مع ارتفاع درجات الحرارة واقتراب فصل الصيف، تتصاعد المخاوف الصحية بالمغرب من خطر التسممات الناتجة عن لسعات العقارب ولدغات الأفاعي، خاصة في المناطق القروية وشبه القروية التي تشهد انتشارا موسعا لهذه الكائنات. ورغم الاستراتيجية الوطنية لمواجهتها ما زالت الأرقام المسجلة سنويا تشير إلى تحديات ميدانية حقيقية تتطلب تعزيز الجهود الوقائية والتنسيق المؤسساتي. وفي هذا الصدد أوضح حميد رشيل خبير بيئي، أن العقارب والثعابين تعد من الكائنات السامة التي تتنوع أصنافها وسلوكها البيئي. فالعقارب تنتمي إلى رتبة العناكب ويتجاوز عدد أنواعها 2500 نوع، منها 50 صنفا بالمغرب، 22 منها مصنفة كخطيرة وتختبئ العقارب نهارا في الشقوق لتخرج ليلا باحثة عن فرائسها. في المقابل، تنتمي الثعابين إلى الزواحف ويتراوح عدد أصنافها بالمغرب بين 18 و20 صنفا وتستخدم السم أو الضغط لخنق فرائسها. بين رشيل، أن التغيرات المناخية وتوسع الجفاف ساهما في خلق ظروف بيئية مواتية لتكاثر هذه الكائنات. فالحرارة المرتفعة تؤدي إلى تنشيط حركتها، ودفعها إلى الاقتراب من المناطق المأهولة بالسكان بحثا عن الظل والماء ما يزيد من فرص الاحتكاك بالسكان خاصة في فصل الصيف. كما اعتبر أن الزحف العمراني العشوائي أدى إلى تقليص المساحات الطبيعية، وجعل التجمعات السكنية مجاورة لمواطن العقارب والثعابين، وهو ما أدى إلى ارتفاع عدد الحوادث المسجلة. كما أن التخلي عن استعمال المواد الطبيعية الطاردة مثل القطران والقرفة، ساهم في تسهيل دخول هذه الكائنات للمنازل. أشار رشيل إلى أن التساقطات المطرية خلال فصل الشتاء وبداية الربيع ساعدت في نمو الغطاء النباتي، ما وفر بيئة مثالية لتكاثر العقارب والأفاعي خصوصا في المناطق القروية والريفية وأطراف المدن، مما ينبئ بصيف خطير على المستوى الصحي. وأوضح أن المغرب أطلق استراتيجية وطنية ترتكز على أربعة محاور رئيسية هي: الوقاية، والتكفل الطبي، والمراقبة الوبائية، والتوعية المجتمعية. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى تقليص عدد الوفيات المرتبطة بالتسممات، من خلال تعزيز التدخلات الميدانية والاستباقية. كما كشف رشيل أن المغرب يسجل سنويا أكثر من 25000 حالة لسعة عقرب، وما يزيد عن 350 حالة تسمم بلدغات الأفاعي. ورغم تراجع نسب الوفيات في السنوات الأخيرة، فإن الإحصائيات تبرز استمرار الخطر، وهو ما يستدعي مراجعة حقيقية في مستوى الجاهزية. ونبه المتحدث ذاته، إلى أن هذا الخطر يتفاقم بسبب نقص الأمصال، وغياب سيارات الإسعاف في بعض المناطق، وضعف تجهيز بعض المراكز الاستشفائية، إلى جانب صعوبة الولوج إلى العلاج في المناطق الوعرة، وغياب التنسيق المؤسسي الشامل بين مختلف المتدخلين. زفي هذا الصدد، دعا رشيل إلى تعزيز الإجراءات الوقائية عبر برمجة حملات تحسيسية شاملة، وتوفير سيارات إسعاف ومستوصفات متنقلة، ورش أماكن انتشار العقارب والأفاعي بمواد طاردة، مع إشراك السكان المحليين في برامج التوعية وتدبير المخاطر. و شدد على ضرورة التزام السكان وزوار المناطق المهددة ب مجموعة من السلوكيات الوقائية، منها تجنب الجلوس بجانب الصخور، وفحص الملابس والأحذية قبل ارتدائها، وعدم ترك الأغذية مكشوفة، وغلق الشقوق والنوافذ، وتفادي النوم في العراء أو على الأرض. كما أوصى رشيل باتباع خطوات دقيقة في حال الإصابة ب لسعة عقرب أو لدغة أفعى، تبدأ بالاتصال الفوري بمركز محاربة التسمم، وتهدئة المصاب، وتجنب تحريك العضو المصاب أو ربطه، مع الامتناع عن استخدام وصفات شعبية أو أدوية غير موصوفة. كما نصح بتسجيل تطورات الانتفاخ ونقل المصاب بسرعة إلى أقرب مركز صحي. اعتبر الخبير البيئي حميد رشيل أن مواجهة هذا الخطر الموسمي تتطلب مقاربة شمولية تتجاوز العمل الموسمي، وتقوم على التنسيق بين القطاعات الصحية والبيئية والتعليمية والمجتمعية، لضمان استجابة فعالة ووقاية مستدامة للمواطنين في جميع جهات المملكة.