْنا الشعب بالزيادة في الأسعار دون أن يمتعض أو يثور، نعتقد أننا نستطيع أن نعيد الكرّة قدر ما نشاء، ومن كثرة ما تمكنا من إقناع الشعب المسكين، أننا معذورون حينما نعجز عن تحقيق ما وعدناه به في حملاتنا الانتخابية، نظن أنه بإمكاننا أن نَعِدَه بما نشاء، بما فيه ما نحن متيقنين من عدم قدرتنا على تنفيذه. إنه فخ النصر اللعين، الذي يُوَلد الاستعلاء على الآخر، وإنكار وجوده، والسخرية من فكره، والطعن في نياته، ويُوَلد مشاعر استصغار الغير، واستعظام الذات إلى حد النرجسية البغيضة، فنرى هذا الحزب وصوليا مخادعا، وهذا شيوعيا ملحدا، وآخر منافقا علمانيا.. كتب الهلالي، نائب رئيس حركة التوحيد والإصلاح، على حائطه على الفايسبوك، من أنه عَهِد زاوش منشدا بمدينة وجدة، ولم يعهده مناضلا سياسيا، فبالأحرى مفكرا، وقد احتج قبله مسؤول جهة بالحركة وقياديون آخرون، على انضمامي للمكتب الإقليمي لحزب العدالة والتنمية، بدعوى أنني مجرد منشد. أتعلمون أيها الدعاة أن بلدنا الحبيب يحوي الكثير من المفاجآت والغرائب، فقد يكون المرء مجرد منشد "معتوه" "ومغفل"، ثم يصير بين عشية وضحاها مناضلا كبيرا، وسياسيا محنكا، ومفكرا فذا، مثلما كان مناضلنا البسيط، الذي اعتقل أياما معدودات في مظاهرة احتجاج بسيطة، فصار بعد ذلك رئيسا للحكومة. إن تغريدة الهلالي لا تخرج عن منطق تصنيف الآخر، ومنهج الاستعلاء عليه، بما يقدح في إمكانياته، ويقلل من شأنه، فأي عيب في أن يكون المرء منشدا في سبيل الله، ينصر دين الله تعالى بالكلمة الطيبة، واللحن الشجي، وينشر الفضيلة والعفة ومعاني السنة النبوية الشريفة؟ أم أن الهلالي يرى الإنشاد عملا حقيرا لا يقوم به إلا الوضيعون والتافهون، أو من لا قدرة لهم على الفكر أو ممارسة السياسة؟ في الحقيقة لا يُعذر السيد الهلالي، وهو عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، على جهله بأن كثيرا من السياسيين المرموقين كانوا مغنين أو ممثلين أو عازفين أو فنانين، فهذا رونالد ريغن، رئيس أعظم دولة في العالم، كان ممثلا في أفلام رعاة البقر، كما كان بيل كلينتون بدوره يعزف على آلة الساكسفون، والممثل الشهير شوايزنغر واليا على كاليفورنيا، وهي واحدة من أكبر الولايات في أمريكا، وقد أدى وزير الثقافة البرازيلي على منصات مغربية عروضَ عزف على الجيتارة، والسيد "أحرضان" من أكبر الفنانين التشكيليين في المغرب، دون أن ننسى ألبرت أنشتاين الذي كان عازفا ماهرا على الكمان، وهو من أعظم العقول العلمية التي عرفتها البشرية، بل أكثر من ذلك كله، فالملك الحسن الثاني نفسه، رحمه الله تعالى، كان بارعا في قراءة السلم الموسيقي، وكان يعزف على إحدى الآلات الموسيقية، وأحيانا يضرب الدف مع المجموعة الغنائية.. لكن للأسف الشديد، فالسيد الهلالي قد اختلطت عليه قاعدة حالة التنافي في تقلد المناصب السياسية، فاعتقد أنه من كان منشدا لا يمكن أن يكون سياسيا أو مفكرا. إذا كان السيد الهلالي لا يعرف، فقد آن الأوان ليقوم بتحديث معلوماته، فالسيد نورالدين زاوش كان المسؤول النقابي الأول للطلبة التجديديين بوجدة في أوائل التسعينات، وكان رمزا من رموز الحركة الإسلامية بالجامعة، والله وحده يعلم، الدور الذي لعبه بالساحة الطلابية، حتى تقيم بها منظمة الهلالي منتداها الوطني سنة 2004م، بكل أرْيَحِية وطمأنينة، و اسأل من عاش هذه الحقبة العصيبة من العمل الطلابي يُخبرك اليقين. ليس هكذا أيها الهلالي ترد الجميل لمن عبَّد لك الطريق للعمل الطلابي، كي تنشر فكرك وفكر الهيآت التي تنتمي إليها، وليس هكذا تُسَوِّد صفحة مشرقة من التاريخ، كانت نواة في العمل الإسلامي، وسببا في الانتشار والتغلغل داخل الجامعة، لكنه فخ النصر اللعين.. لقد ألَّف السيد زاوش مؤلفات في العلوم الشرعية، من بينها كتاب "لا يُبغضك إلا حاسد" في الدفاع عن صحيح البخاري ومسلم، وفي الفكر السياسي ككتاب: "الجالية اليسارية المقيمة بحزب العدالة والتنمية"، ومؤلفات في القصة القصيرة كمؤلف: "إنك لن تستطيع مع صبرا"، وعشرات القصائد الشعرية التي صيغت في سبعة أشرطة إنشادية لمجموعة أنصار: 1. روض الأقصى، 2. دارينا، 3. جزيرة ليلى، 4. الله في عليائه، 5. مليار مسلم، 6. كيف تصبح نجما في خمسة أيام، 7. ألف ليلة وليلة.. كما لديه العديد من المؤلفات لم تُنشر بعد.. كما شغل السيد زاوش منصب الكاتب الإقليمي المؤقت لحزب العدالة والتنمية بوجدة، وكان أول من حذّر الأمانة العامة، بمراسلات رسمية، من وجود إرهاصات انشقاق داخل الحزب، دون أن يكترث القياديون بتلك التحذيرات، كما كان أول من حذر الإسلاميين في كتاباته، منذ 2007، من ولوج الحكومة، حتى ولو قُدّمت لهم على طبق من ذهب، لكن لا حياة لمن تنادي !! إننا نمشي بخطى ثابتة نحو حتفنا المصيري، ونكتب آخر صفحة من صفحات تاريخنا "المجيد"، هذا وحده ما يفسر تلك الحالة الهستريا التي فاجأ بها السيد بنكيران العالم أجمع، حتى بدت نهايتُه وشيكة بدون شك، وبدا غدُه ليس أفضل حالا من أمسه.. [email protected]