هناك أمزجة تميل إلى التسلط والهيمنة والإحساس بالعظمة والتفوق الوهمي، وهكذا كما يقول أحد الكتاب يرفض الحاكم المستبد المشورة في سلوكه السياسي،والبائع الغشاش لا يحب الجدل حول التكاليف ونسب الربح الشرعية، والمحامي الذي يخدع وكيله لا يرحب بتوضيح النصوص القانونية ويفضل بقاء الأمور ضمن دائرة الغموض، والسارق يتهرب عندما يسائله أحد في كيفية تجميع ثروته، والتلميذ الكسول غير المجتهد يتفادى السؤال حول واجباته ودروسه.. وبمعنى آخر فكل من يرتكب في الخفاء أفعالا غير مرغوب فيها، يتجنب الحديث عنها ويغلق باب النقاش حتى لا ينكشف أمره، وكي لا تسقط ورقة التوت التي تستر عورته.. مثل هذا الشخص مصاب دون شك بفيروس (البارانويا)، لايكف عن إيذاء الآخرين عن طريق فرض رأيه وفكره ومزاجه وذوقه،.. يريد أن تكون قناعاته مثل ماكينة “الفوطوكوبي” التي تفرخ النسخ المتشابهة والمكرورة وأحيانا المشوهة والرديئة، قد يحدث هذا في حالة الزوج مع زوجته وأم أولاده أو في حالة الأستاذ مع تلميذه أو في حالة الرئيس مع مرؤسيه، أو في حالة الابن الأكبر مع إخوته الصغار، وهلم جرا من حالات كثيرة ومتنوعة، نصادفها في حياتنا اليومية،ونعيشها إن المريض بالبارانويا يسد جميع المنافذ أمام كل نقاش حر وصريح ويفرض اللون الذي يحب أو المزاج الذي يروقه.. ويواجه كل رأي مخالف بالتأفف والتعنيف أحيانا، إنه شخص عصابي يتصور نفسه أكبر من أن يجادله أحد،..إذ يعتبر أن رأيه و فكره هو الفيصل الحاسم، وأنه هو فصل المقال، وان كل ما عداها مجرد أوهام وآراء غير ناضجة.. لا بد إذن أن نراجع ما نحمل في أدمغتنا من تصورات تأثرت بطبيعة تربيتنا الأولى في الأسرة والمدرسة والمجتمع.. وأن نكف عن إيذاء بعضنا البعض عن طريق فرض الفكر الواحد واللون الواحد.. لكل واحد منا قناعاته وتلزمه هو وليست قناعة مفروضة على جميع الناس، ولكل رأس “طناطنها”وكل يعمل على شاكلته كما يعلمنا القرآن الكريم ولغة الحوار في القرآن الكريم أقوى دليل على اعتبار حرية التفكير والمستقل، والمزاج المستقل.. والجدل أو الحوار ضرورة لكل صيرورة تاريخية كما يؤكد أحد الفلاسفة... وفرض الرأي الواحد هو طريق إلى الكبت والقمع والكبت ليس هو سوى الضغط يولد الانفجار... اختلفوا تزدهر الدنيا بوجوهكم، فالاختلاف رحمة.. ففي البدء كان الحوار. فمتى نعترف أن التنوع في الكون هو القاعدة، وأن اللون الواحد والرأي الواحد والمزاج الواحد هو الشذوذ؟ أيها الناس... لكل واحد منا قناعاته، ولكنها قناعاته هو، وليست قناعة مشتركة مكررة مفروضة على كل الناس. ولكل منا مزاجه، ولكنه مزاجه هو، فلا يجوز فرضه على الآخرين واعتبار حرية التفكير المستقل، والمزاج المستقل، والقناعة المستقلة خروجا على النص يعاقب عليه القانون... اختلفوا تزدهر الدنيا بوجوهكم.. مارسوا محبة الألوان دون احتكار لون واحد، والأفكار دون فكرة واحدة..