بعد خيباته المتراكمة .. النظام الجزائري يفتح جبهة جديدة ضد الإمارات    في خطوة رمزية خاصة .. الRNI يطلق مسار الإنجازات من الداخلة    وداعاً لكلمة المرور.. مايكروسوفت تغيّر القواعد    برشلونة يهزم بلد الوليد    منتخب "U20" يستعد لهزم نيجيريا    العثور على ستيني جثة هامدة داخل خزان مائي بإقليم شفشاون    إسرائيل تستدعي آلاف جنود الاحتياط استعدادا لتوسيع هجومها في قطاع غزة    من الداخلة.. أوجار: وحدة التراب الوطني أولوية لا تقبل المساومة والمغرب يقترب من الحسم النهائي لقضية الصحراء    الوداد يظفر بالكلاسيكو أمام الجيش    جلالة الملك يواسي أسرة المرحوم الفنان محمد الشوبي    الناظور.. توقيف شخص متورط في الاتجار في المخدرات وارتكاب حادثة سير مميتة وتسهيل فرار مبحوث عنه من سيارة إسعاف    حقيقة "اختفاء" تلميذين بالبيضاء    مقتضيات قانونية تحظر القتل غير المبرر للحيوانات الضالة في المغرب    البكاري: تطور الحقوق والحريات بالمغرب دائما مهدد لأن بنية النظام السياسية "قمعية"    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    أمسية احتفائية بالشاعر عبد الله زريقة    نزهة الوافي غاضبة من ابن كيران: لا يليق برئيس حكومة سابق التهكم على الرئيس الفرنسي    52 ألفا و495 شهيدا في قطاع غزة حصيلة الإبادة الإسرائيلية منذ بدء الحرب    تقرير: المغرب يحتل المرتبة 63 عالميا في جاهزية البنيات المعرفية وسط تحديات تشريعية وصناعية    قطب تكنولوجي جديد بالدار البيضاء    الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة بوفاة زوجها    تفاصيل زيارة الأميرة للا أسماء لجامعة غالوديت وترؤسها لحفل توقيع مذكرة تفاهم بين مؤسسة للا أسماء وغالوديت    المغرب يبدأ تصنيع وتجميع هياكل طائراته F-16 في الدار البيضاء    ابنة الناظور حنان الخضر تعود بعد سنوات من الغياب.. وتمسح ماضيها من إنستغرام    حادث مروع في ألمانيا.. ثمانية جرحى بعد دهس جماعي وسط المدينة    العد التنازلي بدأ .. سعد لمجرد في مواجهة مصيره مجددا أمام القضاء الفرنسي    توقيف شخص وحجز 4 أطنان و328 كلغ من مخدر الشيرا بأكادير    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    مجموعة أكديطال تعلن عن نجاح أول جراحة عن بُعد (تيليجراحة) في المغرب بين اثنين من مؤسساتها في الدار البيضاء والعيون    الملك: الراحل الشوبي ممثل مقتدر    وصول 17 مهاجراً إلى إسبانيا على متن "فانتوم" انطلق من سواحل الحسيمة    كلية العلوم والتقنيات بالحسيمة تحتضن أول مؤتمر دولي حول الطاقات المتجددة والبيئة    الإمارات وعبث النظام الجزائري: من يصنع القرار ومن يختبئ خلف الشعارات؟    العصبة تفرج عن برنامج الجولة ما قبل الأخيرة من البطولة الاحترافبة وسط صراع محتدم على البقاء    إسرائيل تعيد رسم خطوط الاشتباك في سوريا .. ومخاوف من تصعيد مقصود    تونس: محكمة الإرهاب تصدر حكما بالسجن 34 سنة بحق رئيس الحكومة الأسبق علي العريض    الملك محمد السادس يبارك عيد بولندا    كازاخستان تستأنف تصدير القمح إلى المغرب لأول مرة منذ عام 2008    بيزيد يسائل كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري حول وضعية مهني قوارب الصيد التقليدي بالجديدة    الإقبال على ماراثون "لندن 2026" يعد بمنافسة مليونية    منحة مالية للاعبي الجيش الملكي مقابل الفوز على الوداد    الداخلة-وادي الذهب: البواري يتفقد مدى تقدم مشاريع كبرى للتنمية الفلاحية والبحرية    أصيلة تسعى إلى الانضمام لشبكة المدن المبدعة لليونسكو    اللحوم المستوردة في المغرب : هل تنجح المنافسة الأجنبية في خفض الأسعار؟    الكوكب يسعى لوقف نزيف النقاط أمام "الكاك"    غوارديولا: سآخذ قسطًا من الراحة بعد نهاية عقدي مع مانشستر سيتي    الفنان محمد الشوبي في ذمة الله    الصحة العالمية تحذر من تراجع التمويل الصحي عالميا    دراسة: هذه الأطعمة تزيد خطر الوفاة المبكرة    دراسة: مادة كيمياوية تُستخدم في صناعة البلاستيك قتلت 365 ألف شخص حول العالم    "موازين" يعلن جديد الدورة العشرين    وفاة الممثل المغربي محمد الشوبي    القهوة تساعد كبار السن في الحفاظ على قوة عضلاتهم (دراسة)    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اندحار المجتمع الدولي وعجزه عن التدبير الجماعي لمخاطر "كورونا"!
نشر في لكم يوم 19 - 05 - 2020

في الوقت الذي يزداد فيه ضحايا كوفيد 19 وترتفع الخسائر على جميع الأصعدة وفي كثير من الدول، عجزت المنظومة الدولية، ومعظم الفاعلين الدوليين، عن فعل أي شي يذكر اتجاه هذا الوضع المريب الناتج عن جائحة كورونا، والذي أدخل المسؤولين على الصعيد الدولي مرحلة بلغت درجة عالية من التوتر والقلق.
فلم تَقْدِم دول العالم،ولا المنظمات الدولية، على أية خطوة تنسيقية أو تعاونية فعلية، فقد أُخْرِسَت خطابا وممارسة عن كل مبادرة تكافح بها وبشكل جماعي هذا الوباء الخطير، ففي الواقع أصيبت باندهاش كبير وغدت مكتوفة الأيدي فيما يخص الخوض في أي عمل عابر للحدود، فما تمكنت من فعله هو غلق الحدود والارتكان إلى الحلول الفردية لتدبير هذه الأزمة الغير المسبوقة في العصر الراهن.
اليوم أظهر فيروس كورونا، الذي ضرب العالم وانتشر في وقت قياسي وبشكل مفاجئ، أن الأوبئة قد تتجاوز مخاطرها وتداعياتها ما تسفر عنه مختلف الحروب(الدولية والداخلية/الأهلية)من ضحايا، أو ما يمكن أن تفرزه المشاكل المالية الاقتصادية والاجتماعية..والسياسية من أزمات ومن نتائج، ففي الواقع قد تُسبب تصدعا حقيقيا في السلم الدولي وزعزعة للإستقرار العالمي، وهذا ربما ما "شَعر" به ألأمين العام للأمم المتحدة حين قال،واصفاً الجائحة(كورونا) بأنها «أعظم اختبار واجهه العالم منذ تشكيل الأمم المتحدة».
لاشك في أن العالم سيقبل على مشاكل وتحديات كبرى،خاصة في حالة استمرار هذا الوباء، وستكون لا محالة بمثابة مصادر حقيقية لانعدام الاستقرار في العديد من المناطق، وستكون لها تأثيرات حقيقية وعواقب وخيمة على الامن الدولي..
فيما يلي سنستعرض بعض من أهم وأخطر هذه التحديات:
– تحديات ترتبط بالأمن الغذائي: الواقع اليوم يقول أن الدول ‘جمدت' علاقاتها الدولية، في مجالات عديدة، كما أنها فرضت حالات الطورائ والحجر الصحي لتطويق فيروس كورونا، وهذا أفضى من جانبه إلى التقليل من فرص الاسثمار في شتى قطاعات..،كما أن الدول عملت أيضا على التركيز على الاستجابة لمتطلبات الداخل، فوضعت معظمها قيودا على مبيعاتها الخارجية لإعطاء الأولوية للإمداد المحلي..كلها معطيات ستعرف معها مسألة التصدير والاستيراد تراجعا كبيرا في موارد مختلفة.
وهذا لا يعني سوى أن العديد من الدول ستقع لديها نذرة على مستوى بعض الموارد، مما سيجعلها تجد صعوبة في تلبية الحاجيات (..) التي تخص المواطنين، هذا سينتج عنه سخط شعبي خاصة في الدول التي تفتقر إلى المواد الغذائية(بالخصوص الثرواث الفلاحية..) بحيث ستعجز المؤسسات العامة عن الاستجابة إلى طلبات المواطنين،وهذا المعطى سيكون دون شك سببا حقيقيا لحدوث اضطراب اجتماعي، ومن ثمة مصدرا لعدم الاستقرار في العديد من الدول.
هذا، وتجدر الاشارة إلى أنه كانت هناك تحذيرات وتقارير عدة تؤكد أن العالم سيعيش أزمة غذائية حادة وغير مسبوقة، بسبب اضطراب أسعار الغذاء ونقص المواد الغذائية، خاصة مع إجراءات العزل العام حول العالم والتي تبطئ سلاسل إمداد الغذاء العالمية، أو حتى منعها من الوصول إلى المستهلكين.
ونشير هنا، أنه بنهاية عام 2019 كان يعاني أكثر من 130 مليون شخص في 55 دولة من انعدام الأمن الغذائي، بينما يواجه أكثر من 70 مليون طفل مشكلات صحية بسبب الجوع.
فهذه الأرقام سترتفع دون شك إذا ما استمرت هذه الجائحة،فحسب بيانات لبرنامج الغذاء العالمي، فإن هناك أكثرمن800مليون إنسان يعانون من الجوع على مستوى العالم، كما أن شبح المجاعة قد يهدد ما يصل إلى نحو 30 دولة في ظل جائحة كورونا.
-الأمن الصحي: جائحة كورونا كان وقعها كبيرا على قطاع الصحة على الأقل في ثلاثة مستويات؛ الأول هناك بلدان تأخرت في اتخاذ إجراءات الحجر الصحي فتفاقم الوضع لديها ولم تتمكن من الاستجابة لمتطلبات المواطن العلاجية..، المستوى الثاني يرتبط بمسألة اللجوستيك(المختبرات،..) والبنية التحتية، فالعديد من الدولة عبر العالم ليست مؤهلة لمواجهة وباء من هذا النوع،المستوى الثالث يتعلق بالموارد البشرية، حيث أن السرعة التي ينتشر بها هذا الوباء يتطلب أطقم طبية كبيرة..والأخطر من ذلك أن العديد من الأطباء والمساعدين كانوا بحد ذاتهم ضحايا لهذا الفيروس..
فهذه المستويات ستفضي، لامحالة، إلى مشاكل كبيرة قد تهدد الأمن الصحي للعديد من الناس، وفي مختلف البلدان، مما سيجعلها مدخلا لحدوث إضطرابات ممكنة..
ودون شك، ستتعقد أكثر وسترتفع درجة خطورتها في البلدان التي تعرف أصلا نزاعات وحروب أهلية، ومن ثمة فاستمرار جائحة كورونا سيكون له تأثير كبير على الأمن الصحي للعديد من الدول التي تواجه تحديات حقيقية في هذا المجال، وقد تنهار النظم الصحية لديها في أي لحظة وتعجز عن استيعاب ما ستخلفه كورونا..
-البطالة: إن إفلاس العديد من من الشركات والمقاولات.. أدى إلى ارتفاع قياسي في أعداد الموظفين والعمال والمستخدمين.. الذي فقدوا وظائهم بشكل لم يسبق له نظير(أواخر مارس حسب منظمة العمل الدولية عدد من فَقدوا وظائفهم بسبب "كورونا" أكثر من 25 مليونًا شخص)،وهذا سيفاقم حالات الفقر في أوساط المجتمعات، خاصة لدى الدول الفقيرة، فالتدابير الاستثنائية التي اتخذتها الدول لمواجهة جائحة كورونا، بما فيها الاستعانة بالاقتراض وطلب المساعدة من صندوق النقد الدولي(أكثر من 90 دولة طلبت مساعدة ص.ن.الدولي)، غير كافية في الأشهر المقبلة ولا قادرة على الحد من تداعيات تأثير كورونا على سوق الشغل وعلى الاقتصاديات الوطنية بشكل عام.
فالتقارير التي أصدرتها العديد من الجهات تتنبأ بارتفاعات خطيرة لمؤشرات الفقر في العالم، ففي واقع الأمر كانت الارقام مرتفعة أصلا وفي ظل ‘الظروف العادية'، وهذا ما يوضحه، مثلا،"مؤشر الفقر متعدد الأبعاد لعام 2019″، الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، حين أكد أنه في 101 دولة تمت دراستها هناك 1.3 مليار شخص يعانون الفقر "متعدد الأبعاد.
ونشير هنا إلى أنه بالرغم أن بعض الدراسات( البنك الدولي) كانت تتوقع تحقيقَ تقدمٍ ملموس في الحد من الفقر المدقع (من يعيشون على أقل من 1.90 دولار في اليوم) إلى أقل من 3% بحلول عام 2030، لكنه مع جائحة كورونا يبدو أن مستويات الفقر المدقع ستعرف مستويات قياسية لا مثيل لها.
وهذا ما ذهبت فيه منظمة "أوكسفام" حين حذرت بأن كوفيد-19 قد يلقي بنصف مليار شخص في العالم في براثن الفقر، إذا لم يتم الإسراع بتفعيل خطط لدعم الدول الأكثر فقرا.
ففي تقرير لها أشارت( أوكسفام) إلى أن ما بين 6% إلى 8% من سكان العالم قد يلحقون بركب أولئك الذين يعيشون حاليا تحت خط الفقر، بعدما أوقفت الحكومات دورات اقتصادية بأكملها لاحتواء تفشي الفيروس وحذر(التقرير) من أن هذا الأمر في حال حدوثه سيعيد مكافحة الفقر على مستوى العالم عشر سنوات إلى الوراء، وأضاف إلى أن أكثر من نصف سكان العالم البالغ عددهم أكثر من 7,8 مليارات نسمة مهددون بأن يصبحوا تحت خط الفقر عند انتهاء جائحة كورونا.
– تعطل العملية الديمقراطية وتجميدها :
لا يمكن في مثل ظروف كالتي فرضها وباء كرونا أن تكون هناك عملية سياسية ممكنة وسلِيمة، أولا لأن الناس تركيزهم منصبا على كيفية الافلات من خطر كرونا، وثانيا الادارة في هذه الظروف الاستثنائية "محتكرة للمجال السياسي" على حساب التنظيمات الحزبية والقوى السياسية، ثالثا، فضلا على أن القيود المفروضة في الفضاء العام تبدو معها التعبئة أمر غير ممكن وغير صالح ..للخوض في الأمور ذو الطابع السياسي المحض..
رابعا، اللحظة، التي تمر منها معظم الدول، قد يستفيد منها فاعلين على حساب آخرين،كما أن الهامش قد يتاح لقوى معينة لتوظيف السياق لخدمة مصالح ضيقة ضدا على المصالح الشعبية..
هذا الوضع ستضطر معه العديد من الدول إلى القيام بأمرين (مقلقين)، الأول؛ قد يكون هو تأجيل الانتخابات..أو الثاني؛ وسيتمثل في إجراء الانتخابات، لكن في هذه الحالة لا بد من أن تكون مصاحبة بفرض قيود محددة، خاصة خلال عملية التصويت،قيود ستنضاف أصلا إلى توجس الناس من إصابتهم بالفيروس مما سيقلص نسب المشاركة..
كلها معطيات ستتعطَّل معها العملية السياسية والديمقراطية في العديد من الدول، وستجد نفسها أمام حكومات ‘إنقاذ' وطنية (..)، وهذا سيفتح المجال إلى وقوع أزمات سياسية لن يكون أمر معالجتها باليسير.. وستكون تكلفتها السياسية مرتفعة، وأبعدها معقدة..
– صعوبة تفعيل آليات فض النزاعات ومنع اندلاع الحروب أو تفاقمها :
إن مختلف أنواع النزاعات، وخاصة تلك التي تعرف مواجهات حربية قائمة فعلا، أوتلك القابلة للإنفجار.. تحتاج كلها إلى مفاوضات ومساعي حميدة ووساطات..، وإلى إدارة وتدبير محكميين، بغرض إيقافها أو تجميدها، لكن يبدو أن ما أحدثه كوفيد 19 من عراقيل.. ستنحصر معه حركية الدبلوماسية الدولية بجميع أصنافها، بل سيتعذر في أزمات عديدة تفعيل ميكانزمات التسوية السلمية الدولية لإيجاد حلول ومخرجات للنزاعات والصراعات الدولية.
ودون شك سيظهر تأثير كوفيد19على عمليات حفظ السلام، خاصة منها المتعددة الأبعاد(هناك حاليا 14 عملية لحفظ سلام في مختلف مناطق العالم، ويبلغ عدد الأفراد الذين يشتغلون في إطارها؛ حوالي 90000 عسكري في الميدان، ساهمت بهم الجيوش الوطنية عبر العالم، و 9000 من ضباط شرطة، و 14000 مدني).
إن تنفيذ الانشطة التي تتكلف بها بعثات حفظ السلام ستواجهها صعوبات متزايدة أمام هذا الوباء، فتقييم مسائل مرتبطة بحقوق الانسان، أو تلك التي تخص الأوضاع الانسانية أو المساهمة في الانتقالات "الديمقراطية" أو السياسية،أو إعادة بناء الاقتصاديات المنهارة..، ستصبح أمور تواكبها مخاطر جمة، فبعثات حفظ السلام قد يتهددها كوفيد 19خاصة أثناء ممارستها لعملها، مما يضطرها إلى تجميد أو تعليق أنشطتها، وهذا سيخلف فراغ خطير على صعيد حفظ السلام الدولي وكذا على الصعيد الانساني، الذي يشكل جانب مهم من المهمات التي تضطلع بها حفظة السلام الدولية، وهذا المشكل سيمتد ليؤثر أيضا على أعمال مختلف المنظمات التي تقدم المساعدات إنسانية.
إن ما أنتجه فيروس كورونا من مشاكل وماطرحه وسيطرحة لمعظم دول المعمور من تحديات وتداعيات متعددة الأبعاد(أقتصادية مالية، واجتماعية وسياسية..)، لايمكن معها اعتبار فيروس كورونا مجرد مشكلة صحية واقتصادية (عابرة)، بل وباء خطير يرتقي إلى مستويات يَتهَدَّد معها السلم والإستقرار على الصعيدين الدولي والداخلي للدول، وتتجاوز درجة خطورته كل التوقعات.
فلا بد الجزم هنا بأن كوفيد 19 تجاوز كل المعطيات والمخاطر؛ الاقتصادية والاجتماعية..، وغياب الديمقراطية وانتهاكات حقوق الانسان ..التي اعتبرها مجلس الامن الدولي في اجتماعٍ للقمة انعقدت في31 يناير من سنة 1992 كمصادرا ‘جديدة' لعدم الاستقرار على الصعيد الدولي.
وعلى ذلك فالظرف الاستثاني الذي يمر منه العالم، في الوقت الراهن، كان يتطلب تعاملا استثنائيا من طرف المجتمع الدولي، والمنتظم الأممي بالخصوص، وكان من الضروري أن يحضى باهتمام خاص من طرف مجلس الأمن الدولي، لأنه على الاقل نظريا وقانونيا هو المسؤول الرئيسي عن مسألة السلم والاستقرار الدوليين، وكذلك هو المسؤول عن ‘الأمن الجماعي'، فلا بد أن نكرر ونعيد التأكيد هنا مرة أخرى، أن الأمن الجماعي لم يعد يخص انعدام الحروب التقليدية واستعمالات القوة المسلحة، بل الواقع الدولي اليوم يقول بأن مصادر زعزعة الاستقرار والأمن الدولي مردها ليس فقط الارهاب الدولي أو الجريمة العابرة للحدود إلخ..
بل حتى الأوبئة الخطيرة من قبيل كوفيد 19 أضحت من بين المخاطر التي تهدد السلم والأمن الدوليين، ومن ثمة فهي تستوجب تفكيرا و وتعاطيا دوليا مشتركا وفي إطار جماعي لمعالجة ما تخلفه من إشكالات.
فإذا أخذنا في الاعتبار أن مجلس الامن الدولي(على الاقل في الوقت الراهن) ملقى على عاتقه تدبير المخاطر الدولية والحفاظ على ‘الأمن الجماعي الدولي' ، فبناء عليه كان على هذا المجلس أن ينخرط، وفقا لما يقتضيه واجبه، ويقوم باتخاذ قرارات تنطوي على خطوات استرتيجية واستباقية، وتتأسس على فكرة التضامن والتعاون الدوليين لمجابهة جائحة كورونا التي ستفرز ،ولا شك في ذلك،مستقبلا تحديات كبرى (كما اشرنا أعلاه) وستكون لها تداعيات ستفتك بمختلف المنظومات، على الصعيدين الوطني والدولي، وستساهم في تفجير أزمات قد تؤدي إلى صراعات ونزاعات جديدة يصعب تطويقها وحصرها.
ومع ذلك فالمنتظم الأممي، يتقدمه مجلس الأمن الدولي، لم يقوم بما هو ممكن، قصد استجماع الجهود الدولية وتكاثفها للتصدي لهذه الجائحة، فمحاولات الأمين العام انطونيو غوتيريش والعديد من الدول، خاصة غير الدائمة العضوية في مجلس الأمن، لم تكن لتفضي إلى ‘توحيد المجلس وحل الخلافات بين أعضائه، للمضي قدما نحو اتخاذ قرار في أسرع وقت ممكن بشأن كيفية التعامل مع جائحة «كوفيد 19» وفي البحث عن «علاج جماعي» للفيروس القاتل كما أشار إلى ذلك الأمين العام الأممي.
إن التحديات والمخاطر التي يعيشها العالم،اليوم، بسبب كورونا وسيواجهها مستقبلا، تستدعي تعاطيا جماعيا وتنسيقا وتكاملا دوليا، لكونها ستفرز نتائج عابرة للحدود ومشاكل معقدة وعالية الكثافة وستَمُس الجميع، فهذا النوع من التعاطي كان يفترض،في الواقع، قرارا جريئا تقوده الامم المتحدة، باعتبارها مرجعا لتنسيق جهود"الأمم"، لكن ما حدث عكس ذلك فقد وقع اندحار للتفكير الجماعي أمام هجمة فيروس كورونا وأمام طغيان الحسابات السياسية الدولية الضيقة،مما أدى إلى تغليب التفكير الانفرادي للدول في مجابهة هذا الوباء، وانغلاقها على نفسها في ‘تصرف أناني' لإنقاذ ‘ذاتها' ومحاولة النجاة بشكل أحادي.
إنها سلوكيات ومواقف دولية متضاربة أفضت إلى ثلاثة أمور غاية في الخطورة؛ أولهما وقوع ارتباك دولي في تدبير هذه الأزمة غير المسبوقة، وهذا ما ساهم في ارتفاع الخسار في الاقتصاد..والارواح، وثانيهما يتمثل في أن هذا النوع من التفاعل يشكل في الواقع ضربا في العمق لجملة من المبادئ والقواعد التي استقر عليها القانون والتعامل الدوليين، وخرقا للصكوك واللوائح القانونية الدولية الخاصة بالصحة العالمية وكيفية التعاطي الدولي مع الأوبئة، أما الأمر الثالث فيتجلى في وضع مسألة ‘التضامن' والتعاون الدوليين، التي ترتكز عليها العديد من الاتفاقيات الدولية، خاصة تلك المنشئة للمنظمات والتجمعات الاقتصادية والسياسية.. الدولية، أمام المحك وفي مأزق بيِّن وحقيقي، حيث أفرغت حاليا(الاتفاقيات) من كل معنى وفقدت كل بُعد إنساني وأخلاقي وتضامني..
فقد كان بإلامكان التقليل من حدة الكارثة التي ضربت العالم، لو لم تتصاعد لهجة الاتهام المتبادل بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية(حول "أصل" الوباء وحول من يتحمل ‘المسؤولية' فيما يقع) خلال الفترة نفسها التي كان فيها الفيروس يغزو العالم ويكتسحه، فتوجس احتلال الصين لمواقع الولايات المتحدة الأمريكية في "قيادة" العالم، واستهتار العديد من المسؤولين عبر العالم بموضوع كورونا، وعدم استيعابهم في بداية الأمر لخطورتة، وتأخر منظمة الصحة العالمية في إعلان كورونا كوباء عالمي، قلل من فرص التصدي لهذا الأخير ومنعه من التفشي والانتشار.
والجدير بالذكر في هذا السياق، أنه لابد من الاشارة أن ‘الصراع' الصيني-الأمريكي،كان من أبرز نماذج الحسابات السياسية الدولية، التي أنعكست على الأمم المتحدة وعلى المنظومة الدولية ككل، فأصيبت بشلل تام، مما أفقد العالم بوصلة من يقوده نحو بر النجاة ..، وهذا دون شك سيؤخر إمكانية تطويق جائحة كورونا ومعالجة ما ستفرزه من نتائج.
إن المخاض القائم حاليا على المستوى العالمي، بسبب هذه الموجة الوبائية، سيساهم من جانبه في صياغة موازين قوى جديدة على الصعيد الدولي، لكن هذا لا يمنعنا من القول بأن الوضع الدولي وتدبير ما أنتجه كورونا من إشكاليات وأزمات يفرض بالضرورة العودة إلى تفعيل ميكانيزمات التعاون الدولي القائمة حاليا، بمختلف أنواعها، وذلك في أفق تشكُّل أدوات جديدة وتنظيمات دولية تتتناسب مع فترة ما بعد كورونا.
فلابد أن ينتبه رؤساء الدول والحكومات والمسؤولين الدولين على أن سلوك الدول مسلك التدبير الانفرادي في مواجهة فيروس كورونا قد يفضي إلى الحد من انتشاره، لكن تداعياته الاقتصادية والمالية والازمات الاجتماعية.. لن تقدر الدول بشكل أحادي على احتوائها، وهذا ما يحتِّم عليها الرجوع ،في أسرع وقت، إلى العمل في إطارٍ من التنسيق الجماعي و وفقا لمرجعيات التضامن الدولي وذلك لمواحهة مخلفات هذا الوباء والتقليل من مخاطره.
*استاذ العلاقات الدولية والقانون الدول العام بكلية الحقوق أكدال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.