تفاعل مع حلقة محمد المُساوي لقد أنهيت للتو الحلقة المميزة من البرنامج المميز "بصيغة أخرى"، والتي استضاف فيها الصحافي اللامع حمزة الفاضلي الفاعل السياسي محمد الموساوي. وقد كانت حلقة فريدة بالفعل، لما تميزت به من أسئلة جريئة وأجوبة أكثر جرأة، هي بلا شك ما يحتاج إليه الجسم الصحفي والساحة السياسية اليوم. وأجدني مضطرا للتفاعل السريع مع بعض النقاط التي وردت في هذا الحوار، والتي يمكن تلخيصها كما يلي: فيما يتعلق بسؤال الموساوي حول سبب عدم استفادة معتقلي حراك الريف من العفو الملكي: فالاستثناء هنا يكمن في أن قادة ورموز الحراك يتمتعون بشرعية شعبية واسعة، ليس فقط في الريف، بل في وجدان معظم المغاربة. وعلى الرغم من كل محاولات التشويه واتهامهم بالانفصال أو بالشوفينية العرقية، فقد باءت هذه المحاولات بالفشل. وهذا ما يميزهم عن بعض الصحفيين والمدونين الذين استفادوا من العفو، والذين، من وجهة نظر النظام، لا يمثلون خطرا سياسيا يُذكر، خصوصًا حين تُلصق بهم تُهم أخلاقية تُضعف شرعيتهم النضالية. وعادةً ما يُنتظر من هؤلاء، في حال الإفراج عنهم، أن تلين مواقفهم وتتراجع حدتهم، كما حصل مع الطاوجني الذي أبدى شكره للملك، أو بوعشرين الذي تحوّل إلى أسلوب رمزي وغامض في النقد. لكن المفاجأة غير المتوقعة، كانت في مواقف الصحفي سليمان الريسوني، التي أقلقت الجميع، خاصة بعد تصريحاته النارية، والتي أدت إلى سحب لقائه مع هشام من المنصات دون تفسير. وقد تزامن هذا مع حملة تشهير شرسة شنّتها منابر محسوبة على الأجهزة، ما دفعه إلى مغادرة البلاد نحو منفاه الاختياري. وكان المصير المحتوم في انتظاره، لو لم يغادر، تمامًا كما وقع مع سعيدة العلمي، التي رفضت الخضوع، فاختطفت في الشارع العام مباشرة بعد مشاركتها في وقفة تضامنية مع أسرة الشهيد ياسين شبلي ببنجرير. هذا المسلسل برمّته دليل على غياب أي إرادة سياسية حقيقية لإغلاق ملف الاعتقال السياسي. بل إن القتل في مخافر الشرطة ما زال مستمرا. فإما أن تكون مواليا لهذه المهزلة التي نعيشها، سواء كنت سياسيًا أو صحافيًا أو مواطنًا عاديا، وإما التضييق والتشهير والاعتقال بتهم مفبركة. أما بخصوص "أسطوانة صراع الأجنحة" وترويج فكرة أن هناك أطرافًا تخرق إرادة العفو الملكي: فهذا محض هراء. من اعتقل بالأمس، هو من أصدر العفو، وهو من أعاد الاعتقال حين لم يتلقّ "الشكر والثناء والامتنان" على حد تعبير وزير العدل السابق. بل وصل الأمر إلى التلويح بأن عدم الامتنان هذا كان سببا في حرمان الآخرين من العفو، وكأن من أُفرج عنهم قد أغلقوا أبواب السجن وراءهم على البقية. القبضة الأمنية ليست قرار جناح، بل هي سياسة دولة كاملة. وما يُروَّج من سرديات حول "الأجنحة" لا تختلف كثيرًا عن سرديات "التماسيح والعفاريت"، الهدف منها إعفاء الملكية من المسؤولية. وكما قال الموساوي "ربما"، فأنا أجزم أنهم من يروجون هذه السرديات لصرف النظر عن المسؤول الحقيقي. السلطة في المغرب تعلم جيدًا ما يجري، وتدرك أن الكادحين قد سئموا وتعبوا، وأن مؤشرات الجريمة والبطالة والانتحار والهجرة السرية والطلاق تنذر بانفجار وشيك. لكنها تعرف أيضًا أنها نجحت في تدجين كل القيادات السياسية المعارضة عبر عقود من الترويض. أقول القيادات، لأن داخل هذه الأحزاب (فيدرالية اليسار، النهج، الطليعة، الاشتراكي الموحد) توجد ذوات مناضلة صادقة، غير راضية عن واقع أحزابها، لكنها لم تنجح بعد في التغيير، لأسباب ذاتية وموضوعية متشابكة. أما عن السؤال الأهم، وهو: من المسؤول عن هذا الوضع؟ فالمسؤول ليس النظام المخزني، ولا النظام الملكي كمجرد بنية، بل المسؤول هو الملك نفسه، بصفته رئيس الدولة وممثلها الأسمى. حين يتوجه المواطن البسيط بنداء إلى الملك من أجل حل مشكلة سكن أو علاج أو طريق، فهو يعلم تمامًا أن المسؤول الأول هو الملك. وأحد أسرار قوة حراك الريف مقارنة بحركة 20 فبراير، هو أن قادته خاطبوا الملك مباشرة باعتباره صاحب القرار، في حين لم تجرؤ 20 فبراير على ذلك بالصراحة الكافية. ومن المفارقات أن عبد الإله بنكيران، رغم كل ما قيل عنه، كان الوحيد الذي قال بوضوح إن الملك هو المسؤول، حتى وإن قالها مدحًا. واليوم، حكومة الأحرار أكثر وضوحا في إسناد كل المشاريع والخطط لتعليمات الملك ورعايته السامية، وهذا في حد ذاته تعبير صريح عن حقيقة موقع القرار.