بقلم: محمد سلامي في زمن تعصف فيه رياح التطبيع في أكثر من بلد عربي، يصبح من الضروري التذكير بالتجارب النضالية التي وقفت، ولا تزال، في وجه هذا التيار الجارف. من بين الأصوات التي ما فتئت ترفع راية الرفض، يبرز اسم المناضل المغربي سيون أسيدون، الذي شكلت القضية الفلسطينية أحد الثوابت في مساره السياسي والإنساني، بوصفها قضية تحرر وكرامة إنسانية تتجاوز الحدود الجغرافية. التطبيع: خيانة متعددة الأوجه منذ انخراطه في التنظيم الماركسي "لنخدم الشعب" خلال أوائل السبعينيات، وضع أسيدون النضال ضد الاستبداد الداخلي في سياق أشمل، هو النضال ضد الصهيونية. لم يكن ذلك ترفًا فكريًا أو موقفًا شعاراتيًا، بل جاء من قناعة راسخة بأن تحرير فلسطين لا ينفصل عن تحرر الشعوب العربية من قبضة الأنظمة الرجعية والتبعية. هذا الالتزام العميق كلّفه أكثر من اثني عشر عامًا من الاعتقال داخل سجون النظام المغربي خلال السبعينيات والثمانينيات، في وقت كانت فيه الكلمة الحرة تؤدي بصاحبها إلى الزنازين، إن لم يكن إلى المقابر. أسيدون، من موقعه كيهودي مغربي، لا ينسى التواطؤ الذي حدث منذ بداية الستينيات بين الدولة المغربية والوكالة الصهيونية، التي عملت على تهجير آلاف اليهود المغاربة نحو الكيان الصهيوني، في إطار عملية تم فيها تحويل المواطنين إلى "رؤوس قطيع" تباع وتشترى. كان لكل فرد من الطائفة اليهودية "ثمن"، وكانت العملية برمتها صفقة سياسية واقتصادية بامتياز، ساهمت في تعزيز المشروع الاستيطاني على حساب القضية الفلسطينية. التطبيع الاقتصادي: استعمار بلا دبابات لكن أكثر ما يثير قلق أسيدون اليوم هو ما يسميه ب"الاستعمار الجديد"، حيث يأخذ التطبيع طابعًا اقتصاديًا وتقنيًا وعسكريًا لا يقل خطورة عن الاحتلال المباشر. الاتفاقيات الموقعة بين المغرب والكيان الصهيوني لا تقتصر على تبادل السفراء أو التطبيع الإعلامي والثقافي، بل تمتد لتشمل قطاعات حيوية كالفلاحة والتعاون الأمني. والأخطر من ذلك أن الأمن الغذائي للمغاربة أصبح مهددًا، بعدما أصبحت الفلاحة المحلية تعتمد بشكل متزايد على بذور مستوردة من إسرائيل، بعد أن كانت بلادنا قادرة على الاعتماد على إنتاجها المحلي دون الحاجة إلى استيراد الحياة من عدو يحتل أرضًا وشعبًا. هذا النموذج من التبعية ليس حكرًا على المغرب، بل هو جزء من استراتيجية صهيونية لإخضاع المنطقة عبر أدوات "السوق المفتوحة" و"الاستثمارات المشتركة"، التي تتحول مع الوقت إلى أدوات هيمنة. فحين تُربط الزراعة بالبذور الإسرائيلية، والأمن بالتكنولوجيا العسكرية الصهيونية، والاقتصاد بالاستثمارات المشبوهة، تصبح السيادة الوطنية مجرد وهم. التطبيع الأمني: الخطر الخفي أما التعاون الأمني، فهو الوجه الأكثر قتامة للتطبيع. فإسرائيل، التي تحتل الأرض الفلسطينية وتقمع شعبها يوميًا، تبيع اليوم للأنظمة العربية أدوات القمع نفسها تحت شعار "مكافحة الإرهاب". وهنا يبرز السؤال: كيف يمكن لدولة تحتل وتقتل أن تكون شريكًا في الأمن؟ الجواب بسيط: لأن التطبيع الأمني ليس سوى وسيلة لتحويل الأنظمة العربية إلى حراس للمشروع الصهيوني، مقابل بقائها في السلطة. المقاومة: الرفض ليس كافيًا ما يدعو إليه أسيدون، إذن، ليس فقط رفضًا أخلاقيًا للتطبيع، بل مقاومة سياسية واقتصادية شاملة، تعيد الاعتبار لفكرة التحرر الوطني ككل لا يتجزأ. فالتطبيع ليس نهاية المعركة، بل بداية مرحلة أخطر، تتطلب: وعيًا شعبيًا بكيفية تحويل التطبيع إلى أداة استعمارية. مقاطعة اقتصادية لكل المنتجات والشركات المتورطة في التطبيع. ضغطًا سياسيًا على الحكومات لوقف كل أشكال التعاون مع الكيان الصهيوني. تضامنًا عربيًا وعالميًا مع الشعب الفلسطيني، باعتبار أن قضيته هي قضية كل أحرار العالم. فالكرامة لا تُقايض، لا بالبذور، ولا بالسلاح، ولا بالوهم. والتاريخ سيسجل أن من تاجر بالقضية الفلسطينية، باع نفسه قبل أن يبيع الأرض