يشهد المغرب موجة حرارة مفرطة غير مسبوقة، يرتقب أن تستمر إلى غاية السبت من نفس الأسبوع، وتشمل عددا من المدن بما فيها مناطق ساحلية كانت عادة بمنأى عن درجات الحرارة القصوى. هذه الظاهرة الجوية التي أثارت قلقا واسعا لدى المواطنين والفاعلين البيئيين ليست معزولة عن السياق المناخي العام الذي يعرفه العالم والمغرب على وجه الخصوص، بل تمثل امتدادا لنمط من التطرف المناخي بات يتكرر بوتيرة مقلقة. محمد بنرامل، الخبير البيئي ورئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ، اعتبر أن ما نعيشه اليوم هو نتيجة مباشرة لاختلالات مناخية متداخلة، أبرزها التغير المناخي العالمي الذي بات يفرض أنماطا غير منتظمة من الفصول ويعصف بمفاهيم الشتاء والصيف كما اعتدناها. وقال في تصريح ل"رسالة 24″ "لم نعد نعرف إن كنا نعيش شتاء طويلا، أم فصلا ممطرا أم أننا أمام حرارة مرتفعة بشكل دائم… كل شيء بات غير منتظم ومفاجئ". ويفسر هذا الارتفاع الحاد في درجات الحرارة بعدة عوامل مترابطة، منها قدوم كتل هوائية قارية حارة وجافة من الصحراء الكبرى وتغيرات في مسار التيار النفاث التي تسمح بصعود الهواء الحار شمالا، بالإضافة إلى ضعف التساقطات خلال هذا الموسم مما أدى إلى جفاف التربة وزيادة امتصاصها للحرارة. ويضاف إلى ذلك تأثيرات محلية مثل الرياح الشرقية الجافة وزحف الرمال من الجنوب والتراجع المستمر في الغطاء النباتي والغابات مما يفاقم من ظاهرة الاحتباس الحراري المحلي. كما تلعب التحولات الحضرية غير المنظمة دورا حاسما في تعميق هذه الظواهر. فالمدن خصوصا الداخلية منها تشهد ظاهرة "الجزر الحرارية الحضرية" إذ تمتص المباني والأسطح الإسفلتية الحرارة وتحتفظ بها ما يرفع درجات الحرارة مقارنة بالمناطق القروية أو الخضراء ومع الزحف العمراني المتسارع وتقلص المساحات الخضراء داخل المدن، باتت هذه المناطق أكثر عرضة للاحتباس الحراري المكثف. من جهة أخرى، فإن التأثيرات المناخية العالمية مثل ارتفاع حرارة المحيطات، وذوبان الجليد القطبي والاضطرابات في التيارات البحرية تساهم هي الأخرى في تغيير توزيع الحرارة على سطح الأرض، ما يؤدي إلى طقس غير متوقع في مناطق كالمغرب. وفي ظل هذه العوامل، يحذر بنرامل من احتمالية وقوع ظواهر جوية عنيفة تشمل عواصف رعدية وتساقطات مطرية كثيفة ومفاجئة خاصة في المناطق الجبلية والجنوب الشرقي مما يزيد من خطر الفيضانات المفاجئة، وهو ما يستدعي حالة من اليقظة والتأهب. ويجمع خبراء المناخ على أن المغرب بات يعيش مرحلة مناخية انتقالية تفرض على السلطات ومؤسسات التخطيط البيئي أن تتبنى مقاربات أكثر جرأة واستباقية، سواء من خلال تعزيز الغطاء النباتي أو مراجعة أنماط البناء والتوسع الحضري أو تحسين البنية التحتية لمواجهة الفيضانات وموجات الحرارة، في أفق التكيف مع واقع مناخي جديد لم يعد فيه "الاستثناء" ظاهرة عرضية بل أصبح هو القاعدة.