اشتهرت مدينة مراكش مند القدم بسبعة رجال وتربة الأولياء ومراكش الحمراء، وارتبطت برجالاتها الذين بصموا حياتها الدينية والروحية، وألهموا الكثير من الكتاب والأدباء وشعراء الملحون، من خلال حسهم الإنساني والأخلاقي، ما دفعنا إلى الالتفات لظاهرة هؤلاء الرجالات. تطمح "كِش24" من خلال هذه "الواحة الصيفية" إلى البحث عن أدباء وفنانين ومفكرين وسياسيين مراكشيون تركوا بصماتهم، وكانت لهم قيمة مضافة في العمل الإنساني، والاقتراب منهم وتسليط الضوء على أناس بسطاء شكلوا ملاحم النكتة والنادرة والطريفة.
يعد الراحل محمد شهرمان أحد رواد مسرح الهواة في الستينيات، الذي لعب دورا مهما في تطعيم الساحة الفنية بعناصر يشكلون الآن رموز الفن المسرحي بالمغرب، كتب لمجموعة جيل جيلالة ومجموعة الأرصاد ومجموعة نواس الحمراء، والثنائي بزيز وباز، تغنى بكلماته الفنانين البشير عبده و محمد علي، ولحن له شكيب العاصمي وعبد الحي التطواني، وأنتج للإذاعة والتلفزة أعمالا رائعة لازالت خالدة في الذاكرة المغربية. من مواليد سنة 1948 بحي سيدي بنسليمان بالمدينة العتيقة لمراكش، ارتبط اسمه بمجموعة جيل جيلالة، من خلال مجموعة من الأغاني الخالدة التي ألفها وادتها المجموعة من قبيل "الكلام لمرصع"، و"العيون عنيا"، التي ظلت منذ السبعينات من القرن الماضي مقترنة في المخزون الثقافي المغربي بحدث المسيرة الخضراء. بدأ اسم محمد شهرمان يتسلل إلى مسامع عشاق المسرح في بداية الستينيات بمراكش، المدينة التي شهدت ولادته سنة 1948، ولم تمض عن ذلك سوى سنوات قليلة، حتى أصبحت له عناوين شهيرة لمسرحياته المتميزة كمسرحية "خدوج" و"التكعكيعة" للمخرج المسرحي عبد الكريم بناني، ومسرحية " نكسة أرقام" و"الضفادع الكحلة"و"الرهوط" للمخرج عبد العزيز الزيادي، وهي مسرحيات عرفت النور على خشبة مسارح المدينة الحمراء في أوائل السبعينات، نال شهرمان عن مسرحيته "الضفادع الكحلة"جائزة أحسن نص سنة 1972. تعدد مواهب محمد شهرمان وتمكنه من الثقافة الشعبية والعالمية أهلته ليبدع ويساهم في ازدهار المسرح المغربي، غذ أضاف إلى سجله مسرحيات أخرى في أواخر السبعينات، عرفت كذلك إقبالا جماهيريا كبيرا كمسرحية"الأقزام" و"الخنقطيرة" للمخرج عبد الكريم بناني، ومسرحيتين "الجارالداعي" و"الجهاد الأكبر" من تأليف وإخراج شهرمان وذلك في الثمانينات ، ثم مسرحية "خمسة وخميس" أخرجها الفنان مصطفى تاه تاه، ومسرحية "سوق الرشوق" وهي من إخراج مولاي إدريس المعروف. كان محمد شهرمان قبل وفاته، يحافظ على رشاقته وخفة دمه وكلامه الموزون، لايدخل في الحديث مباشرة بل يطلب بعض الدقائق ليصفي ذهنه المليء بالذكريات والأحداث والتواريخ المهمة، وكان يسير في الشارع بأناقة واتزان، يحرك أطراف جسده بدقة وعناية، ولا يسمح لها بحرية الحركة على الإطلاق، يلقي عليك التحية فتستشعر الاحترام المتدفق من طريقته الدقيقة جدا في الإلقاء، وإن حدثك أنظم شعرا، عشق المسرح وارتبط به ارتباطا وثيقا منذ شبابه، أبدع فيه ومنحه من وقته الكثير، إنه سحر الخشبة. استضيف بعدة برامج تلفزيونية وإذاعية وحظي بعدة تكريمات وجوائز، خاصة من طرف مجموعة ألوان الغنائية، اعترافا بإبداعاته وعطاءاته الفنية، التي تستحق أكثر من تكريم.