أعادت صور تفجير الأبراج السكنية في مدينة غزة عام 2025، والتي تبث مباشرة على الهواء، إلى الأذهان مشاهد انهيار برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك عام 2001. وبينما أثارت تلك الأحداث قبل أكثر من عقدين موجة تضامن دولية غير مسبوقة، تمر مشاهد غزة اليوم وسط صمت دولي وانتقادات محدودة، ما يسلط الضوء على المفارقة في المواقف العالمية تجاه دمار متشابه ونتائج إنسانية كارثية. في مشهد بثّ مباشرة على الهواء، فجّر الجيش الإسرائيلي برجاً سكنياً في مدينة غزة، في عمليات استعراضية، حيث دوّت الانفجارات فيما كانت الكاميرات تنقل صور انهيار المبنى المسمى "السوسي" المؤلف من من 15 طابقاً وعشرات الشقق التي كانت تؤوي مئات العائلات الفلسطينية، وذلك بعد يوم من تدمير برج "مشتهى" في حي الرمال، في مشاهد بثّت مباشرة وأثارت هلعا وصدمة واسعة لدى سكان القطاع.
وقال شهود إن الجيش الإسرائيلي أمر العائلات الفلسطينية بإخلاء المبنى قبل قصفه، فيما ألقت أسر أمتعتها من النوافذ في مشهد فوضوي. وأظهرت شهادات أصوات بكاء الأطفال والنساء أثناء الفرار، في حين شوهد معاق فلسطيني يسرع بعكازه هارباً وسط القصف. وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس تباهى عبر حسابه على منصة "إكس" بالعملية، مؤكداً أن استهداف الأبراج سيستمر ضمن عملية "عربات جدعون 2" الهادفة، بحسبه، إلى السيطرة على المدينة. ونشر مقطع فيديو للحظة انهيار البرج مرفقاً بكلمة: "مستمرون"، غير مبال بأن القصف الذي ينفذه جيشه يخلّف خسائر فادحة في صفوف المدنيين ويشرّد مئات الأسر. مشاهد انهيار الأبراج في غزة أثارت مقارنات مؤلمة مع صور انهيار برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك في 11 سبتمبر 2001. آنذاك، حبس العالم أنفاسه من هول الصدمة، وانهالت الإدانات والتعاطف مع الولاياتالمتحدة، لتقود لاحقاً "الحرب على الإرهاب" التي أسفرت عن غزو أفغانستان والعراق ومقتل ملايين المدنيين. أما في غزة، فعمليات القصف تُعرض يومياً على الهواء، لكن ردود الفعل الدولية ظلت محدودة، وسط اتهامات بالتواطؤ أو الصمت حيال ما تصفه منظمات دولية وحكومات دول غربية بأنها "حرب إبادة معلنة". هذا التباين في المواقف، بين صدمة عالمية عام 2001 وتجاهل دولي اليوم، يطرح أسئلة عميقة حول مصداقية المعايير الأخلاقية والقانونية التي يقوم عليها النظام الدولي، وحول قدرة المؤسسات الأممية على حماية المدنيين في أقدم نزاع دموي يشهده العالم. "حرب الأبراج" في غزة تٌظهر التناقض الفاضح في ذاكرة العالم: حين انهارت أبراج نيويورك عام 2001، ارتجف الكوكب وتوحدت الأصوات في التنديد والتعاطف، قبل أن تنخرط دول كثيرة في حرب انتقامية أزهقت أرواح مدنيين أبرياء بعيدين آلاف الكيلومترات عن أمريكا. أما اليوم، فصور أبراج غزة وهي تنهار تبثّ مباشرة كما لو كانت مشاهد من لعبة فيديو، وسط صمت دولي وخذلان وتواطؤ مع الجناة الذين يتباهون بجرائمهم على الملأ. تفجير الأبراج – سواء في نيويورك بالأمس أو في غزة اليوم – هو فعل إجرامي واحد بيد ملعونة، لكن ما يثير الصدمة حقاً هو الفارق في ردود الفعل: تنديد وتحشيد حين تعلق الأمر بالولاياتالمتحدة، ولا مبالاة حين يتعلق بمدنيين فلسطينيين يقتلون ويشرّدون أمام صمت ولا مبالاة العالم بأسره.