في تصريح صريح ومباشر، وجه عبد الرزاق الشابي، الكاتب العام لجمعية سوق الجملة للخضر والفواكه بمدينة الدارالبيضاء، اتهامات ثقيلة لمجموعة من المراكز التجارية الكبرى، مؤكدا أن أسعار الفواكه الموسمية تعرف ارتفاعا غير مبرر ولا يستند إلى أي معطى موضوعي أو واقعي داخل السوق. وأوضح أن هذا الغلاء لا يعكس بتاتا الوضع الحقيقي لوفرة السلع ولا يرتبط بأي ندرة أو أزمة إنتاج، بل يرجع بالأساس إلى اختلالات في مسار التوزيع، وتهاون الجهات المعنية بمراقبة الأسعار وضبط الجودة ما فتح الباب على مصراعيه أمام فوضى سوقية تضرب القدرة الشرائية للمواطن المغربي البسيط، خاصة مع حلول فصل الصيف حيث يزداد الإقبال على الفواكه الطازجة. شدد الشابي على أن الحديث عن ارتفاع مبرر في أسعار الفواكه لا يصمد أمام المعطيات الواقعية التي رصدتها الجمعية من داخل سوق الجملة، وأوضح أن السوق في الوقت الراهن يعرف وفرة كبيرة في الفواكه الموسمية، وهي وفرة لا تقتصر فقط على النوع، بل تمتد أيضًا إلى الجودة والكميات المتاحة. وسرد قائمة طويلة من الفواكه التي تغمر السوق، بدءا من الخوخ، الشهدية، البرقوق بنوعيه، والعنب الأبيض والأسود، وصولا إلى السويهلة، الحب الملوك، المهاية، والدلاح، إضافة إلى المشمش الذي يشارف موسمه على الانتهاء، وأنواع أولى من التفاح الصيفي التي بدأت في الظهور. وأضاف أن هذه الفواكه تعرض بشكل يومي بكميات وفيرة، وأن أسعارها تختلف فقط حسب الجودة ومصدر الإنتاج، لكنها عموما تبقى منخفضة إلى حد كبير مقارنة بما يروج خارج السوق. وأكد أن الأسعار تشهد تقلبا بسيطا من ساعة إلى أخرى تبعا لحركة العرض والطلب وليس بسبب نقص في الكميات أو ارتفاع في كلفة الإنتاج كما يروج له البعض. أفاد الشابي أن تفاوت الأسعار بين سوق وآخر لا يعود إلى الجشع أو المضاربة فقط، بل يرتبط أحيانا باختلاف مصدر الفاكهة وجودتها الطبيعية. فالخوخ مثلا، كما أوضح، يعرض بأسعار تتراوح ما بين 10 و12 درهما، وقد ينخفض السعر أو يرتفع تبعا لعدة عوامل منها نظافة الثمرة نضجها، لونها، وصلابتها، والمنطقة المنتجة. وأشار إلى أن الخوخ والشهدية القادمة من منطقة مكناس تعد من أجود الأنواع المطروحة حاليا، لما تعرف به هذه المنطقة من ظروف مناخية مثالية تنتج فواكه ذات مذاق مركز وجودة عالية. في المقابل، بين أن فواكه الجبل خصوصا القادمة من نواحي صفرو، لم تدخل بعد إلى السوق رغم شهرتها العالية. أما فواكه الغرب، فأوضح أنها بدأت في الترويج، إلا أن جودتها تبقى دون ما تنتجه مكناس، وهو ما يعكس فرق السعر في بعض الحالات. انتقل الشابي إلى نقطة محورية في حديثه، وهي الفجوة العميقة بين الأسعار داخل سوق الجملة وتلك التي تعرض بها نفس السلع داخل المراكز التجارية الكبرى. وأوضح أن الجمعية قامت بزيارات ميدانية شملت المحيط القريب من سوق الجملة وبعض الفضاءات التجارية الكبرى ورافقها في ذلك ممثلون عن السلطات المحلية، للوقوف على الأسعار الحقيقية المعتمدة. وقال: "ما وقفنا عليه كان صادما إذ أن الأسعار في بعض الفضاءات التجارية تضاعفت بشكل مبالغ فيه، ووصلت في بعض الحالات إلى ثلاثة أضعاف ثمن الجملة"، وأشار إلى أن هذه الزيادات لا تطال فقط الفواكه، بل تشمل أيضا أصنافا من الخضر، وعلى رأسها الليمون، الذي يباع في بعض هذه المتاجر بأثمنة غير منطقية وغير مرتبطة بأي تطور في العرض أو الطلب، وأردف قائلا: "الأمر أصبح تجارة مغشوشة تمارس علنا، ولا يمكن السكوت عنها، لأنها تسيء لصورة السوق المغربي وتضرب جيب المواطن من دون أي مبرر". حمل الشابي بشكل مباشر الدولة والجهات المعنية مسؤولية ما أسماه "الفراغ الرقابي" الذي شجع على هذه الاختلالات، وأوضح أن القسم الاقتصادي، الذي كان يعتبر في السابق رادعا قويا لمثل هذه الممارسات لم يعد يقوم بأي دور فعلي بفعل قانون تحرير الأسعار الذي قلص من صلاحياته التنفيذية. وقال إن هذا القسم كان يراقب بدقة أسعار البيع بالتقسيط، ويضبط حركية السوق من حيث الجودة والكمية والثمن، لكنه اليوم أصبح غائبا تماما عن المشهد، وأضاف: "الغياب الكلي لهذا الجهاز الرقابي ساهم في إطلاق العنان للمضاربة، وأفقد المواطن الثقة في آليات حماية المستهلك، التي يفترض أن تكون حاضرة بقوة في مثل هذه الظروف الموسمية الحساسة". وختم الشابي حديثه بالتطرق إلى الإشاعات التي تم ترويجها في الآونة الأخيرة، حول وجود حشرات أو ديدان في بعض أنواع الفواكه، وأكد أن الجمعية لم تسجل أي حالة مماثلة، وأن السوق الداخلي يُخضع جميع السلع لرقابة صارمة، وأوضح أن هناك تنسيقا دائما بين إدارة السوق والجمعية، ويتم تحرير محاضر فورية في حال ثبوت أي تلاعب أو عرض لسلع غير صالحة، مشيرا إلى أن أي منتج يثبت أنه غير قابل للاستهلاك، يعرض مباشرة على الإتلاف دون تردد. وختم بقوله: "نشتغل في إطار واضح، من أجل حماية صحة المواطن أولا، وتثبيت الثقة في سوق الجملة كمصدر موثوق وأساسي للمنتجات الفلاحية المغربية".