اعتبر تقرير، أن المغرب لم يعد مكترثا بشكل كبير بما تكتبه المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية عن التجاوزات في مجال الحقوق والحريات، مشيرا إلى أن الرباط لم تتفاعل مطلقا مع النداءات الداخلية والخارجية التي تطالبها بتغيير منهجية تدبير ملف معتقلي حراك الريف ومعتقلي الرأي الذين ما زالت لا تعتبرهم "معتقلين سياسيين". وأوضح تقرير فرعي عن الحالة المغربية، جاء ضمن "مجموعة التفكير الاستراتيجي التقرير الاستراتيجي السنوي السادس للمنطقة العربية 2020″، بأن لا شيء يوحي بتغيير هذه المنهجية بالنظر إلى اعتقال صحفيين وحقوقيين آخرين سنة 2020، ومحاولة سن قانون 22.20 المتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة الذي أثار جدلا حقوقيا وسياسيا واسعا على إثر تضمنه لمقتضيات تنص على إجراءات تقييدية للحق في التعبير عن الرأي والنشر. من جهة أخرى، اعتبر التقرير الذي أعده مصطفى العلوي الباحث في المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة، أن إذعان الأحزاب السياسية وعدم استقلاليتها بشكل كامل عن مركز القرار المغربي أحد أهم المؤشرات الدالة على أن التعددية الحزبية والسياسية في المغرب مُقنّعة، ولا تخدم عملية الانتقال الكامل نحو الديمقراطية، ذلك أن معظم الأحزاب تُساير في أغلب الأحيان رغبات النظام السياسي على حساب منطلقاتها الإيديولوجية ومبادئها وقيمها السياسية. وقدم المركز، مثالين على هذا المستوى، خلال السنة التي يتناولها التقرير هو عدم ممارسة الأحزاب السياسية أي نقد سياسي إزاء التطبيع المغربي "الإسرائيلي"، رغم أن أدبياتها تتضمن مواقف مناهضة للتطبيع، وكذا دفاعها على تعديل القاسم الانتخابي بغاية تطويق حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي تحذو النظام السياسي رغبة في تحجيمه وتقليص قوته الانتخابية. أما على المستوى الاقتصادي، فقد جاء في التقرير أنه وبالرغم من التداعيات السلبية لجائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) التي أدت إلى اختلال التوازن المالي للمغرب شأنه في ذلك شأن أغلب دول العالم، إلا أن الاقتصاد المغربي حافظ في العموم على مقومات التعافي من أزمته مع بروز مؤشرات عن تحقيق معدل نمو إيجابي سنة 2021، وذلك استنادا إلى عوامل عديدة على رأسها ظهور لقاحات ضد كوفيد-19، وتسجيل موسم زراعي جيد بفضل الظروف المناخية المواتية. وبخصوص العلاقات الخارجية، فقد اعتبر التقرير الذي جاء في حوالي 20 صفحة، أن قضية الصحراء لا تزال تحتل مركزية هامة في هندسة السياسة الخارجية المغربية، مشيرا إلى أنه خلال سنة 2020؛ حقق المغرب انتصارات دبلوماسية غير مسبوقة في تاريخ النزاع المفتعل بينه وبين الجزائر وجبهة البوليساريو الانفصالية عن منطقة الصحراء، ومن ذلك الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على هذه المنطقة الذي جاء مقابل تطبيع الرباط علاقاتها ب "تل أبيب". وأبرز ذات المصدر في خلاصاته، أن هذه السنة أثبتت الفعالية الكبيرة لاستراتيجية الحياد البناء التي تقوم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ودعم المسارات السياسية في حلحلة الأزمات البنية، والتي يتبنّاها إزاء القضايا العربية، وخاصة الأزمة الليبية وأزمة حصار قطر. اعتقال الصحفيين والحقوقيين خصص التقرير فقرات مهمة لاعتقال الصحفيين والحقوقيين خلال سنة 2020، حيث اعتبر أن ممارسة حرية الصحافة وحرية الرأي خلال هذه السنة، شهدت تدهورا مقلقا تمثل في اعتقال عدد من الصحافيين والحقوقيين البارزين والمعروفين بجرأتهم النقدية للسياسات العمومية ولسلوك السلطات المغربية إزاء ممارسة الحقوق والحريات، ومستقبل الانتقال الديمقراطي بالبلاد. وأشارت الوثيقة، أنه قبل يومين فقط من حلول عيد الفطر، أوقفت السلطات سليمان الريسوني الصحافي وكاتب الرأي بجريدة أخبار اليوم التي تشتهر بخطها التحريري النقدي، وذلك من أجل التحقيق معه حول تهمة هتك العرض بالعنف والاحتجاز في حق شاب مغربي مثلي. ليظل معتقلا؛ رغم مطالبة دفاعه بمتابعته في حالة سراح. وجرى اعتقال سليمان الريسوني، يضيف التقرير، اعتمادا على تدوينة في موقع «فيسبوك » يتهم صاحبها الصحافي الريسوني بالاعتداء عليه جنسيا في منزله، في حين يتحدث محامو الصحافي عن عدم وجود أي شكاية ضده من المشتكي، الذي أكد لاحقا في تدوينة جديدة أن الشرطة استدعته واستمعت له حول الاعتداء المزعوم، الذي يفترض أنه وقع عام 2018 . وأبرز التقرير، أن عملية الاعتقال سبقتها حملة تشهير واسعة تنبأت باعتقال الصحافي قبل انفجار القضية، أشارت إليها منظمة «مراسلون بلا حدود ». ومما يؤكد نية التشهير في هذا الملف، قيام موقع مغربي معروف بنشر فيديو يوثق عملية الاعتقال أمام بيت سليمان الريسوني. في ذات السياق، أضافت الوثيقة، أنه لم يمر شهران على اعتقال الصحافي الريسوني، حتى اعتقلت السلطات الصحافي والحقوقي عمر الراضي بتهم منها «الاغتصاب »، والذي سبق أن اعتقل وأطلق سراحه عدة مرات على خلفية تهم حددتها النيابة العامة في «الاشتباه في تلقيه أمولا من جهات أجنبية بغاية المس بسلامة الدولة الداخلية ومباشرة اتصالات مع عملاء دولة أجنبية بغاية الإضرار بالوضع الدبلوماسي للمغرب». وأضاف التقرير، أنه وفي أواخر 2020 ، قرر الجهاز القضائي المغربي إيداع المؤرخ والناشط الحقوقي المعطي منجب، السجن رهن الاعتقال الاحتياطي على خلفية قضية «غسيل الأموال »، مشيرا إلى التهمة التي سبق للمؤرخ المعروف بدفاعه عن قضايا حرية التعبير ومشروع التقارب بين العلمانيين والإسلاميين بالمغرب أن أكد براءته منها. واعتبر التقرير، أن الهدف من هذه الملاحقة يتمثل في «معاقبته » على تصريح إعلامي أشار فيه إلى دور جهاز مراقبة التراب الوطني (المخابرات الداخلية) في قمع المعارضين وتدبير الشأن السياسي والإعلامي بالمغرب. توتر بين المغرب والمنظمات الحقوقية الدولية أشار التقرير إلى أن سنة 2020 عرفت توترا كبيرا بين الدولة المغربية والمنظمات الحقوقية الدولية، حيث رفع بعضها من حدة انتقادها للوضع الحقوقي في المغرب، مما تسبب في بلوغ علاقتها بالحكومة المغربية توترا غير مسبوق. ففي 22 يونيو 2020 ، كشفت منظمة العفو الدولية في تحقيق لها، أن هاتف الصحافي والناشط الحقوقي عمر الراضي قد تعرض لهجمات متعددة باستخدام تقنية جديدة متطورة، تثبّت خلسة برنامج التجسس «بيغاسوس » سيء السمعة التابع لمجموعة «إن إس أو »، مؤكدة أن الهجمات وقعت على مدى فترة تعرض فيها الراضي لمضايقات متكررة من قبل السلطات المغربية، ووقعت إحدى الهجمات بعد أيام فقط من تعهد مجموعة «إن إس أو » بوقف استخدام منتجاتها في انتهاكات حقوق الإنسان، واستمرت الهجمات بحسب المنظمة، على الأقل، حتى يناير 2020 .))) وعقب هذا التحقيق، يقول التقرير، اتهمت الحكومة المغربية منظمة العفو الدولية ب "التحامل المنهجي والمتواصل منذ سنوات، ضد مصالح المغرب، وتبخيس ما حققه من تقدم ومكاسب مشهود بها عالمياً، خاصة في مجال حقوق الإنسان". كما اتهمت الحكومة المنظمة الدولية ب «تجاوز هذا التحامل كل الحدود، من خلال سعي هذه المنظمة إلى التحول إلى فاعل سياسي داخل الساحة المغربية، تحركها في ذلك أطراف معروفة وحاقدة على المؤسسات الوطنية المغربية». وفي ضوء بيان الحكومة، جاء رد منظمة العفو الدولية الذي أكدت فيه أن حملة التشهير و »المزاعم الكاذبة » الموجهة ضدها، إنما هي محاولة للتشكيك في أبحاث حقوق الإنسان الراسخة التي كشفت النقاب عن سلسلة من حوادث المراقبة غير القانونية. الأحزاب السياسية وبخصوص الأحزاب السياسية، فقد ركز التقرير على الأحزاب السياسية الرئيسية المشاركة في العملية الانتخابية، حيث اعتبر أنه وبالرغم من أن جائحة كورونا أرخت بظلالها على الحياة السياسية المغربية سنة 2020 ، إلا أن ذلك لم يمنع من بروز حركية واسعة داخل الأحزاب، وفي مقدمتها حزب العدالة والتنمية، قائد الأغلبية الحكومية، الذي أطلق بعض شبابه مبادرة باسم «النقد والتقييم »، انتقدوا فيها الأداء السياسي للحزب ومنهجية تدبير القيادة الحالية، داعين إلى ضرورة عقد مؤتمر استثنائي كشرط لخروج الحزب من الأزمة التي يعيشها منذ قبوله بشروط تشكيل الحكومة الحالية قبل أربع سنوات، وتعمقت على خلفية توقيع سعد الدين العثماني الأمين العام للحزب ورئيس الحكومة على الاتفاق الثلاثي بين المغرب والولايات المتحدةالأمريكية و «إسرائيل » القاضي باستئناف العلاقات بين الرباط و «تل أبيب». واعتبر أن هذا التوقيع، لئن أدى لانعكاسات سلبية على البيت الداخلي للحزب الذي عمل على تطويق أزمته واستيعاب ارتداداتها ضمن الإطار المؤسساتي، فإن وضع حزب الأصالة والمعاصرة، صاحب ثاني أكبر عدد من المقاعد في البرلمان )يتزعم المعارضة(، لم يختلف كثيرا سنة 2020 . فبعد مخاض عسير اتسم بخلافات شديدة وانسحاب لخمسة مرشحين؛ انتخب الحزب القيادي عبد اللطيف وهبي أمينا عاما جديدا، فيما أعيد انتخاب فاطمة المنصوري، رئيسةً للمجلس الوطني، في مؤشر على انتصار تيار المستقبل » في صراعه المحموم مع تيار «المشروعية » بزعامة الأمين العام المنتهية ولايته، عبد الحكيم بنشماس. وأضاف أن وهبي حرص بعد انتخابه أمينا عاما على بعث رسائل طمأنة إلى معارضيه في تيار «المشروعية» بعد أن دعا في كلمته مؤتمري الحزب وأعضاء مجلسه الوطني، إلى طي صفحة الخلافات وتجاوزها، والعمل معه من أجل الحزب، داعيا قيادة الحزب الجديدة لدعمه. حال حزب التجمع الوطني للأحرار لم يختلف كثيرا، يشير التقرير حيث لم يتجاوز ثاني أكبر أحزاب التحالف الحكومي، ارتدادات حملة المقاطعة الشعبية التي سلطت الضوء قبل سنتين على زواج المال والسلطة لدى رجال أعمال أثرياء يشغلون في نفس الوقت مناصب حكومية، ولهم نفوذ وتأثير كبيرين في عملية صنع القرار العمومي، وفي مقدمتهم رئيس الحزب عزيز أخنوش. واعتبرت الوثيقة، أنه خارج هذا الثلاثي الذي من المنتظر أن تشتد المنافسة بينه خلال الاستحقاقات الانتخابية ل 2021 ، لم يختلف المشهد بشكل كبير داخل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أكبر حزب يساري في المغرب، الذي عاش خلافات بسبب مشروع القانون رقم 22.20 المتعلق باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، الذي قدمه وزير العدل المنتمي لذات الحزب، وأثار جدلا سياسيا وحقوقيا واسعا إثر تضمنه لمواد من شأنها المس بحرية الرأي والتعبير، وأضر بإرث الاتحاديين في الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات. في ظل هذا الواقع، الذي يشير إلى أن الأحزاب الرئيسية في المغرب ليست بأحسن حال، فإن الأمر نفسه ينطبق على الأحزاب الصغيرة، سواء الممثلة أو غير الممثلة في البرلمان، والتي تتأثر تاريخيا بالمناخ السياسي السائد الذي تصنعه أساسا المؤسسة الملكية والأحزاب الكبرى في البلاد، وفق التقرير.