عقد مجلس الأمن الدولي خلال الأيام الأخيرة جولات مفاوضات ماراثونية حول مشروع القرار المتعلق بتجديد ولاية بعثة الأممالمتحدة في الصحراء (المينورسو)، وسط انقسامات حادة بين الأعضاء الدائمين، وضغوط دبلوماسية مكثفة قادتها الولاياتالمتحدة، "حاملة القلم" في هذا الملف، من أجل تمرير نصٍّ يعكس التحول المتزايد داخل المجلس لصالح مقترح الحكم الذاتي المغربي. وبحسب موقع مجلس الأمن، فإن المفاوضات التي استمرت منذ 22 أكتوبر وحتى يوم التصويت في 31 أكتوبر 2025، وُصفت بأنها من أكثر الجولات تعقيدًا منذ سنوات، إذ شهدت سلسلة من النسخ المنقحة للمشروع الأمريكي قبل أن يُعرض على التصويت مساء الجمعة، في جلسة حاسمة تكللت بالموافقة عليه بأغلبية 11 صوتًا وامتناع 3 دول عن التصويت، مع عدم مشاركة الجزائر في الاقتراع.
كواليس وصعوبات المفاوضات بدأت الولاياتالمتحدة في 22 أكتوبر بتوزيع المسودة الأولى، التي تضمنت تمديد ولاية المينورسو لثلاثة أشهر فقط، إلى غاية 31 يناير، ودعت الأطراف إلى استئناف المفاوضات على أساس المبادرة المغربية للحكم الذاتي بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي "يضمن حُكمًا ذاتيًا حقيقيًا ضمن السيادة المغربية مع الحفاظ على مبدأ تقرير المصير". غير أن هذا الطرح أثار موجة اعتراضات واسعة داخل المجلس، خصوصًا من جانب الجزائر وبعض الأعضاء غير الدائمين، الذين اعتبروا أن النص يميل لصالح الرباط ويُقصي خيارات أخرى مطروحة. وفي 24 أكتوبر، عُقدت أولى جلسات التفاوض الرسمية، ووصفت أجواؤها ب"المتوترة"، إذ شدد ممثلو دول عدة على ضرورة أن يكون النص أكثر توازنًا، وأن لا يُقدَّم المقترح المغربي باعتباره "الحل الوحيد الواقعي". في المقابل، دافعت واشنطن وباريس ولندن بقوة عن الصياغة الأولى، معتبرة أن مبادرة الحكم الذاتي "تشكل الإطار الأكثر جدية ومصداقية للخروج من الجمود". تعديلات متتالية وردود جزائرية استجابةً للاعتراضات، قدمت واشنطن في 25 أكتوبر نسخة منقحة مدّدت بموجبها ولاية البعثة إلى ستة أشهر (حتى أبريل 2026)، وأضافت صياغة اقترحتها بريطانيا ترحب ب"المقترحات البنّاءة من جميع الأطراف". كما عدّلت فقرة تمهيدية لتشير إلى أن الدعم للمقترح المغربي جاء من "معظم" الدول الأعضاء بدل "المجتمع الدولي". غير أن الجزائر قدّمت في 27 أكتوبر مذكرة اعتراض رسمية طالبت فيها بإدراج فقرة تأخذ بعين الاعتبار "الإطار المقترح من جبهة البوليساريو" المعروف باسم "المقترح الموسع"، الذي يربط أي حلٍّ باستفتاءٍ شعبي يتيح خيار الاستقلال. وفي 28 أكتوبر، وضعت الولاياتالمتحدة النسخة الثانية تحت إجراء الصمت، وهو الإجراء الذي يُعتمد عادة لتمرير التوافقات دون تصويت داخلي، غير أن الجزائر كسرت الصمت رسميًا وطلبت عقد جلسة مشاورات عاجلة. وخلال تلك الجلسة، أعرب ممثل الجزائر عن رفض بلاده للنص الأمريكي، معتبرًا أنه "لا يشكّل أساسًا صالحًا للتفاوض". كما أيّد عدد من الأعضاء هذا الطرح، بينهم دولتان من أمريكا اللاتينية ودولة إفريقية غير دائمة العضوية، واقترحوا العودة إلى لغة أكثر توازنًا تُشير بوضوح إلى جميع المقترحات. نسخة ثالثة قبل التصويت في أعقاب تلك الجلسة، وزعت واشنطن في 30 أكتوبر نسخة ثالثة، تم إدراجها مباشرة باللون الأزرق استعدادًا للتصويت النهائي. وجاءت النسخة المعدلة أكثر حذرًا في الصياغة، حيث حُذف وصف المبادرة المغربية بأنها "الأكثر جدية وواقعية"، واستُبدل بعبارة تفيد بأن "العديد من الدول الأعضاء عبّرت عن دعمها للمقترح المغربي كإطار لحلٍّ عادل ودائم ومقبول من الطرفين". كما أُدرجت فقرة جديدة تشجع جميع الأطراف على "تقديم أفكار واقتراحات لدعم الحل السياسي النهائي"، مع الإشارة إلى أن "الحكم الذاتي الحقيقي يمكن أن يمثل النتيجة الأكثر قابلية للتحقق"، وهي صياغة اعتبرها دبلوماسيون "تنازلًا لغويًا محسوبًا" لتهدئة التحفظات الجزائرية دون المساس بجوهر الموقف الأمريكي-الفرنسي. لكن النسخة النهائية لم تتضمن أي إشارة إلى مقترح البوليساريو الموسّع، وهو ما أثار استياء الجزائر مجددًا. كما تم حذف فقرة تمهيدية كانت تُشير إلى دعوة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لاعتماد المقترح المغربي ك"الإطار الوحيد للمفاوضات"، بعد اعتراض ثلاث دول أعضاء. خلفية سياسية ودبلوماسية تأتي هذه التطورات في أعقاب تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الذي صدر في أكتوبر 2025، وغطى الفترة من أكتوبر 2024 إلى أغسطس 2025، ووصف الوضع في الصحراء الغربية بأنه "متوتر لكنه ثابت نسبيًا"، مع استمرار المناوشات المحدودة بين القوات المغربية وجبهة البوليساريو. وأشار التقرير إلى أن المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا واصل مشاوراته مع المغرب والجزائر وموريتانيا والبوليساريو دون تحقيق تقدم في عقد جولة جديدة من المفاوضات أو إحياء وقف إطلاق النار المنهار منذ 2020. كما دعا التقرير إلى تمديد ولاية المينورسو لعام إضافي وتحسين التعاون مع البعثة وتجديد الحوار الإقليمي، وهي التوصية التي تبناها القرار النهائي. وفي 20 أكتوبر، قدّمت جبهة البوليساريو "مقترحًا موسعًا" إلى الأمين العام أنطونيو غوتيريش يتضمن قبول حلٍّ مشابه للمقترح المغربي شرط أن يُطرح في استفتاءٍ يشمل خيار الاستقلال، غير أن النص الأمريكي تجاهل هذا المقترح بالكامل. نحو التصويت خلال اليومين السابقين للتصويت، شهدت كواليس الأممالمتحدة تحركات مكثفة واتصالات متقاطعة بين الوفود الغربية والعربية والإفريقية. وبحسب مصادر دبلوماسية، فقد لعبت فرنسا والمملكة المتحدة دورًا محوريًا في حشد التأييد للنص، بينما التزمت روسيا والصين الحذر، وفضلتا الامتناع عن التصويت تجنبًا للاصطفاف. وفي جلسة التصويت مساء الجمعة، اعتمد مجلس الأمن القرار بأغلبية 11 صوتًا، مقابل امتناع ثلاث دول عن التصويت هي روسيا والصين والباكستان، فيما لم تشارك الجزائر في الاقتراع، لتُسدل بذلك الستارة على أسبوع من المداولات المضنية والمساومات الدبلوماسية. ويرى مراقبون أن النص المعتمد يعكس تحولًا تدريجيًا في موقف مجلس الأمن لصالح المقاربة المغربية، مع الحفاظ على لغة متوازنة تتيح استمرار الدور الأممي بقيادة ستافان دي ميستورا، فيما تُبقي الجزائر تحفظاتها مفتوحة وتعتبر القرار "منقوصًا وغير متكافئ".