تشهد عدد من مناطق المغرب خلال شهري يوليوز وغشت موجات حرارة شديدة تعرف محليا بظاهرة "الصمايم"، وهي ظاهرة مناخية موسمية تتسم بارتفاع مفاجئ ومفرط في درجات الحرارة، مصحوب بجفاف في الهواء وهبوب رياح حارة وجافة قادمة من الشرق تُعرف ب"الشرقي" أو "السيروكو". هذا الوضع المناخي المتطرف يؤثر بشكل مباشر على الإنسان والمنظومات البيئية، ويعيد طرح إشكالية التكيف المناخي وفعالية السياسات العمومية في التخفيف من تداعيات التغيرات المناخية التي باتت تمس المغرب بحدة متزايدة. أكد الخبير البيئي مصطفى بنرامل، أن عددا من مناطق المغرب تشهد خلال شهري يوليوز وغشت موجات حرارة شديدة تعرف محليا بظاهرة "الصمايم"، وهي ظاهرة مناخية موسمية تتسم بارتفاع مفاجئ ومفرط في درجات الحرارة، مصحوب بجفاف في الهواء وهبوب رياح حارة وجافة قادمة من الشرق تعرف ب"الشرقي" أو "السيروكو". وأبرز أن هذا الوضع المناخي المتطرف يؤثر بشكل مباشر على الإنسان والمنظومات البيئية، ويعيد طرح إشكالية التكيف المناخي وفعالية السياسات العمومية في التخفيف من تداعيات التغيرات المناخية التي باتت تمس المغرب بحدة متزايدة. وأوضح بنرامل، في تصريح ل"رسالة24″، أن آثار "الصمايم" تمتد لتشمل المناطق الداخلية وشبه الجافة، وعلى رأسها جهات فاسمكناس، بني ملالخنيفرة، درعة تافيلالت، وأجزاء من سوس والجنوب الشرقي، في حين تخف حدة الظاهرة في المناطق الساحلية بفضل تأثير التيارات البحرية. وتتميز هذه الظاهرة بحرارة تتجاوز أحيانا 45 درجة مئوية، مصحوبة بانخفاض ملحوظ في نسبة الرطوبة ما يؤدي إلى جفاف التربة والنباتات وتزايد الإحساس بالإرهاق الحراري لدى السكان خاصة الفئات الهشة كالأطفال والمسنين والنساء الحوامل. وأشار بنرامل، إلى أن هذه الموجات الحارة ترجع لتفاعل عدة عوامل مناخية وجغرافية أبرزها تأثر المغرب بكتل هوائية حارة وجافة قادمة من الصحراء الكبرى، وغياب تأثير التلطيف البحري عن المناطق البعيدة عن السواحل، إضافة إلى سيادة مرتفعات جوية شبه استوائية تزيد من الاستقرار الحراري وتمنع تشكل الغيوم. كما تساهم التضاريس المغلقة لبعض المناطق الداخلية في احتباس الحرارة ومنع التهوية الطبيعية مما يؤدي إلى تراكم درجات الحرارة في السهول والوديان. وبين بنرامل، أن المعطيات العلمية أظهرت تزايد حدة هذه الظاهرة خلال السنوات الأخيرة بسبب تغير المناخ، حيث سجلت درجات حرارة قياسية تجاوزت 48 درجة مئوية في بعض المناطق، وارتفع عدد الأيام الحارة خلال الصيف وازدادت فترات موجات الحر من حيث التكرار والمدة في انسجام مع توقعات ارتفاع المتوسطات الحرارية العالمية. وتعد "الصمايم" إحدى أقوى تجليات هذا الإحترار في السياق المغربي خاصة في ظل هشاشة النظم المائية والزراعية والصحية في المناطق المتأثرة. ولفت بنرامل، إلى أن هذه الموجات تؤثر أيضا على الموارد المائية من خلال التسريع في تبخر المياه من السدود والأنهار والفرشات المائية، وانخفاض منسوب المياه الجوفية بسبب الطلب المتزايد على الماء من أجل السقي والشرب. وتساهم كذلك في خلق أزمات محلية حول توزيع المياه وارتفاع تكاليف التزويد بها في القرى والمداشر أما في القطاع الفلاحي، فتؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى ذبول المزروعات الحساسة وفقدان جزء كبير من المحاصيل خاصة خلال فترات الإزهار والإثمار، فضلا عن نفوق المواشي بسبب قلة المياه وتدهور جودة الأعلاف. وهو ما يتسبب في تراجع مداخيل الأسر الفلاحية، وزيادة الهجرة نحو المدن وتنامي الاعتماد على القروض أو المساعدات الطارئة. ونوه بنرامل، إلى أن الانعكاسات لا تقف عند حد البيئة والزراعة، بل تشمل الجانب الصحي أيضا، إذ تلف موجات الحر حالات متكررة من الإرهاق الحراري، وضربات الشمس، والجفاف، وتسمم الأغذية، وهي كلها مشاكل تتفاقم بفعل ضعف التجهيزات الصحية في المناطق القروية. كما تظهر تداعيات غير مباشرة مثل ارتفاع الضغط النفسي وسط الساكنة، وضعف القدرة المؤسسية على التدخل في حالات الطوارئ، في غياب مراكز صحية مجهزة أو فرق طبية متنقلة. ودعا بنرامل، بصفته رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ، إلى اعتماد خطة وطنية مندمجة تقوم على التتبع والإنذار المبكر، والتدبير المستدام للموارد المائية، وتكييف الأنظمة الزراعية، وتعزيز خدمات الصحة الوقائية، وتأهيل البنية الترابية لمقاومة الحرارة. وشدد على ضرورة دعم تقنيات السقي المقتصد، والتشجيع على الزراعات المقاومة للحرارة وتوسيع برامج التأمين الفلاحي، وتجهيز المراكز الصحية القروية، وتوفير الإسعافات المتنقلة ودمج البعد المناخي في تصاميم التهيئة والبناء، إلى جانب حملات التوعية المجتمعية حول الوقاية من الحرارة. واختتم بنرامل تصريحه بالتأكيد على أن تفاقم ظاهرة "الصمايم" وتحولها إلى خطر مناخي متكرر، يفرض على المغرب إعادة ترتيب أولوياته في مجال السياسات المناخية والاجتماعية، باعتماد مقاربة استباقية شاملة تراعي العدالة المجالية وتربط بين المناخ والماء والصحة والفلاحة، مع منح الأسبقية للمجالات والفئات الأكثر هشاشة، خاصة في العالم القروي. وشدد على أن التعامل مع موجات الحرارة لم يعد يجوز أن يكون كظواهر عرضية، بل من الضروري إدراجها ضمن تخطيط استراتيجي طويل الأمد للتأقلم المجتمعي مع تغير المناخ.