العرائش أنفو في الوقت الذي تواصل فيه إسبانيا التحقيق في ما بات يُعرف إعلاميًا ب"فضيحة الكمامات"، والتي طالت الوزير السابق خوسيه لويس آبالوس، تفرز هذه القضية تداعيات تتجاوز حدود السياسة الإسبانية لتلامس العمق السياسي المغربي، وذلك بعد تسليط الضوء على علاقة قوية جمعت الوزير السابق بشخصية سياسية مغربية مثيرة للجدل، كانت قبل سنوات ناشطة جمعوية من أصول مغربية، ثم ما لبثت أن وجدت نفسها تحت قبة البرلمان في المملكة المغربية. فضيحة في مدريد.. وارتدادات في الرباط التحقيقات التي باشرها القضاء الإسباني، والتي طالت مقربين من الوزير السابق، كشفت عن خيوط معقدة تشمل صفقات مشبوهة في ذروة جائحة كورونا، وممارسات مشوبة بسوء استغلال النفوذ. لكن اللافت هو أن بعض الأطراف المرتبطة بالقضية تربطها علاقات متينة بشخصيات سياسية فاعلة في المغرب، ما يطرح علامات استفهام جدية حول سلامة معايير منح الثقة داخل النسيج السياسي المغربي. من العمل الجمعوي إلى البرلمان.. بأي ثمن؟ الانتقال من العمل المدني إلى السياسي أمر طبيعي في الدول الديمقراطية، بل إنه مؤشر على تفاعل المجتمع المدني مع الشأن العام. غير أن المقلق هو أن هذا الانتقال، في بعض الحالات، لا يتم عبر التدرج أو التزكية المستحقة، بل عبر شبكة من العلاقات الشخصية العابرة للحدود، والتي قد تتقاطع مع المصالح أو حتى الأجندات. وفي هذا السياق، تبرز حالة برلماني مغربي راكم علاقات وثيقة مع الوزير الإسباني السابق، ما يطرح سؤالًا حقيقيًا: هل تم منح الثقة السياسية على أساس الكفاءة، أم بناءً على علاقات ظرفية غير محسوبة؟ سوء تقدير أم خلل بنيوي؟ إذا صحّت المعطيات المتداولة، فإن ما حدث لا يمكن اعتباره مجرد خطأ فردي أو زلة في التقدير، بل هو نتيجة مباشرة لغياب آليات حقيقية لتصفية النخب، وغياب معايير دقيقة لضبط الانتقالات من فضاء المجتمع المدني إلى مواقع القرار السياسي. ففي ظل هشاشة بعض الأحزاب، وغياب الشفافية في انتقاء المرشحين، تصبح المؤسسات عرضة للاختراق من طرف "الانتهازيين الجدد"، الذين يوظفون واجهات جمعوية أو علاقات خارجية لتحقيق أهداف شخصية، قد تكون في بعض الأحيان على حساب المصلحة الوطنية. القضاء الإسباني يعطي دروسًا في الحوكمة فتح القضاء الإسباني لملف "آبالوس"، رغم وزنه السياسي السابق، يُظهر أن سيادة القانون أقوى من الحسابات الحزبية. وهو درس بليغ لكل من يراهن على الحصانة أو المكانة للهروب من المساءلة. وعلى النقيض، ما زالت بعض البلدان، ومنها المغرب، تتردد في مساءلة الفاعلين السياسيين، حتى في ظل شبهات واضحة أو تضارب مصالح صارخ. وهو ما يضعف ثقة المواطن في مؤسساته، ويعمّق الفجوة بين الحاكم والمحكوم. في الختام: لا سياسة دون أخلاق الواقعة تفتح الباب أمام ضرورة مراجعة عميقة لمنظومة صناعة القرار السياسي في المغرب، وتفرض العودة إلى الأسس التي تربط السياسة بالأخلاق والمحاسبة. فمنح الثقة يجب أن يُبنى على النزاهة والكفاءة، لا على العلاقات والمصالح، لأن ما قد يُعتبر نجاحًا لحظيًا قد يتحول لاحقًا إلى فضيحة مدوية تهزّ الثقة في المؤسسات بأكملها.