الأعمال التخريبية التي عرفتها مدينة العيون، توحي بأن التعامل بين المغرب وجبهة " البوليساريو" قد اتخدت أبعادا جديدة وخطيرة في ذات الآن، وتنحو منحى بداية سلاح التمرد والاستفزاز عبر توظيف مجموعة انفصاليي الداخل، وجعلهم ورقة الحسم بعد سنوات من "الحرب الباردة"، وهو أمر قد يربك الأوراق المغربية، ويضعف آلياته في المواجهة، إذا لم تنتبه القيادة السياسية إلى خطورة الورقة الجديدة. وتحتم التطورات الأخيرة على صناع القرار في المغرب البحث عن سبل ناجعة جديدة في مواجهة الوضع الجديد، وذلك بنهج الطريق الأسلم والأحكم الذي يعصم المغرب من فقدان النقط في سلم القضية على المستوى الدولي، وبالشكل الذي يحول دون سفك الدماء، ويحفظ في الوقت نفسه الوحدة الترابية للمملكة، ويغص رأس الفتنة في رمال الصحراء بما لا يترك مجالا لعودة استيقاظها، وهو هدف يضمحل تحقيقه يوما بعد يوم، بسبب النمو السرطاني لرؤوس الإنفصال على المستوى الوطني، وبسبب غياب أي استراتيجية للتعامل مع العناصر الإنفصالية في الداخل المغربي. ويتوجب في المرحلة الراهنة الاشتغال على مستويين أساسيين: الأول يتمثل في حفظ المكتسبات التي حققها المغرب على المستوى الدولي، في حشده للدعم الأممي لمقترح الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية، ويقوم هذا التحصين على بحث كل السبل الدبلوماسية في تنمية وتقوية الدعم للمقترح المغربي وتجنيبه السقوط في براثين التشكيك والمناورات التي ينهجها الخصوم، ليحافظ المقترح على مصداقيته دوليا، ومن جهة ثانية يتم حفظ هذه المكتسبات عبر تسريع وثيرة تنزيل المقترح المغربي على أرض الواقع، بشكل لا يترك أي مجال لسقوط القضية في ميزان المزايدات السياسية، ويحفظها من أي مخططات تنحرف بالمقترح المغربي عن مساره الطبيعي. المستوى الثاني يقضي بإطلاق حوار وطني جاد ومسؤول، يحدد المسؤوليات ويشرك جميع شرائح وأطياف المجتمع في صيانة الوحدة الترابية، ليس عبر "الجعجعة بلا طحين"، التي يطلقها "المجتمع المدني" بدفع من قوى رسمية، أو بدونه، والذي لا يخفي السطحية والاستخفاف في التعاطي مع الملف الأكثر حساسية في المغرب، وهي "بهرجة" لا تعطي أكلها بوصفها حركات "عبثية"، ولافتقاد المغرب لوسائل إعلامية قوية كفيلة بتحويلها إلى نقط قوة في صالح المغرب، ما يحولها إلى مسرحيات هزلية قلما تخدم القضية. لقد أخطأ المغرب الرسمي حين ظن أنه بمنأى عن "الفوضى الخلاقة"، وعن المشاهد الدولية في العديد من دول العالم الثالث، خاصة تلك التي يستهدفها مقص التمزيق والتجزئة، مع وجود خصوصيات كل حالة على حدا، وأخطأ حين غاب عن ذهنه أن "الفتنة كامنة في ثنايا كل المجتمعات البشرية حتى التي تسود فيها العافية والانسجام" في مرحلة من مراحلها، ما جعل المغرب الرسمي يتغنى باستقرار "وهمي". لقد ظل موضوع الصحراء موقع "إجماع" مغربي "ضعيف" لا يخضع للنقاش، ليس على مستوى أحقية المغرب في الملف من عدمه، وهو أمر محسوم ومعلوم وجه الإجماع فيه، لكن على يتمثل ذلك في إدارة الملف لما يزيد عن ثلاث عقود خلت، انتفت فيها قاعدة " الخلاف حول الصواب خير من الإجماع على الخطأ"، وتكررت فيها الأخطاء نفسها على مستوى التدبير الدبلوماسي للقضية، وكدا في انفراد "المخزن" المغربي بأحقية إدارة شؤون الصحراء على مستوى صناعة القرار وإدارة الصراع مع الجبهة "الوهمية". ولا يخفى دور "المخزن" في صناعة انفصاليي الداخل، بخلفية تدبيرية تحضر لمنهجية ما في إدارة الصراع، (وهو أمر مستبعد) أو بتفريط ساذج، عملت فيه الإدارة الأمنية على تمييز الانفصاليين في العديد من المجالات، والخدمات،... ما أدى إلى استقواء الذراع الداخلي "للبوليساريو" وجعلها حجر عثرة في وجه أي تقدم الملف، ما قد يعرقل التدبير الميداني للقرارات والمقترحات والتوجهات التي قد ينهجها المغرب. لقد أعلنت العقلية التي أدارت الصراع حول الصحراء لما يزيد عن 35 سنة خلت عن إفلاسها في وعجزها في كسب المعركة إعلاميا وسياسيا، وتكرر سقوطها في دوامة الأخطاء الجسيمة التي هددت مسار الملف غير ما مرة، وهو ما يتطلب معه إعادة صياغة أوراق المعركة، فالملفات التي يستخدمها أعداء الوحدة الترابية تتداول حقول العدالة الاجتماعية والتنمية وحقوق الانسان...، وهي مطالب يشترك فيها الشمال والجنوب بغض النظر عن التوظيفات المختلفة لها، غير أنها تحتم تغيير السلوك السياسي للقيادة السياسية بالمغرب، من سياسية ترتكز على "القبضة الحديدة" كأداة لضبط الاستقرار، إلى تنمية هذه الحقول كسياسة لم يجربها المغرب يوما بشكل جدي. *صحافي مغربي [email protected]