خلال الأيام الأخيرة، ومع بداية اقتراب موعد تقديم التقرير السنوي للبعثة الأممية (المينورسو) بالمنطقة، تواترت مجموعة من المبادرات والتصريحات التي تلمح، بهذا الشكل أو ذاك، إلى احتمال وقوع تطورات أو مفاجآت في قضية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وربما في المنطقة بالكامل، في أجل منظور. البداية كانت من المغامرة التي انساقت معها جماعة البوليساريو حين حركت مسلحيها، مجددا، نحو المنطقة العازلة (الكركرات)، في محاولة أخرى لعرقلة حركة المرور، وإقامة الحواجز، ومنع (رالي) موناكو دكار من العبور نحو الأراضي الموريتانية. وقد تزامنت هذه المحاولة مع (الاستعراضات) والمناورات العسكرية، لما يسمى ب»الجيش الصحراوي»، التي تؤطرها وتشرف عليها القيادة العسكرية الجزائرية، والتي تحدث خلالها زعيم الجماعة، وبلغة يقينية، عن الاستعداد ل «كل الاحتمالات»، ومنها العودة إلى حمل السلاح وزرع القلاقل في المنطقة. والعنصر الآخر، بهذا الصدد، هو ما تحدثت عنه المنابر الإعلامية من أن الجيش المغربي قام بإجراء احترازي نقل بموجبه دوريات للدرك الحربي ومروحيات خفيفة تابعة للقوات المسلحة الملكية، وأصدر قائد المنطقة الجنوبية أمرا برفع درجات اليقظة والاستنفار، كما تم إعطاء الأمر بنقل أسلحة ثقيلة نحو المنطقة التي تتربص بها ميلشيات البوليساريو، ثم استقبال الممثل الخاص الجديد للأمين العام للأمم المتحدة رئيس بعثة (المينورسو) من طرف السيد عبد الوافي لفتيت وزير الداخلية، نهاية الأسبوع الماضي واستقباله في ما بعد من طرف وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي السيد ناصر بوريطة، حيث جدد السيدان الوزيران للمسؤول الأممي «تحذير السلطات المغربية من استمرار استفزازات ومناورات البوليساريو في المنطقة العازلة». أما العنصر الأخير، فقد تمثل في الوثيقة المسربة عن قيادة القوات الأمريكية في إفريقيا «أفريكوم»، التي تشير إلى أن العمليات الإرهابية قد تتسع في هذه المنطقة، حيث إن فلول «داعش» المنهزمة في العراق وسوريا ستتجه نحو عقد تحالفات مع حركة (الشباب الإسلامي) في الصومال، ومع (بوكوحرام) في نيجيريا، وغيرهما من الشبكات الإرهابية، وأن خطورة هذا السيناريو ستدفع الإدارة الأمريكية إلى بناء قواعد للطائرات بدون طيار في النيجر، على أن يمتد عملها إلى بقية دول المنطقة مع قيامها بهجومات واسعة، خلال السنوات القادمة، على تجمعات الخلايا الإرهابية. هكذا نكون أمام ثلاث إشكالات أو محاور، الأولى تتعلق بما يجرى على الأرض وما تحيكه المجموعة الانفصالية من مناورات، والثانية تهم الرد المغربي المباشر على هذه المناورات، والثالثة تخص احتمالات تسرب فلول ما تبقى من (داعش) ورد الفعل المرتقب من القوى الدولية، ولاسيما منها المنخرطة في التحالف الدولي ضد الإرهاب. فبالنسبة للمسألة الأولى، فهي تؤكد استمرار ما دأبت عليه جماعة الأطروحة الانفصالية، كلما اقترب شهر أبريل، كموعد لتقييم عمل (المينورسو) والوضع في المنطقة، لممارسة نوع من الابتزاز الرخيص، تجاه المنتظم الأممي، برفع بعض الشعارات و(التهديدات) الوهمية من قبيل العودة إلى حمل السلاح. وفي كثير من الأحيان تقع هذه الجماعة في تناقضات صارخة، في مواقفها وسلوكها وخطابها، تماما كما هو الشأن بالنسبة لتصرفاتها تجاه المنطقة العازلة، ومنها منطقة الكركرات التي سبق أن أذعنت للقرار الأممي بالانسحاب منها، لكنها تعود، بمناسبة اقتراب موعد التقرير الأممي، لإثارة الزوابع والبحث عن مبرر للتواجد. أما النقطة الثانية، فيكفي القول إن المغرب، في كل الحالات، يظل منسجما مع موقفه الواضح، وأيضا مع القرارات الأممية والشرعية الدولية، فالرد على التهجمات والاستفزازات، بما فيها الأعمال أو الاعتداءات المسلحة، حق مشروع ومكفول لكل دولة ذات سيادة، ولما بدأت تقرع طبول (الحرب) والتهديد من الجهة الأخرى، كان من حق المغرب، بل ومن مسؤوليته وواجبه، أن يعلن يقظته وأن يتخذ كل التدابير التي يستوجبها الموقف لمواجهة هذه التحركات (المشبوهة). كما يذكر أن المغرب، وعلى النقيض من جبهة البوليساريو، كان قد حظي بإشادة صريحة من الأممالمتحدة خلال الأزمة الأولى في الكركرات (أبريل من السنة الماضية)، بعد قراره بالانسحاب الأحادي، وكذلك بعد سماحه بعودة العاملين المدنيين في إطار (المينورسو)، فيما أن وزيري الداخلية، والشؤون الخارجية والتعاون الدولي، يؤكدان، خلال الأسبوع الماضي، للمبعوث الشخصي دعم السلطات المغربية له ومساندتها لمهمة (المينورسو). أما بخصوص المسألة الثالثة، فالواضح أن اندحار مشروع (داعش) التي كانت تسيطر على مساحة من الأراضي في العراق وسوريا، تعادل مساحة إيطاليا، والتي كانت تتحكم في ما يزيد عن 7 ملايين شخص، يثير الكثير من المخاوف من جانب (فائض) المقاتلين الذين يبحثون عن وجهتهم الآن، والذين تقول المصادر بأن مجموعات منهم تتوجه نحو الساحل الإفريقي، ولا تستبعد أن تكون البوليساريو من التنظيمات القابلة لاستيعابهم. وتجاه هذا المعطى الذي تتلاقى حوله كل الأطراف الجهوية والدولية المعنية، والذي لا يمكن تناوله من كل الجوانب في مثل هذا الحيز، يمكن الاكتفاء بالتذكير ببعض المسلمات، ومنها: أن الخطر الإرهابي، كيفما كان حجمه أو شكله، يجعل كل البلدان والشعوب مرشحة للتعرض لأبشع الجرائم ضد أمنها وحياتها، ومن المفروض في كل بلدان المنطقة المغاربية والإفريقية أن تعي هذا الواقع. أن أية مقاربة جدية وناجعة لتطويق (إعادة انتشار) بقايا الظاهرة الإرهابية تستوجب من المجتمع الدولي، وبالذات (القوى العظمى)، حماية واحترام الشرعية وسيادة الدول ووحدتها الترابية. أن المدخل الرئيسي لتحصين إفريقيا أمام مخاطر تمدد الخطر الإرهابي، هو مدخل المقاربة التنموية الاقتصادية والاجتماعية، والحد من عوامل التشرذم والتوترات، وإلى حد الآن فما يقدمه المغرب من أجل أمن واستقرار إفريقيا يشكل النموذج الأمثل في هذا المجال. وكل هذه العناصر لا يمكن ولا يجوز التغطية عليها بسيناريوهات واختلاقات غايتها (الترويج) لمزاعم وعناد الأطروحة الانفصالية، فقد أصبح معتادا أن تظهر تحركات مريبة تمتد خيوطها نحو مواعيد أو محطات معينة، ولا تقتصر هذه التحركات على موعد شهر أبريل، أو موعد زيارة المبعوث الشخصي للأمين العام الأممي السيد كوهلر، إلى الاتحاد الأوروبي، بل معروف أنها تمتد وتتركز أيضا على موعد تجديد اتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وهذا ما ظهر من امتداد خيوط هذه التحركات المريبة نحو بعض الأشخاص في مؤسسات الاتحاد الأوروبي، كما هو الشأن بالنسبة لمستشار محكمة العدل الأوروبية الذي سارع إلى إطلاق رأي يزعم بأنه يجب إبطال اتفاقية الصيد بين المغرب ومجموعة الاتحاد الأوربي، وذلك لكونه «يشمل المناطق الصحراوية»، وهذا الادعاء يتناقض بشكل صريح مع القرار الذي سبق أن أصدرته محكمة العدل الأوروبية والقاضي برفض الطعن في اتفاقية الصيد البحري. وحتى الادعاءات الرائجة بشأن موضوع (استفادة الساكنة من عائدات الصيد)، فهي مردود عليها بالدراسات المستقلة (بما فيها الأوروبية)، التي تفيد بأن استفادة المغرب من اتفاقية الصيد تنعكس إيجابا على كل المناطق الصحراوية، وقبل هذه الدراسات، معروف أيضا أن المغرب كرس جهودا كبرى من أجل تنمية أقاليمه الجنوبية، وما يزال يواصل هذا الجهد، كما هو ملحوظ من خلال مشاريع الاستثمارات الجديدة التي خصص نصفها للأقاليم الصحراوية. لكن مثل هذه الحقائق لا تروق الجهات المناوئة للمشروعية، لأن ما يهمها هو معاكسة حقوق المغرب ومصالحه الوطنية، وهذا ما يفرض على بلادنا اليقظة الدائمة، والعمل المتواصل لمواجهة كل التحركات المريبة والتضليلية للمرتزقة الانفصاليين ولمحتضنيهم أينما كانوا..