وزير الداخلية يودّع شقيقته الكبرى بجنازة هادئة وبدون بروتكول ومتواريا عن الأنظار    كوت ديفوار تجدد تأكيد "دعمها الكامل" للمبادرة المغربية للحكم الذاتي    العيون.. رئيس "سيماك": التجربة التنموية في الأقاليم الجنوبية للمغرب نموذج يحتذى على الصعيد القاري    انطلاق فعاليات النسخة الأولى من ملتقى التشغيل وريادة الأعمال بطنجة    ميسي يقود ميامي إلى هزم بورتو    مهرجان "كناوة وموسيقى العالم" يعيد إلى الصويرة نغمة المحبة والبركة    "عائدتها قدرت بالملايير".. توقيف شبكة إجرامية تنشط في الهجرة السرية وتهريب المخدرات    رئيس النيابة العامة يجري مباحثات مع وزيرة العدل بجمهورية الرأس الأخضر    حكومة أخنوش تصادق على إحداث "الوكالة الوطنية لحماية الطفولة" في إطار نفس إصلاحي هيكلي ومؤسساتي    ماركا: ياسين بونو "سيد" التصديات لركلات الجزاء بلا منازع    تغييرات في حكامة "اتصالات المغرب"    البيت الأبيض: موقف دونالد ترامب من إيران "لا يجب أن يفاجئ أحداً"        بعيوي يكذب تصريحات "إسكوبار الصحراء"    الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية يستقبل وزيرة العدل بجمهورية الرأس الأخضر    إصدار أول سلسلة استثنائية من عشرة طوابع بريدية مخصصة لحرف تقليدية مغربية مهددة بالاندثار    الحرب الامبريالية على إيران    أمن طنجة يتفاعل بسرعة مع فيديو السياقة الاستعراضية بشاطئ المريسات ويوقف المتورطين        الأحمر يلازم تداولات بورصة البيضاء    الحكومة تصادق على تقنين استخدام "التروتينت" ووسائل التنقل الفردي بقوانين صارمة    المغرب والولايات المتحدة يعززان شراكتهما الأمنية عبر اتفاق جديد لتأمين الحاويات بموانئ طنجة المتوسط والدار البيضاء    الإعلام الإنجليزي يشيد بأداء الوداد وحماس جماهيره في كأس العالم للأندية    نشرة إنذارية تحذر المواطنين من موجة حر شديدة ليومين متتاليين    "مجموعة العمل" تحشد لمسيرة الرباط تنديدا بتوسيع العدوان الإسرائيلي وتجويع الفلسطينيين    أخبار الساحة    الوداد الرياضي يتلقى هدفين نظيفين أمام مانشستر سيتي في كأس العالم للأندية    بنكيران يهاجم… الجماهري يرد… ومناضلو الاتحاد الاشتراكي يوضحون    هل يعي عبد الإله بنكيران خطورة ما يتلفظ به؟    مجازر الاحتلال بحق الجوعى وجرائم الحرب الإسرائيلية    بيت الشعر في المغرب يتوّج بجائزة الأكاديمية الدولية للشعر    تعدد الأصوات في رواية «ليلة مع رباب» (سيرة سيف الرواي) لفاتحة مرشيد    سؤال الهوية الشعرية في ديواني .. « سأعبر جسر القصيدة» و «حصتي من الإرث شجرة» للشاعرة سعاد بازي المرابط        الحكومة تصادق على إحداث المعهد الوطني العالي للموسيقى والفن الكوريغرافي        معرض بكين للكتاب: اتفاقية لترجمة مؤلفات حول التراث المغربي اللامادي إلى اللغة الصينية    الدوزي يُطلق العدّ التنازلي ل"ديما لباس"    كتل هوائية صحراوية ترفع الحرارة إلى مستويات غير معتادة في المغرب    طنجاوة يتظاهرون تنديدًا بالعدوان الإسرائيلي على غزة وإيران    الشعب المغربي يحتفل غدا الجمعة بالذكرى ال55 لميلاد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد    إصابة حكم ومشجعين في فوضى بالدوري الليبي    ميداليات تحفز "بارا ألعاب القوى"    فحص دم جديد يكشف السرطان قبل ظهور الأعراض بسنوات    بنهاشم بعد مواجهة مانشستر سيتي: لعبنا بشجاعة وخرجنا بدروس ثمينة رغم الخسارة    بنك المغرب والمؤسسة المالية الدولية يوقعان شراكة لتعزيز الشمول المالي الفلاحي بالمغرب    الصين تدفع نحو مزيد من الانفتاح السياحي على المغرب: سفارتها بالرباط تتحرك لتعزيز توافد السياح الصينيين    إيران تستهدف مستشفى بجنوب إسرائيل ونتانياهو يتوعدها بدفع "ثمن باهظ"    برلمان أمريكا الوسطى يُجدد دعمه الكامل للوحدة الترابية للمغرب ويرد على مناورات خصوم المملكة    خدش بسيط في المغرب ينهي حياة بريطانية بعد إصابتها بداء الكلب    السعودية تدعو إلى ارتداء الكمامة في أداء العمرة    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    ورزازات تحدث تحولا نوعيا في التعامل مع الكلاب الضالة بمقاربة إنسانية رائدة    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    خبير يعرف بالتأثير الغذائي على الوضع النفسي    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثلاثة أسباب تجعلنا نعارض التمديد لبوتفليقة
نشر في هسبريس يوم 05 - 10 - 2008

بعد إعلان رئيس حزب التجمع الوطني الديموقراطي أحمد أويحيى قرب إعلان الرئيس بوتفليقة عن تعديل الدستور والترشح لعهدة رئاسية ثالثة من خمس سنوات، بات من المؤكد أن أصحاب القرار في الجزائر اتفقوا على التمديد للرئيس الحالي بالرغم من المعارضة الكبيرة التي تلقاها هذه المغامرة. ماذا يعني هذا القرار وما هي تداعياته على الجزائر دولة وشعبا؟ ولماذا أعتبر أنه من الضرورة معارضة التمديد لبوتفليقة ؟ وهنا أحاول الرجوع إلى تقارير صادرة عن الحكومة الجزائرية والمنظمات الدولية حول الوضع الذي آلت إليه الجزائر في السنوات العشر التي حكم فيها الرئيس الحالي. ولكي لا أُتّهم بالإنحياز وعدم الموضوعية فإنني أؤكد على أن هذه المعارضة للتمديد تنبع من قناعات مبدئية ويمكن إسقاطها على أي مترشح آخر يطمح إلى تحويل النظام الجمهوري إلى ملكية غير دستورية يحكمها بالمطلق في غياب مؤسسات الرقابة وتقزيم صوت الشعب. كما أريد أن أنبه القارئ إلى أنني لا أسعى إلى مقارنة الجزائر بالدول الديمقراطية المتحضرة لأن البلد يحتاج إلى ثلاثة أو أربعة أجيال على الأقل لترسيخ مجتمع حداثي يحتكم إلى المؤسسات الشرعية ويستمد سلطته من القانون. ""
وإنني في هذا المقام أقارن وضع الجزائر مع دول في إفريقيا مثل كينيا أو زيمبابوي التي قبلت أنظمتها اقتسام السلطة مع المعارضة تجنبا لانهيار الدولة، ومع جنوب إفريقيا حيث استقال رئيسها ثابو مبيكي وأفسح المجال أمام انتقال السلطة بطريقة سلسة إلى غيره. فالجزائر انحدرت إلى الدرك الأسفل في ترتيب الدول المتخلفة بالنسبة لاحترام الديمقراطية فمابالكم بالدول المتحضرة، وهنا ألقي الضوء على ثلاثة أسباب أعتبر أنها من الضروري أن تتوفر في الرئيس الذي يريد أن يقود الجزائر في المرحلة المقبلة:
فشل مسعى المصالحة الوطنية:
بوتفليقة فشل في مهمة إعادة الأمن إلى الجزائريين. بل ضرب الإرهاب في عهده عددا من رموز الدولة الجزائرية كقصر الحكومة والمحكمة الدستورية وثكنات الدرك والجيش. وأصبحت الجماعات المسلحة تضرب بشكل يومي تقريبا في عمليات استهدفت جميع مناطق الجزائر وحتى الصحراء. وإذا عدنا إلى بدايات حكم الرئيس فإن الجماهيرية الواسعة التي كان يتمتع بها ترجع إلى تبنيه مسألة تطبيق قانون الوئام ومسعى المصالحة الوطنية. فالشعب سئم من حالة اللا أمن واللا إستقرار التي حوّلت حياته إلى جحيم وبالرغم من الخسائر البشرية الضخمة التي تكبدها والمتمثلة في سقوط أكثر من مئتين وخمسين ألف قتيل بالإضافة إلى فقدان الآلاف على أيدي الجماعات المسلحة وقوات الأمن إلا أن الشعب الجزائري صوّت بالإجماع على قانون المصالحة رغبة منه في تجاوز سنين الدم. غير أن القانون فشل بسبب الثغرات القانونية العديدة التي شابتْه إضافة إلى أن النظام استعمله لخدمة أغراضه، واتخذه أداة لتصفية حساباته السياسية مع خصومه. فالإرهابيون التائبون الذين أفلتوا من العقاب عاد أغلبهم إلى ممارسة عمليات السطو المسلح. وقام عدد معتبر منهم بعمليات إرهابية أرعبت المجتمع وكان آخرها عملية يسّر- في بومرداس. كما أن أغلب قيادات حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ المُنحل حُرم من ممارسة حقه الانتخابي والسياسي. وهذا ما أدى إلى مراوحة الأزمة مكانها واستمر النظام في اجترار سياسات قديمة لتطويل أمد بقائه وبات من المؤكد أن البلاد تسير نحو مأزق سياسي واجتماعي لايمكن معالجته سوى بحل الأزمة سياسيا وإشراك جميع القيادات السياسية بمختلف انتماءاتها وولاءاتها في هذا الحل.
الانتشار المخيف للرشوة والفساد
أبدأ من حيث انتهى تقرير منظمة الشفافية الدولية الذي صنف الجزائر في المرتبة الثانية والتسعين من بين مئة وثمانين دولة في مؤشر التصنيف العالمي للفساد لعام 2008 ، وعلى المستوى العربي فقد حلت الجزائر في المرتبة العاشرة من بين ثماني عشرة دولة. التقرير أشار إلى أن السلطات الجزائرية لم تتخذ الإجراءات اللازمة لمحاربة هذه الآفة الخطيرة التي تنخر المجتمع ومؤسسات الدولة. وهنا لابد من الإشارة إلى أن واحدة من أكبر المؤسسات التي كانت تحارب الفساد السياسي و الإداري كان مجلس المحاسبة. لكن المجلس اُفرغ من كل صلاحياته وجُمدت سلطاته منذ انتخاب بوتفليقة رئيسا عام 1999 وقد اضطر أغلب الإطارات الذين عملوا بالمجلس الهروب نحو الخارج وهم من خريجي معهد الحقوق والمدرسة الوطنية للإدارة التي تُخرّج خيرة إطارات الجزائر، بعد أن خُيروا بين السكوت على الفساد أو مواجهة السجن. الفساد والرشوة أصبحتا ظاهرتان عاديتان في المجتمع ولا يمكن أن يقضي المواطن أدنى حوائجه دون اللجوء إلى الرشوة ولا عجب في ذلك إذا كان المسؤولون السامون والنواب لا يتعرضون للمساءلة حول التصريح الكاذب لممتلكاتهم. الفساد وخلال فترة عشر سنوات طال كل ركن في الجزائر، طال حتى وزارة الأوقاف، وجوازات سفر الحج والعمرة، وتبرعات المحسنين للمساجد التي حُولت عن أهدافها، وأموال الزكاة، وأسئلة امتحانات البكالوريا، بل طال حتى البرلمان، والجمارك، والمستشفيات،وهلم جرا. وهذا ما نتج عنه مظاهر اجتماعية سلبية مست الطبقة المحرومة التي لا تستطيع شراء الذمم للوصول إلى غاياتها، كانتشار الإدمان على المخدرات والسطو والسرقات في وضح النهار، وابتزاز السكان باختطاف أبنائهم، وتفشي الدعارة واغتصاب الأطفال. وبالمناسبة ففي الجزائر أكبر نسبة لتشغيل الأطفال في العالم حيث بلغ عدد الأطفال من الجنسين في سوق العمل مليونا وثمانمئة ألف.
تهميش الشباب وتحقير العلم:
الشباب، ثروة الجزائر التي لا تنضب وهم يمثلون أغلبية السكان لكن الشباب يعاني التهميش نظرا لاحتكار الثروة والنفوذ من طرف جيل الثورة الذي ما يزال متشبثا بالحكم وبالمناصب العليا ومسيطرا على عمليات الاستيراد والتصدير وملكية الأراضي الزراعية في الأرياف والعقار داخل المدن الكبرى. وأمام الجدار المنيع والمُحصّن الذي بناه هذا الجيل لحماية مصالحه تحوّل غالبية الشباب إلى يائس وناقم على الأوضاع . جسدُه في الجزائر وعقله في أوروبا. وتشير بعض الإحصائيات الرسمية إلى أن سبعة ملايين جزائري أغلبهم من الشباب يعيشون في الخارج (تصريح لوزير التضمان جمال ولد عباس). كما أن هجرة الأدمغة ازدادت في السنوات الأخيرة نظرا للهوة الواسعة التي تقع بين جيل الشباب المتعلم المبدع الذي يريد تقديم الكثير لوطنه وبين ما يسمى بجيل تشرين الثاني (نوفمبر) الذي يتربع على عرش الإدارات ويعرقل الإصلاحات لأنها وإن طُبقت ستحرمه من الامتيازات.
السلطة التي هي أصلا هرمة لم تتخذ أي إجراءات في هذا المجال، وإذا قلنا السلطة في الجزائر فإننا نتحدث عن الرئيس لأن برنامجه صار كتابا مقدسا يتلوه الوزراء والنواب في كل مناسبة والقرارت لا تُتخذ إلا بإذنه. والحديث عن الشباب يقودنا إلى الحديث عن البحث العلمي والجامعة. فقد جاء في تقرير دولي يُقيّم آداء الجامعات في العالم أن الجامعات الجزائرية احتلت المرتبة 6995 من بين 7000 جامعة شملها الإحصاء. وأن الأجر الذي يتقاضاه الأستاذ الجامعي لا يمكن مقارنته بأي دولة في العالم. ومنذ عام 2001 فإن الجزائر تُخصص واحدا في المئة من إنتاجها المحلي الخام للبحث العلمي. وهذه الإحصائية تدل على أن الاقتصاد الجزائري لن يخرج قريبا من التبعية المطلقة لقطاع النفط والغاز. وحسب إحصاءات أكاديمية جزائرية فإن الجزائر التي يزيد عدد سكانها عن 35 مليون نسمة لا تضم سوى 1500 باحث دائم أو متفرغ وهذا معناه أن الفوضى التي تسود قطاع التعليم والبحث العلمي تسببت في طرد الكفاءات الشابة إلى ماوراء البحار. وصنّف تقرير صدر عن الجامعة العربية في شباط(فبراير) 2006 الجزائر ثاني دولة عربية طاردة لكفاءاتها بعد مصر. وقبل أسابيع أعلن الرئيس بوتفليقة عن تخصيص 260 مليون دولار للبحث العلمي كل عام (بدأ حملته الانتخابية مبكرا). وهذا مبلغ هزيل مقارنة بميزانية الجزائر التي تتكدس فيها أكثر من مئة وخمسين مليار دولار إذا علمنا ميزانية وزارة الدفاع تُقدر ب6 مليار دولار سنويا. أما مصلحة الرئاسة فلا أحد يعلم ماهية النفقات التي تلتهمها ولا بد أن الأرقام فلكية. فيما تخصص المغرب مثلا ورغم قلة مواردها 300مليون دولارللبحث العلمي كل عام، وهي دولة تعيش على السياحة وقطاع الخدمات وتصدير بعض المنتجات الزراعية. أما إذا قارنا وضع الجزائر ببعض الدول التي تحترم عقول أبنائها فإن سويسرا تنفق 24 مليار دولارسنويا على البحث العلمي أما الصين فتنفق 50 مليارا.
أخيرا لقد اعترف الرئيس علنا بأنه قاد الجزائر في الاتجاه الخطأ مدة عشر سنوات، وباع المؤسسات الوطنية بثمن بخس إلى الأجانب، واعتمد في تعيين المسؤولين على الجهوية. فهذا كلامه وليس كلامي. فلماذا يسعى للحكم مدى الحياة؟ هذه الحياة علّمتنا بأن المُخطئ يحاسبُ بل يُعاقب إن تسبب في مأساة الملايين من العائلات. كما أن الطب الحديث يؤكد على أن الرئيس لا يمكنه أن يمارس كل صلاحياته ويتمتع بكل قواه العقلية والبدنية إذا حكم أكثر من عشر سنوات، وهذا ما اضطر برئيس الوزراء الأسبق توني بلير للتخلي عن الحكم وهو في قمة عطائه، فكيف الحال ورئيسنا مريض تجاوز السبعين؟ ثم ألم تلد الجزائريات من الرجال غير هذه الوجوه التي ترقص أمامنا منذ فجر الاستقلال وتنام على خزينة الشعب؟ أليس هناك زعيم كاريزماتي واحد يقود الجزائر نحو الحرية والديمقراطية ويُفجرَ طاقات أبنائها لتتحول إلى ديمقراطية تُشعّ على المنطقة؟ أليس هناك من السياسيين المخضرمين من يقود حركة تغيير واسعة تجرف هذا النظام المتآكل المتعفن؟
أتوقف هنا كي لا أفسد عليكم فرحة العيد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.