يعيش الكيان الصهيوني في الغرب وخاصة في أوروبا أحلك أيامه بشهادة أبرز الخبراء والمراقبين الموضوعيين المتتبعين للقضية الفلسطينية منذ بداياتها الأولى بعيدا عن اللغط الإعلامي والسياسي الرسميين. فرغم حملات التضليل على جميع المستويات، والتي خاضها اللوبي الصهيوني في العديد من الدول الديمقراطية بالغرب لتزييف الحقيقة التاريخية الثابتة ألا وهي الاحتلال ولا شيء سوى الاحتلال – ولو حاول الغالبية من المهرولين بالعالم العربي الإسلامي تسميته بغير مسمياته، كالخلط ما بين الحركة الصهيونية واليهودية…إلى غير ما هنالك من الأوصاف التي تكذبها الوقائع التاريخية أولا وأخيرا لما يزيد من قرن من الزمان منذ أول مؤتمر للحركة الصهيونية سنة 1897 ببازل السويسرية إلى اليوم – فالشيء الأكيد أن الحرب الإعلامية لتسويق صورة شرعية ومشروعة لهذا الكيان الغاصب قد فشلت فشلا ذريعا. ولا أدل على ذلك من الانتشار السريع للجرائم البشعة التي ارتكبها الساسة الصهاينة في حق الشعب الفلسطيني عبر الشبكة العنكبوتية وشتى مواقع التواصل الاجتماعي لتفضح كل المزاعم بإمكانية التعايش السلمي مع هذا النظام الإجرامي، ناهيك عن الكتابات والندوات والحوارات…للمثقفين والسياسيين الملتزمين ونشطاء حقوق الإنسان والصحفيين الذين لم يكتفوا فقط بكشف كل الأكاذيب التي تروجها الحركة الصهيونية عبر العالم، وإنما سافروا إلى فلسطين وتصدى الكثير منهم للجنود الصهاينة المدججين بالسلاح وللدبابات الإسرائيلية… نحن اذن أمام منعطف تاريخي خطير في تطور القضية الفلسطينية : لقد انحسر الدعم الذي كان الغرب المسيحي في أوروبا يقدمه لإسرائيل بفعل الوعي المتزايد للمواطن الأوروبي بعدالة القضية الفلسطينية. ولهذا السبب توجهت الماكينة السياسية لهذا الكيان الغاصب إلى وجهة أخرى : الدول العربية الإسلامية ! والمبدأ الدبلوماسي الذي يؤطر هذا الاتجاه الجديد هو المرادف التام للمثل المغربي : قبول أهل الدار بمسمار جحا ! وهكذا بدأت عملية التطبيع والجوقة الإعلامية المصاحبة لها في العالم العربي الإسلامي في شكل صف طويل للانتظار…إلى أن أتى الدور علينا نحن المغاربة! لكن الملاحظة التي يغفل عنها الكثيرون ممن عبروا عن رأيهم بخصوص المستجدات الأخيرة لقضية الصحراء والقضية الفلسطينية هو أن مسلسل التطبيع بالمغرب ليس وليد اليوم بل بدأ منذ ستينيات القرن الماضي، ولا داعي للتذكير بمختلف المحطات التي بصمت هذا التطبيع من التنسيق الأمني إلى التبادل الثقافي والاقتصادي والفلاحي والسياحي…بين المغرب وإسرائيل. الجديد هو أن هذا التطبيع أصبح رسميا هذه المرة. يبقى السؤال التالي : ما علاقة الصحراء المغربية بكل هذا؟ لا يتعلق الأمر بمقايضة سياسية أو بعملية الهاء للرأي العام أو ذر للرماد على العيون أو…ولكن الأمر أكبر وأخطر بكثير من ذلك. إنها الحقائق التي يهرب منها الجميع..إنها الأسئلة المحرجة التالية : 1 – كيف ساهمت الأنظمة السياسية العربية الإسلامية في زرع وبقاء وتقوية الكيان الصهيوني بالمنطقة؟ 2 – ما نوع العلاقة العضوية والوظيفية التي تجمع النخب السياسية الحاكمة بهذا الكيان الدخيل؟ 3 – ما مدى مساهمة هذا الكيان الغاصب في بقاء هذه الأنظمة الاستبدادية الجاثمة منذ قرن فوق صدور الشعوب العربية الإسلامية؟ بتعبير آخر، فمتغيرات المعادلة السياسية للقضية الفلسطينية في العالم الغربي تنحو بشكل تصاعدي نحو الحل والاستقلال. وان كان من تهديد حقيقي في المستقبل لتحرر الشعب الفلسطيني من الاستعمار الصهيوني فلن يأتي إلا من..العالم العربي الإسلامي! فليختر كل واحد منا صفه من الآن لأن التاريخ لا يرحم!