الإجماع الوطني حول مغربية الصحراء ليس حوله خلاف. الذي يتعين أن يكون موضوع نقاش هو الكيفية التي يتم بواسطتها تدبير ملف الصحراء. هل من المعقول أن يكون لدينا إجماع حول كيفية تدبير هذا الملف؟ هل الإجماع حول عدالة قضيتنا يلزمنا بأن نكون مجمعين أيضا حتى حول كيفية إدارة الصراع مع الخصوم؟ وهل إظهار الإجماع حول طريقة تدبير الملف، يفيد الإجماع الوطني؟ وهل يؤمن المستلزمات الواجب توفرها لربح معركة التمسك بالوحدة الترابية، والوصول بها في نهاية المطاف إلى بر النجاة؟ وإذا كانت لدينا خلافاتنا بخصوص طريقة إدارة الصراع مع الخصوم حول الصحراء، أليس من الأفيد لنا كشعب وكدولة، اختارا التعددية، كمنهج لتسيير الشأن العام، الخروج بهذه الخلافات إلى العلن، والجهر بها في وسائل إعلامنا، وأن نتحاور في شأنها بيننا بصوت مسموع؟ ما هو العيب في ذلك؟ ألا نقدم بتصرفنا هذا دليلا قاطعا على أننا شعب متحضر، ونملك شجاعة الاختلاف برحابة صدر في الجزئيات، وأننا في الجوهر متفقون في تشبثنا بمغربية صحرائنا؟ الإجماع على كيفية تدبير ملف الصحراء ألا يعني قبولنا الضمني السكوت عن كل جوانب التقصير أو الأداء غير الجيد الذي قد يشوب كيفية هذا التدبير من طرف دبلوماسيتنا والسلطات المحلية في أقاليمنا الجنوبية؟ يصعب على المرء أن يفهم كيف أن لدينا تعددية حزبية، وأغلبية ومعارضة، ولكن لا يجد أي أثر في الساحة السياسية والإعلامية لخطاب معارض ومنتقد بقوة وبصراحة، لكيفية تدبير ملف الصحراء. هناك صمت شبه مطلق من طرف الطبقة السياسية في هذا المجال، لم يسبق لطريقة إدارة ملف الصحراء أن كانت موضوعا لنقاش عمومي.. إلى ماذا يمكن إرجاع ذلك؟ هل طريقة إدارة الملف طريقة مثلى، ولا يمكن أن تكون موضوع مساءلة أو انتقاد بأي شكل من الأشكال؟ إذا كان الأمر كذلك، لماذا لم نتمكن من طي هذا الملف وحسمه بما يضمن مغربية الأقاليم الصحراوية منذ 75 من القرن الماضي إلى اليوم؟ الفائدة الكبيرة للتعددية المصحوبة بحرية الرأي والتعبير تتجلى في القدرة على مراقبة ومتابعة الأشخاص المكلفين بإدارة قضايا وهموم المواطنين. عندما يجد المكلف بقضية الصحراء نفسه مراقبا ومتابعا من طرف الرأي العام، وأنه يحاسب على أي تراخ أو تهاون منه في القيام بعمله على الوجه المطلوب، وقد تصل المحاسبة إلى حد العزل من المسئولية والعرض على أنظار القضاء، إن استدعى الأمر ذلك، وقتها سيشتغل المكلف بالقضية بكل جوارحه، وسيتخذ جميع الاحتياطات التي تحميه، هو كشخص مكلف أولا، من أي تبعات قد تترتب عن أي خطوة غير مضبوطة قد يقدم عليها أثناء إدارته لقضية تهم العموم. الإجماع حول قضية الصحراء يستلزم تدبيرا جيدا للملف يصون هذا الإجماع ويرعاه، وهذا التدبير الجيد لن يتحقق إلا إذا ساهم وشارك فيه الرأي العام، وقام بمحاسبة من يرتكب فيه تهاونا، أو تقصيرا، أو سوء تقدير. تحملُ المسئولية تكليف وليس تشريفا أو تفويضا لعدد محدود جدا من المسئولين للتصرف في نطاق ضيق، في قضية وطنية تهم كل الشعب، دون مراقبة أو مساءلة أو محاسبة. هذا التصرف في حد ذاته، يتنافى مع الإجماع الوطني الحاصل حول مغربية الصحراء..