لم تكن محض صدفة أن تطلق ساكنة مدينة تطوان العامرة ، في الزمن الجميل ،اسم "عقبة الحلوف" على العين المائية الكائنة بجوار "غرسة جنان بريشة" بالحي الذي أطلقت عليه السلطة فيما بعد اسم "المحنش الثاني". ودلالة هذا الاسم "عقبة الحلوف" ،تفيد أن هذه المنطقة الغابوية كانت بيئة زاخرة بالوحيش والطير والسلحفاة والفراشة الزاهية الألوان والثعلب والذئب والخنزير والحجل وأسراب الإوز وطائر السمان والأرنب البري ، كانوا كلهم يرتعون في تلك الأحراش الخضراء ، يشربون الماء العذب الزلال الذي يتدفق رقراقا صافيا من الصخور الكلسية لهضبة غرسة دار بريشة. لكن كما قال الشاعر" أبو البقاء الرندي" لكل شي إذا ما تم نقصان ،لذا فهذا الجمال الخلاب والطبيعة القشيبة ما كان لها أن تدافع عن نفسها أمام جبروت المال والطمع، وسحت العقار، فتكالب وتحالف رهط من ضعاف النفوس من أفراد المجتمع التطواني المحلي، مع الموظف البيروقراطي الوافد من مدن الداخل المغربي الذي كان هاجسه مراكمة الثروة في الشمال ،والنازح القروي، محدث النعمة ،القادم بأموال المخدرات من قرى نبتة الكيف الملعونة ،فكانت الطبيعة الخضراء المحيطة بجنان بريشة هي الضحية المفترضة لهذا التكالب الثلاثي الهدام. كانت البداية عندما تمت إقامة تجزئة حي المحنش الثاني ،وكلية العلوم ولم يقترب لوبي العقار من عين جنان بريشة لأن القطع الأرضية كانت متوفرة وتمنحها البلدية التي كان يقودها حزب يرفع شعارات الاشتراكية، للحواريين والأتباع وبعض المعلمين المنتسبين لحزب المطرقة والمنجل. لكن بعد أن ضاقت بهم الأرض بما رحبت ، ونفذت القطع الأرضية بعقبة "الحلوف" بسبب سياسة البناء الأفقي الذي كان ولازال ينهجه المغرب ،وهي سياسة خطيرة تؤدي إلى هدر الوعاء العقاري والزحف نحو السهول وأراضي الغابات كما حدث في حي "الطوابل" وبوجراح وعين ملول وسهل مرتيل وسهل الملاليين وسهل بنب معدان واللائحة طويلة ،حيث ولى لوبي العقار وجهه شطر أخر بقعة خضراء بحي المحنش الثاني بعين جنان بريشة، رغم حمولتها الرمزية والتاريخية. هذه المرة تم منح الرخص الباطلة وفتح هذه الهضبة الكلسية التاريخية أمام فيروس العقار في عهد السلطة المحلية الملتحية التي يقودها الحزب الديني العدالة والتنمية ،وهذا دليل قاطع أن تخريب البيئة وقتل الخضرة وتدمير المعالم الطبيعية للمدينة هي جريمة مشتركة تتم بالتواطؤ مهما كان اللون السياسي المتحكم في مقاليد المؤسسة البلدية. ان الصور المأخوذة من عين المكان والتي تظهر حجم الزحف المدمر للاسمنت المسلح والحديد وعمارات عبارة عن صناديق إسمنتية، كلها تؤكد أن مدينة تطوان لم تجد من يدافع عنها في وجه الجشع العقاري، هذا الجشع لا يهمه أن يبيع مستقبل أبنائه وأحفاده ومستقبل المدينة، ولا يتورع أن يبني الاقامات السكنية فوق قبور الآباء والأجداد مقابل الدرهم. هذه الصور تعرضها بريس تطوان للذكرى والتاريخ، وهي صور توثق لبضعة شجرات وسياج قصب يكاد ينقض وعشب لا زال يقاوم ضراوة القتل والدمار العقاري، لأنه من الحتمي جدا أنه حتى تلك الشجرات ستختفي وستعوضها عمارات الاسمنت وهكذا ستباد عين غرسة بريشة، كما أبيدت العديد من المعالم الطبيعية والرأسمال الرمزي والطبيعي لمدينة الحمامة البيضاء.