بعد الجزء الأول من الذي تطرقت خلاله "هسبريس" لأجواء الصلاة وكيف تؤَدِّيها المغربية المسلمة داخل المسجد، ننتقل ضمن الجزء الثاني للحديث عن شِعْب آخر له علاقة بالمسجد كذلك الذي يعتبره السَّواد الأعظم من المغاربة مكانا للارتواء الرُّوحي والتعبدي لا غير، لتتخذ منه الكثير من نساء المغرب بلغت نسبتهن 89.06 بالمئة الموسم الدراسي الفارط حسب وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، مسارا لمحو ظلمات الأمية كل حسب استِطاعتها ووعيها بأهمية الدراسة ومتابعة فصول محو الأمية. وإذا كان للصلاة أجواؤها الروحانية وسكينتها، فقطاع محو الأمية بذات المساجد ينطوي على غَلْيان ونِقمة تَعتَمل في صُدور المعلِّمين والمعلمات تجاه المسؤولين والقيّْمين بسبب ضعف الهيكلة وزهادة الأجر وعدم تسوية وضعياتهم المادية والاجتماعية والإدارية. في ذات السياق التقت جريدة "هسبريس"، خديجة العسري معلمة دروس محو الأمية بمسجد "الموحدين" بسلا، والتي أكدت أن الأيام الأولى لبداية الدِّراسة داخل المسجد لا تعرف انتظاما وانضباطا كبيرا من لدن السيدات، "هن لا يأخذن تحصيل العلم على مَحمَل الجد ولا يَحضُرن منذ الانطلاق الرسمي للدراسة، وإن حدث والْتَحقْن في شهر شتنبر فهن لا ينضبطن بالحضور فقد يأتين شهرا وينقطعن شهورا ثم يلتحقن بعد ذلك وهكذا، مما يجعلنا نُعاني من الهَدر وعدم تساوي مستوياته" .. تقول المعلمة. محو الأمية داخل المسجد "هسبريس" حاولت تتبع مَسار محو الأمية داخل المساجد، حيث تكون نقطة البدء من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي تقوم بتوجيه المعلمات عن طريق البرامج والمساعدة في تحضير الجُذاذات، فالدورة الأولى مرحلة أساسية، وهي مرحلة أولية تَهتَم بتعليم الحروف الهِجائية، ثم تأتي مرحلة دروس التعاليم الإسلامية والحساب، على أن تحاول المعلمة تتبع نفس خطى الدَّرس النَّموذجي، إضافة إلى دروس تتعلق بالبيئة أو بمضار التدخين وغيرها.. المواد التي يتم تلقينها للسيدات داخل المسجد تتعدى الحُروف إلى تَلقين سُوَر من القرآن الكريم بالإضافة إلى تعليم الكتابة بما في ذلك الإملاء والخط والحساب ودروس التربية الإسلامية، فضلا عن دروس يطلق عليها مُسمَّى "المهارات الحياتية" يتم خلالها توعية النساء في عدة مجالات كالصحة والتغذية والتعامل مع الأطفال والبيئة والأسرة وغيرها من المواضيع، تعمد خلالها المعلمات على إدماج المهارات في حصة تعليم الحروف الهجائية لمساعدة السيدات المتعلمات على تكوين جُمل إنشائية في ذات الموضوع أو جعله موضوعا للنقاش والتواصل مع السيدات. وتضيف خديجة العسري وهي الشابة المجازة في شعبة الدراسات الإسلامية، أن ولوجها للعمل داخل المسجد كمعلمة تطلب منها وضع أوراقها وملفها لدى مندوبية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بسلا، هذه الأخيرة التي لم تُلقِ للأمر بالاً في بداية الأمر ولكن أمام إلحاح خديجة وسؤالها المتكرر قررت المندوبية منحها أحد المساجد لتعمل داخلها. مؤكدة أنها لم تخضع لأي امتحان قبل ولوجها المسجد ليبقى حصولها على شهادة الإجازة أو شهادة الباكالوريا ضوء اخضر نحو اعتمادها. وتؤكد خديجة العسري أن الوزارة تمكنهم من حضور أربع إلى خمس دورات تكوينية في السنة، يتلقون خلالها أسس الدرس النموذجي وكيفية تحضيره بالنسبة للقراءة والحساب وكذلك دروس المهارات الحياتية، بالإضافة إلى درس وحيد يتلقون خلاله أدبيات المعلم النموذجي وكذلك كيفية التعامل مع المتلقين والمتعلمين. معلمات المساجد.. الأجرة الزهيدة وتحدَّثت المعلمة والحسرة بادية على وجهها عن الأجر الهزيل الذي تتقاضاه وزميلاتها شهريا، والذي لا تتعدى قيمته ألف درهم ممنوحة من طرف صندوق النقد الدولي والذي يسمونه "مِنحة"، الأمر الذي تعتبره خديجة إسفافا في حقهم كمعلمين من فئة "متعاونين" مشتغلين منذ سنة 2004. المتعاونون سبق لهم توجيه عريضة إلى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وكذلك "المتعاقدون" وهم معلمات ومعلمون في المساجد والفرق بينهم أن المتعاقدين اشتغلوا منذ سنة 2000 حيث أن المتعاقدين يشتغلون نفس أوقات العمل ويبذلون ذات المجهود ولكنهم يتقاضون أجرا يقارب 3000 درهم. وزادت المعلمة المتعاونة، "لقد حاولنا كتابة رسالة تظلم إلى المندوب لكنه لا يستمع إلى شكوانا ولا يستقبلنا وغالبا ما يكون جوابه "إن لم يعجبكم الوضع فلتبحثوا لكم عن أعمال أخرى"، متذرِّعين بكوننا معلمين في المساجد غير تابعين لوزارة الأوقاف ولكن لصندوق النقد الدولي". الطرد من المساجد !! "مشاكلنا داخل المساجد كثيرة" تقول العسري، مشتكية القيِّم على المسجد وهو المكلف بإقفال المسجد وفتحه أمام المصلين والاعتناء به الذي يقوم بطرد المعلمة وتلميذاتها بعد الصلاة، "يصرخ في وجوهنا كل يوم وينعتنا بأننا نتجمع ونتبادل الكلام الفارغ داخل المسجد بعد الصلاة، وفي الواقع فالكثير من المصلين خصوصا الرجال ينزعجون مما يصدر عن هذا القيم ومن طريقة كلامه وطالما دخلوا معه في جدال وخصام، حتى أن المصلين اشتكوا أمره إلى الجهات المختصة، ولكن لا حياة لمن تنادي.." تقول خديجة. مشكل آخر هذه المرة جمع المعلمات بالمرأة المكلفة بتنظيف المسجد، فكل معلمة منهن لها مكانُها المعروف في المسجد وسبورتها؛ إلا أن السيدة التي تقوم بأعمال النظافة تمنعهن من التدريس في المكان المخصص وتأمرهما بتبديله بدعوى توسيخ الزرابي". رسالة إلى المسؤولين وفي رسالة توجهها خديجة العسري إلى المسؤولين تقول، "أرجو من المسؤولين أن يهتموا بفئة المتعاونين داخل المساجد حتى ينعموا بحقوقهم وكرامتهم، وحتى يمر مشروع محاربة الأمية في أحسن الظروف، ونتمكن كمعلمات من العطاء وتلقين المستفيدات، لأنني أعتبر أن المؤطرات هن أكثر المتضررات من مشروع محو الأمية في المساجد"، تختم العسري رسالتها.