الصندوق المغربي للتقاعد ينضم إلى برنامج "داتا ثقة" لحماية المعطيات الشخصية    مندوبية التخطيط: 83,6 فالمية من الأسر المغربية صرحات بارتفاع مستوى "البطالة" عام 2024    وزير : قطاع الطيران .. الحكومة ملتزمة بدعم تطوير الكفاءات    قبل مونديال 2030.. الشركات البرتغالية تتطلع إلى تعزيز حضورها في السوق المغربية    السلطات الجزائرية تحتجز بعثة نهضة بركان بمطار الهواري بومودين بسبب خريطة المغرب    لقاو عندهوم فلوس كثيرة فاتت مليون ونصف مليون درهم.. توقيف بزناسة فالشمال كيبيعو لغبرا (صورة)    نشرة إنذارية…زخات مطرية قوية وهبات رياح قوية مرتقبة غدا السبت بعدد من مناطق المملكة    كان واعر في الأدوار الدرامية.. وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني وفعمرو 81 عام        محاكمة طبيب التجميل التازي ومن معه.. النيابة العامة تؤكد ارتكاب جريمة "الاتجار في البشر"        توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    طغى عليه الغياب واستحواذ الأغلبية على مقاعد الأمناء والمحاسبين : انتخاب مكتب مجلس النواب    ردّا على المسرحية الإيرانية.. إسرائيل تطلق صواريخ بعيدة المدى على مدينة أصفهان    مجلس النواب يعقد جلسة عمومية لاستكمال هياكله    طنجة .. توقيف ثلاثة أشخاص لإرتباطهم بشبكة إجرامية تنشط في المخدرات    ميراوي: أسبوع يفصل عن إعلان سنة بيضاء وبرلمانيون يناشدونه التراجع عن القرارات تأديب طلب الطب    في تقليد إعلامي جميل مدير «الثقافية» يوجه رسالة شكر وعرفان إلى العاملين في القناة    جمال الغيواني يهدي قطعة «إلى ضاق الحال» إلى الفنان عمر السيد    الطريق نحو المؤتمر ال18..الاستقلال يفتح باب الترشح لعضوية اللجنة التنفيذية    الهجمات على إيران "تشعل" أسعار النفط    فيتو أميركي يٌجهض قرار منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة    صورة تجمع بين "ديزي دروس" وطوطو"..هل هي بداية تعاون فني بينهما    منظمة الصحة تعتمد لقاحا فمويا جديدا ضد الكوليرا    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    العصبة الاحترافية تتجه لمعاقبة الوداد بسبب أحداث مباراة الجيش    باستثناء الزيادة.. نقابي يستبعد توصل رجال ونساء التعليم بمستحقاتهم نهاية أبريل    وزيرة : ليبيريا تتطلع إلى الاستفادة من التجربة المغربية في مجال التكوين المهني    المدير العام لمنظمة "FAO" يشيد بتجربة المغرب في قطاعات الفلاحة والصيد البحري والغابات    التراث المغربي بين النص القانوني والواقع    السودان..تسجيل 391 حالة وفاة بسبب الاصابة بمرضي الكوليرا وحمى الضنك    أخْطر المُسَيَّرات من البشر !    سوريا تؤكد تعرضها لهجوم إسرائيلي    ورشة في تقنيات الكتابة القصصية بثانوية الشريف الرضي الإعدادية بجماعة عرباوة    مهرجان خريبكة الدولي يسائل الجمالية في السينما الإفريقية    لوسيور كريسطال تكشف عن هويتها البصرية الجديدة    "قتلوا النازحين وحاصروا المدارس" – شهود عيان يروون لبي بي سي ماذا حدث في بيت حانون قبل انسحاب الجيش الإسرائيلي    الدكيك وأسود الفوتسال واجدين للمنتخب الليبي وعينهم فالرباح والفينال    ضربات تستهدف إيران وإسرائيل تلتزم الصمت    تفاصيل هروب ولية عهد هولندا إلى إسبانيا بعد تهديدات من أشهر بارون مخدرات مغربي    بعد نشر سائحة فيديو تتعرض فيه للابتزاز.. الأمن يعتقل مرشد سياحي مزور    مليلية تستعد لاستقبال 21 سفينة سياحية كبيرة    تقرير يُظهر: المغرب من بين الوجهات الرخيصة الأفضل للعائلات وهذه هي تكلفة الإقامة لأسبوع    واش اسرائيل ردات على ايران؟. مسؤولوها اكدو هاد الشي لصحف امريكية واعلام الملالي هدر على تصدي الهجوم ولكن لا تأكيد رسمي    المغاربة محيحين فأوروبا: حارث وأوناحي تأهلو لدومي فينال اليوروبا ليگ مع أمين عدلي وأكدو التألق المغربي لحكيمي ودياز ومزراوي فالشومبيونزليك    "الكاف" يحسم في موعد كأس إفريقيا 2025 بالمغرب    خطة مانشستر للتخلص من المغربي أمرابط    بيضا: أرشيف المغرب يتقدم ببطء شديد .. والتطوير يحتاج إرادة سياسية    نصف نهائي "الفوتسال" بشبابيك مغلقة    الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم يطالب بفرض عقوبات على الأندية الإسرائيلية    "قط مسعور" يثير الرعب بأحد أحياء أيت ملول (فيديو)    الانتقاد يطال "نستله" بسبب إضافة السكر إلى أغذية الأطفال    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (6)    الأمثال العامية بتطوان... (575)    وزارة الصحة تخلد اليوم العالمي للهيموفيليا    هاشم البسطاوي يعلق على انهيار "ولد الشينوية" خلال أداء العمرة (فيديوهات)    الأمثال العامية بتطوان... (574)    خطيب ايت ملول خطب باسم امير المؤمنين لتنتقد امير المؤمنين بحالو بحال ابو مسلم الخرساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صالح هاشم يكتب في "الشرق الاوسط" عن: "عابد الجابري مرئيا من فرنسا"
نشر في مغارب كم يوم 08 - 05 - 2010

على الرغم من بعض نقاط الاختلاف مع الدكتور محمد عابد الجابري، فإنني شعرت بحزن عميق لدى سماعي بخبر وفاته. وقد فوجئت برحيله المبكر نسبيا. والسبب هو أن عدد المفكرين المهمين الذين شغلوا الأجيال العربية إلى مثل هذا الحد ليس كبيرا. إنهم يعدون على أصابع اليد الواحدة أو اليدين. يضاف إلى ذلك أنه لم يكن معمرا جدا: خمس وسبعون سنة فقط. كان شبحه، رحمه الله، يخيم على الفكر العربي منذ ثمانينات القرن الماضي، تماما مثل حسن حنفي، أو عبد الله العروي، أو محمد أركون، أو هشام جعيط، أو جورج طرابيشي، أو جابر عصفور، أو نصر حامد أبو زيد، أو رضوان السيد، إلخ. وربما شعر العرب وليس فقط المغاربة بأنهم أصبحوا يتامى إلى حد ما بفقدانه. فالمفكرون الكبار قليلون في التاريخ. من هنا الفراغ والحزن الذي يخلفونه وراءهم عندما يغيبون. المفكرون كنجوم السماء عندما يتساقطون ينحسر النور قليلا وتزداد حلكة الظلام اتساعا. والعالم الإسلامي ليس بحاجة إلى ظلام إضافي.. ففيه من الظلام والظلاميين ما يكفي المعمورة كلها! من هنا ألمنا لخسران الجابري في هذه اللحظة بالذات.
أقول ذلك على الرغم من أني عبرت عن اختلافي مع مشروعه أكثر من مرة. فأنا - كما يعلم الجميع - من أتباع مشروع نقد العقل الإسلامي لا نقد العقل العربي. لماذا؟ لأنه لا يوجد شيء اسمه عقل عربي، أو تركي، أو فارسي، أو باكستاني، أو حتى فرنسي أو ألماني أو أميركي. العقل البشري واحد في نهاية المطاف، ولكنه يمر بمراحل مختلفة من التطور والنضج. فهناك العقل الذي يهيمن عليه اللاهوت الديني التقليدي ويتحكم به، وهناك العقل الذي تحرر من هذا اللاهوت الديني بقدرة قادر. بهذا المعنى فإن العقل العربي أقرب إلى العقل التركي أو الفارسي أو الباكستاني أو الإسلامي عموما، من العقل الأوروبي أو الأميركي الذي تعلمن وتحرر من قيود القرون الوسطى ولاهوتها إلى حد كبير. على هذا الأساس، أو على هذا المحك، تُحاكم العقول. بهذا المعنى فإنه يوجد عقل ديني أو لاهوتي قروسطي يمثل مرحلة سابقة من مراحل البشرية. ويوجد عقل علمي أو فلسفي حديث يمثل المرحلة اللاحقة. والحزّ الفاصل بينهما يشكل قطيعة الحداثة. لنقل باختصار شديد إن هناك قطيعة ابيستمولوجية، أي معرفية عميقة، تفصل بين عقلية العصور الوسطى، وعقلية العصور الحديثة. هذا لا يعني إطلاقا أن الدين انتهى في عصر الحداثة أو ينبغي أن ينتهي.! أبدا لا. فالدين سوف يبقى لحسن الحظ: ولكن مستنيرا، مشرقا، حرا. لا إكراه في الدين. وكل ذلك بفضل تأويله الجديد الذي سوف يصبح عقلانيا وفلسفيا عميقا على عكس العصور السابقة، حيث كان انغلاقيا، مذهبيا، ضيقا. بول ريكور، أحد كبار فلاسفة فرنسا، كان مؤمنا وفيلسوفا في الوقت ذاته. ولكنه إيمان الفلاسفة الراسخين في العلم بطبيعة الحال، لا إيمان الجهلة والمتعصبين التكفيريين. ما أحوجنا إلى فلسفة الدين في هذه الأيام أو إلى المصالحة بين الدين والفلسفة.
والواقع أن الجابري ينتقد العقل السلفي القديم المسيطر علينا والذي هو سبب جمودنا وتخلفنا. إنه ينتقده في كتبه المتتالية المكرسة لنقد العقل العربي. من هنا سر إعجابه بالفارابي وابن رشد ودعوته إلى الفهم العقلاني للتراث كحل أخير. وهنا تكمن نقطة الاتفاق معه والإعجاب به. نقول ذلك على الرغم من نواقص المشروع من الناحيتين المنهجية والابيستمولوجية. ولكن ليس هذا وقت التحدث عن النواقص وإنما فقط التركيز على الإيجابيات. فلماذا إذن سماه نقد العقل العربي وليس نقد العقل الديني أو الإسلامي كما فعل أركون؟ لسبب بسيط هو أنه يعيش في مجتمع إسلامي ويدرس في جامعة عربية لا أجنبية. كما أنه يكتب بالعربية لا بالفرنسية أو الإنجليزية. وبالتالي فهامش حريته يظل محدودا أيا تكن عبقريته.. من هنا نتفهم موقفه ونحترمه. فأنت لا تستطيع أن تطالبه بأكثر مما يستطيع إعطاءه ضمن ظروف صعبة ومراقبة مخيفة من المجتمع والشارع الأصولي. ومعلوم أن المتشددين هاجموه أكثر من مرة. ومن يفكر ويكتب على ضفاف السين أو التايمز، غير من يكتب ويفكر على ضفاف النيل أو الفرات أو أبو رقراق!.. نحن أيضا لم نتجرأ على تسمية مشروع أركون باسمه الحقيقي إلا مؤخرا. كنا نخشى دائما رد فعل إخواننا السلفيين أو الأصوليين. ولذا بعد ثلاثين سنة من الترجمة تجرأت على نشر كتاب لأركون تحت عنوانه الحقيقي: نحو نقد العقل الإسلامي.
أيا يكن من أمر فإن الأستاذ الجابري حظي بعناية الفرنسيين أكثر من سواه من المثقفين العرب الذين يكتبون بالعربية فقط. فالعديد من كتبه ترجمت إلى لغة فولتير وموليير مؤخرا. نذكر من بينها بالإضافة إلى أطروحته عن ابن خلدون: مدخل إلى نقد العقل العربي (منشورات لاديكوفيرت. باريس. 1995)، أو: العقل السياسي في الإسلام بالأمس واليوم (منشورات لاديكوفيرت.باريس. 2007). وأما مرجعياته الأجنبية فكانت فرنسية في معظمها كسائر مثقفي المغرب العربي: باشلار، بياجيه، فوكو، ليفي ستروس، الخ. هذا بالإضافة إلى المستشرقين الكبار. رحم الله محمد عابد الجابري رحمة واسعة. وشكرا له على الخدمات الجليلة التي قدمها للفكر العربي بغية تحريره الصعب من تراكمات الماضي وعتمات القرون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.