سجلت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمراكش، استمرار الدولة المغربية في التخلي الممنهج عن أدوارها الاجتماعية، وعلى رأسها مسؤوليتها المباشرة في ضمان الحق في التعليم، كما هو منصوص عليه في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وعلى وجه الخصوص العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. واعتبر فرع الجمعية في تقرير له حول الدخول المدرسي، أن الصياغة الدستورية الحالية، التي تضع الدولة في موقع "الميسر لولوج الخدمات" بدل "الضامن الفعلي للحقوق"، تمثل تراجعا خطيرا عن الالتزامات الحقوقية، وتكرس منطق التملص المؤسساتي من الواجبات الدستورية، وتفتح الباب أمام تفويت الخدمات الأساسية للقطاع الخاص، في غياب أي ضمانات للمساواة والعدالة الاجتماعية.
وانتقد حقوقيو مراكش، القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، الذي اعتبروا أنه "يقدم رسميا كمرجعية لإصلاح التعليم، بينما يكرس في جوهره تراجع الدولة عن التزاماتها، ويعيد إنتاج نفس الاختلالات البنيوية التي طبعت السياسات التعليمية السابقة". وأكدت الجمعية، أن هذا القانون الإطار لا يلزم الدولة بضمان الحق في التعليم، بل يبقيها في موقع "الميسر"، ويتجنب التنصيص الصريح على مجانية التعليم، مما يمهد لتوسيع الخوصصة، ويهدد مبدأ تكافؤ الفرص. كما يغيب المقاربة الحقوقية، ويقصي الفاعلين النقابيين والحقوقيين من صياغة وتتبع السياسات، ويعاني من غياب آليات التتبع والمحاسبة، رغم التنصيص على لجنة وطنية لم تفعل إلى اليوم، مضيفة أن الأخطر من ذلك، أن القانون لا يتضمن أي إجراء ات ملموسة لحماية التلاميذ اجتماعيا ونفسيا، ولا يعالج قضايا العنف المدرسي أو الدعم النفسي، مما يضعف قدرته على تحقيق تعليم منصف وشامل. ولفت ذات التقرير إلى أن مشروع القانون، ورغم مرور سنوات على اعتماد، ما يزال حبيس الرفوف، ولم تفعل مشاريعه القوانين التنظيمية، ولم ترصد له آليات تنفيذ واضحة، مما يجعله، حسب الجمعية، "مجرد إعلان نوايا غير ملزم، ويكرس حالة الجمود التشريعي والتخبط المؤسساتي". كما سجلت الجمعية، مجموعة من الاختلالات البنيوية التي تعكس غياب الإرادة السياسية الحقيقية لإصلاح المنظومة التعليمية، أولها الفجوة المتزايدة بين التعليم الأولي والتعليم الأساسي، نتيجة تفويض تدبير التعليم الأولي لجمعيات غير مؤهلة، تفتقر إلى التكوين التربوي والمراقبة المؤسساتية؛ غياب أي تقييم موضوعي لمكتسبات تلاميذ السنة الأولى ابتدائي الذين استفادوا من التعليم الأولي، مما يحول دون قياس الأثر الفعلي للسياسات العمومية؛ عدم التنصيص الصريح على مجانية التعليم، مما يفتح الباب أمام فرض رسوم ويهدد مبدأ تكافؤ الفرص، بالإضافه إلى ضعف آليات التتبع والمساءلة المؤسساتية، وغياب مؤشرات دقيقة لقياس التقدم أو تقييم السياسات. وتوقف التقرير، على استمرار التفاوتات المجالية والاجتماعية في الولوج إلى التعليم، خاصة في المناطق القروية والهامشية؛ ضعف إشراك الفاعلين التربويين والنقابيين والحقوقيين في صياغة وتتبع السياسات التعليمية؛ عدم تفعيل الإطار المرجعي للجودة، ونظام الحسابات الوطنية في مجال التربية، مما يُفقد السياسات التعليمية أي بعد تقويمي أو تخطيطي، إلى جانب غياب آليات الرقابة والمحاسبة، وعدم تفعيل اللجنة الوطنية المحدثة لدى رئيس الحكومة، بالإضافه إلى عدم إحداث مرصد للملاءمة بين المهن والتكوينات، وعدم المصادقة على الإطار الوطني للإشهاد والتوجيه، وعدم تعميم مراكز الدعم النفسي والإنصات للسنة السادسة على التوالي، رغم تنامي مظاهر العنف المدرسي والانقطاع عن الدراسة. وأكد فرع الجمعية بمراكس"، أن مشروع "الدولة الاجتماعية" الذي روج له رسميا قد أغفل بشكل فاضح الأطفال من التغطية الصحية، بمن فيهم المتمدرسون، ولم يوفر أي حماية حقيقية للتلاميذ، لا على مستوى الصحة الجسدية ولا النفسية، مما يبرز الطابع الدعائي لهذا المشروع، ويظهر غياب البعد الاجتماعي في السياسات التعليمية، ويكرس منطق التهميش والإقصاء. وأدانت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، التراجع الممنهج عن الالتزامات الدستورية والدولية، مجددة مطالبتها بإعادة الاعتبار للحق في التعليم كحق أصيل، غير قابل للتفويت أو التمييز، داعية إلى مراجعة جذرية للسياسات التعليمية، تعيد للدولة دورها الضامن، وتفعل آليات الرقابة والمحاسبة، وتشرك الفاعلين التربويين والحقوقيين في صياغة مستقبل التعليم، بما يضمن العدالة، والجودة، والمجانية، والمساواة كما رصد التقرير، الذي تطرق للعرض التربوي بمديرية مراكش خلال الدخول المدرسي 2025–2026، جملة اختلالات بنيوية عميقة، تتجلى في استمرار إغلاق عدد من المؤسسات التعليمية التي كان من المفترض أن تعزز الطاقة الاستيعابية وتخفف من الاكتظاظ، وتساهم في تقليص نسب الهدر المدرسي، خاصة في الأحياء ذات الكثافة السكانية العالية والمناطق القروية والهشة. وأكدت الجمعية، أن الوضع الحالي، انعكس بشكل مباشر على عمليتي التوجيه وإعادة التوجيه، حيث لم يتمكن عدد كبير من التلاميذ من الالتحاق بالشعب والمسالك التي يرغبون فيها، بسبب محدودية العرض التربوي، خاصة في الشعب العلمية والتقنية، ما جعل التوجيه إجراء شكليا لا يعكس طموحات المتعلمين، ويزيد من معاناة الأسر في البحث عن بدائل غير متاحة. وشددت الجمعية، على أن العرض التربوي بمديرية مراكش، في ظل هذه المعطيات، لا يستجيب لمتطلبات الإنصاف وتكافؤ الفرص، ويستدعي مراجعة جذرية للسياسات التعليمية المحلية، وتسريع وتيرة إنجاز المؤسسات المبرمجة، وتفعيل المغلقة منها، لضمان حق التلاميذ في تعليم جيد، متنوع، ومتاح للجميع، بعيدا عن منطق التراكمات التقنية والبيروقراطية التي عطلت مشاريع كان من شأنها أن تغير وجه التعليم بالمدينة وفيما يخص الدعم الاجتماعي المدرسي، سجلت الجمعية، يسجل استمرار اختلالات بنيوية في تدبير الدعم الاجتماعي المدرسي، سواء على مستوى النقل، الإطعام، أو المنح الدراسية، مما يكرس التفاوتات المجالية والاجتماعية، ويجهز على الوظيفة الاجتماعية للمؤسسات التعليمية، خاصة في المناطق القروية والهامشية، على رأسها تأخر صرف المنح الدراسية الخاصة بنزلاء ونزيلات الداخليات، حيث لم تصرف الدفعة الأولى إلا منتصف أكتوبر، مما أثر على ظروف الإيواء والتغذية; غياب آلية للطعن والتظلم في قرارات الاستبعاد من المنحة أو التأخر في صرفها؛ ضعف جودة الإطعام، تقديم وجبات غير متوازنة، غياب المراقبة، وإقصاء الأسر من التقييم؛ غياب النقل المدرسي في الجماعات القروية، وغياب التنسيق بين برامج الدعم الاجتماعي (تيسير، المنح، الداخليات)، مما يضعف الفعالية ويكرس التشتت. وفي تطرقها لنقطة مدارس الريادة، أكد التقرير، أنه رغم الإعلان عن مشروع مؤسسات الريادة، فإن الواقع يكشف عن ارتباك في التنزيل، غياب التجهيزات، وتهميش للأطر التربوية، مما يفرغ المشروع من مضمونه الحقوقي، منها تأخر انطلاق الدعم التربوي المكثف، حرمان آلاف التلاميذ من أسابيع حاسمة؛ غياب التجهيزات الأساسية في مؤسسات الريادة؛ ارتباك التكوينات التربوية، توقيت غير مناسب، محتوى نظري، غياب تقييم؛ رداءة الوجبات في مراكز التكوين، مقاطعة جماعية، غياب شروط السلامة، انعدام الماء الصالح للشرب؛ غياب الشفافية في الصفقات العمومية، شبهة التعاقد المباشر، غياب دفاتر التحملات؛ اختيار المؤسسات بمعايير غير شفافة، ضغط على الأطر، غياب إشراك فعلي، ناهيك عن تأخر إعادة التأهيل للمؤسسات المدرجة. ومن جهة أخرى، توقف ذات التقرير على جملة من الاختلالات التي صاحبت ولا تزال الدخول المدرسي بمراكش كإقصاء الأطفال في وضعية إعاقة، وتصاعد مظاهر العنف المدرسي؛ غياب سياسة تربوية واضحة تضمن حق التعليم لأطفال المهاجرين؛ الاكتظاظ البنيوي وغياب التخطيط المجالي، والخصاص في الأطر التربوية والإدارية. ودعا فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بمراكش، إلى إرساء حكامة حقوقية للدعم الاجتماعي المدرسي، تقوم على الشفافية، المشاركة، والمساءلة، من خلال إحداث آلية وطنية مستقلة لتقييم الخدمات المدرسية، ونشر تقارير دورية حول جودة العرض التربوي.