يضع بحث علمي نُشر حديثا في مجلة "نيتشر" المغرب ضمن خريطة الانبعاثات العالمية للغازات الدفيئة الناتجة عن مكبّات النفايات، حيث أظهرت الدراسة أن موقع الطمر والنفايات في ضواحي الدارالبيضاء يُعد من بين المواقع التي يمكن رصد انبعاثات الميثان منها بشكل واضح عبر صور الأقمار الصناعية عالية الدقة، ما يفتح نقاشا ملحا حول إدارة النفايات الحضرية وتأثيرها على المناخ في بلد يواجه تحديات مركبة مرتبطة بالجفاف والضغط الحضري المتزايد. الدراسة التي أعدّها فريق علمي من منظمة البحوث الفضائية الهولندية، وجامعة "فرييي" في أمستردام، بالتعاون مع شركة "جي إتش جي سات" الكندية المتخصصة في تتبع غازات الدفيئة عبر الأقمار الصناعية، وبمساهمة باحثين من معهد "ماساتشوستس" للتكنولوجيا في الولاياتالمتحدة، وغيرها من المؤسسات العلمية الدولية، اقترحت أن تصاعُد انبعاثات الميثان من مواقع معالجة النفايات لا يعود فقط إلى حجم النفايات المتراكمة، بل أيضا إلى كيفية إدارة المساحات المفتوحة التي يتم فيها إلقاء المخلفات ومعالجتها. وقد رُصد ذلك بوضوح في مكب الدارالبيضاء، حيث أظهرت صور الأقمار الصناعية تحرك "بؤر الانبعاثات" بالتزامن مع انتقال منطقة النشاط السطحي داخل المكب عبر الزمن.
تحديات حضرية ومخاطر بيئية وتكتسب هذه النتائج أهمية خاصة بالنسبة للمغرب الذي يشهد توسعا حضريا متسارعا، مقابل بنية تدبير نفايات ما تزال تواجه اختلالات هيكلية. فمدينة كبرى مثل الدارالبيضاء تنتج يوميا آلاف الأطنان من النفايات المنزلية والصناعية، وما زالت نسبة مهمة من هذه الكميات تصل إلى مكبات مفتوحة أو شبه منظمة. وأوضحت الدراسة أن "الأسطح النشطة" في هذه المكبات، أي تلك المناطق التي يجري فيها الدفن أو الحفر أو الفرز في اللحظة الراهنة، هي بؤر الانبعاثات الأساسية التي يمكنها إطلاق كميات من الميثان أعلى بأضعاف مقارنة بالمناطق المغطاة أو المغلقة من نفس الموقع. وفي حالة مكب الدارالبيضاء، بيّنت الصور أن الانبعاثات تتبع بدقة التطورات في نشاط المكب، أي أن انبعاثات الغاز ليست ثابتة بل متحركة ومتصلة مباشرة بطريقة الاستغلال اليومي للموقع ويعد الميثان أحد أخطر الغازات الدفيئة رغم عمره الجوي القصير نسبيا، إذ تشير الدراسة إلى أنه المسؤول عن نحو 30بالمائة من الاحترار العالمي الحالي الناتج عن الأنشطة البشرية، وهو غاز ناتج عن تحلل المواد العضوية داخل مواقع النفايات في غياب الأوكسجين. ويذكر الباحثون أن الانبعاثات العالمية من الميثان الناتجة عن النفايات تقدر بحوالي 38 مليون طن سنويا، وقد ترتفع إلى 60 مليون طن بحلول 2050 في حال عدم اتخاذ إجراءات حقيقية للتخفيف نتائج وتوصيات رغم أن مساهمته الإجمالية أقل من دول صناعية كبرى، فإن هذه الأرقام تضع المغرب أمام ضرورة تحديد مكامن الانبعاث في مدنه الكبرى وتطوير آليات مراقبة دقيقة لها، خاصة أن الدراسات المحلية السابقة كانت تعتمد على نماذج حسابية تقديرية، بينما تُظهر هذه الدراسة أن هذه النماذج قد تكون مضللة أو غير دقيقة في الواقع العملي. وتكشف الدراسة أن الصور الفضائية عالية الدقة من أقمار "جي إتش جي سات"، والتي تستطيع رصد أعمدة الميثان المنبعثة بدقة تصل إلى 25×25 مترا، قد قلبت الموازين في فهم الانبعاثات، حيث لم تجد الدراسة أي تطابق جوهري بين الكميات التي تُبلغ عنها الدول أو البلديات وبين ما يمكن رصده فعليا من الفضاء. في عدة دول، بما في ذلك بلدان صناعية متقدمة، اتضح أن الانبعاثات الحقيقية تفوق تلك المُصرّح عنها رسميا بمرتين أو ثلاث مرات في مواقع معيّنة. ويشير الباحثون إلى أن "الفجوة بين الانبعاثات المبلغ عنها وبين ما يمكن قياسه من الأقمار الصناعية واسعة بما يكفي لتغيير فهمنا لمنحنى الاحترار العالمي" ويبيّن الفريق العلمي أن جزءا من المشكلة يكمن في النماذج الحسابية المعتمدة لتقدير انبعاثات مكبات النفايات، والتي غالبا ما تفترض نسبا ثابتة لتحلل المواد العضوية، في حين تختلف الانبعاثات بشكل كبير تبعا لنوع النفايات، درجة الحرارة، مستوى الرطوبة، وطبيعة إدارة الموقع سواء كان مغطى أم مفتوح. كما أن مكبات النفايات غير المنظمة أو "مواقع الرمي العشوائي" تسجّل أعلى مستويات الانبعاث بالنسبة لمساحتها، مقارنة بالمكبات المنظمة التي يتم فيها تغطية النفايات بطبقات ترابية أو التعامل معها بأنظمة التقاط للغاز. ومع ذلك، حتى المكبات المنظمة تستطيع إطلاق كميات ضخمة من الميثان من "المنطقة النشطة" في حال عدم إحكام تغطيتها أو تأخر عمليات الدفن. مكب الدارالبيضاء وأشار الباحثون إلى أن مكب الدارالبيضاء يمثل مثالا حيا على هذه الدينامية؛ فهو مكب كبير ذو إدارة هجينة بين التنظيم والتوسع المستمر، تظهر فيه بؤر انبعاث ترتبط مباشرة بالعمليات اليومية للمكب. وقد أظهرت مقارنة بين صور الأقمار الصناعية ل "جي إتش جي سات" وصور القمر الأوروبي سينتينيل-2 للتغيرات السطحية وجود تطابق قوي بين أماكن الانبعاث ومناطق النشاط البشري داخل الموقع. ويجعل هذا التداخل إدارة المكب مسألة مناخية مباشرة وليست بيئية فقط . ورغم دقة النتائج، لا تدعو الدراسة إلى "إغلاق" المكبات، بل إلى تحسين إدارتها. فهناك تقنيات معروفة لتقليل انبعاثات الميثان، مثل فصل النفايات العضوية قبل الطمر، أو إنتاج الغاز الحيوي من النفايات القابلة للتحلل بدل تركها تتحلل عشوائيا. وأشارت الدراسة إلى أن تطبيق أفضل الممارسات قد يخفض الانبعاثات العالمية من النفايات إلى مستوى لا يتجاوز 11 مليون طن بحلول 2050، أي أقل بثلاث مرات مما هو متوقع إن استمر الوضع الحالي. .