كشف تقرير صادر عن اللجنة العلمية لخدمة حقوق الإنسان، التابعة للمكتب التنفيذي للمركز المغربي لحقوق الإنسان، أن المنظومة الصحية العمومية بالمغرب تعيش أزمة بنيوية عميقة تهدد الحق الدستوري في الصحة والحياة، وتخالف التزامات المملكة الدولية في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. ووفق التقرير، الصادر بتاريخ 19 شتنبر 2025، فإن المستشفيات العمومية تحولت إلى "فضاءات للمعاناة بدل العلاج"، في ظل تفشي الإهمال والرشوة وسوء التدبير وغياب رؤية حكومية إصلاحية. وأشار إلى أن الاحتجاجات المتكررة أمام مؤسسات استشفائية في مدن مثل أكادير، زاكورة، خنيفرة، طانطان والعرائش، تعكس "أزمة متجذرة وليست أحداثاً معزولة". اختلالات متعددة ورصد التقرير عدة مظاهر خلل، أبرزها:الفساد والإهمال الطبي: من حالات فقدان معدات في ظروف مشبوهة إلى فرض اقتناء مستلزمات جراحية من صيدليات بعينها، مرورا بتأجيل عمليات جراحية انتهت بوفاة مرضى. كما أشار إلى وفيات في صفوف النساء الحوامل والأطفال بسبب غياب أطباء أو أعطاب في التجهيزات الأساسية. ضعف التمويل: ميزانية الصحة لا تتجاوز 5% من الإنفاق العمومي (حوالي 32,6 مليار درهم)، وهو ما اعتبره التقرير غير كاف لتغطية حاجيات القطاع. كما نبه إلى غياب الشفافية في صرف الموارد المرصودة من الجماعات الترابية. خصاص الكوادر الطبية: يبلغ معدل الأطباء في المغرب 4 لكل 10 آلاف نسمة فقط، وهو رقم بعيد عن المعايير التي توصي بها منظمة الصحة العالمية (15 طبيبا لكل 10 آلاف نسمة). كما لفت التقرير إلى هجرة ما بين 600 و700 طبيب سنويا. تعطل التجهيزات الاستشفائية: مثل توقف أجهزة "السكانير" لأشهر بسبب غياب عقود صيانة، ما يضطر المرضى إلى التنقل مئات الكيلومترات. تدهور الصحة النفسية: المغرب يتوفر على 319 طبيبا نفسيا فقط في القطاع العام، في حين يحتاج إلى أكثر من 2000 لتلبية الحاجيات. ارتفاع أسعار الأدوية: في ظل ممارسات احتكارية وغياب مراقبة فعالة، ما يثقل كاهل الأسر، خاصة مرضى السرطان والأمراض المزمنة. تهديد للسلم الاجتماعي وخلص التقرير إلى أن الوضع الحالي "لا يهدد فقط حياة وكرامة المواطنين، بل ينذر كذلك بمخاطر جدية على السلم الاجتماعي"، معتبرا أن الإجراءات الحكومية المتخذة إلى اليوم "لا تتجاوز الحلول الشكلية". توصيات أوصى المركز بعدة إجراءات عاجلة، منها: إقالة الوزير الحالي وتعيين شخصية ذات كفاءة وخبرة. تشكيل لجنة وطنية متعددة الاختصاصات لتشخيص الاختلالات ووضع استراتيجية إصلاحية. رفع ميزانية الصحة تدريجيا إلى 10% من الإنفاق العمومي بحلول 2030. تحسين ظروف عمل الكوادر الطبية ومحاربة الرشوة والمحسوبية. تعزيز الموارد البشرية عبر تحسين الرواتب والحد من الهجرة. -إنشاء آليات فعالة لصيانة التجهيزات الطبية. -إدماج خدمات الصحة النفسية في برامج التغطية الصحية. -مراقبة سوق الأدوية وضمان أسعار عادلة. وختم التقرير بالتشديد على أن "إنقاذ المنظومة الصحية بالمغرب ضرورة ملحة قبل فوات الأوان"، محملا الحكومة مسؤولية مباشرة عن الوضع الراهن.