مما سبق وذكرناه مرارا ، أن مدينة القصر الكبير حبلى بالمؤسسات الدينية. وهذا ما يميزها ويضفي عليها القدسية الروحية والعلمية. لذلك كانت محجا إبان حقب تاريخية مختلفة، لعلماء وفقهاء من ابنائها الذين ولدوا بها ، ولرجال العلم والجهاد الذين وفدوا عليها، ولممن كتبت لهم الشهادة في أحضانها، من الأولياء الصلحاء. واثناء البحث والتنقيب عن أضرحة أولياء المدينة ، تبرز لك أسماء مستعارة كما سبق واشرنا سالفا، كسيدي بوخبزة، سيدي بوحاجة، سيدي بوضريسة، سيدس بوظهير، سيدي بو دجاجة ، سيدي بورمانة الخ… وهذه مسألة تحتاج إلى دراسة وبحث معمقين ليس هنا مكانهما. واليوم نلتقي مع مثال من تلك الأسماء، المستعارة لسبب أو لآخر، ألا وهو سيدي بورمانة، أو سيدي بوحمالة على حد قول ميشو بيلير. فمزاره موجود بعدوة الشريعة، مقابل ضريح مولاي علي بوغالب، وليس هو في حقيقته سوى قبر (محمد ابن عسكر) أو ابن عساكر كما يطلق عليه ميشو بيلير أيضا، صاحب الكتاب المعروف “دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشاييخ القرن العاشر”. وهو ينحدر من أسرة علم وقضاء وصلاح، تولى القضاء والفتوى، وشارك في معركة وادي المخازن مناصرا للمتوكل، الذي استنجد بالبرتغال لاسترجاع ملكه، وقتل معه في هذه الحرب الطاحنة، كما يذهب عدد من الباحثين. ويبدو أنه بتأثير طموحه إلى تولي أعلى المناصب، قد ناصر المتوكل. يقول عنه ميشو بيلير وجورج سالمون في موقفه هذا: ((سيدي محمد بن عساكر هذه الشخصية التي توجد قبتها بالمنزه ما هو إلا الكاتب المشهور صاحب دوحة الناشر، الذي رافق السلطان محمد بن عبد الله إلى بلاط الملك البرتغالي دوميسيبستيا. عاد مع الجيش البرتغالي وقتل في معركة واد المخازن سنة 986 ه الموافق لسنة 1578 حيث عثر على جثته مع الخونة….. ويوجد بمدينة القصر الكبير قبر يسمى سيدي بوحمالة الذي يقال إنه يحتوي على جثة صاحب الدوحة))(القصر الكبير/ مدينة إقليم من المغرب الشمالي، تر. د. عبد المجيد المصباحي، جمعية البحث التاريخي والاجتماعي بالقصر الكبير، 2018، ص. 186). ويمنحنا هذا الكلام، خيطا مساعدا لافتراض كون سبب استعمال الاسم المستعار لضريح ابن عسكر (سيدي بورمانة)، ذو طبيعة سياسية، هو التستر على حقيقته، بسبب مرافقته للمتوكل لطلب المساعدة فاسترجاع حكمه، والمشاركة في حرب وادي المخازن في صف الغازي الأجنبي؟