"إن المغرب وهو يتقدم بخطى حثيثة على درب الديمقراطية، الذي لا حد لكماله، لجدير بأن يفتخر، بعد خمس عشرة سنة من الجهود المشتركة، بحصيلة مشرفة من الإنجازات، تشمل ميادين حيوية، من قبيل العدالة الانتقالية، وحقوق المرأة، والتنمية البشرية، ورد الاعتبار للثقافة الأمازيغية كمكون أساسي للهوية المغربية، وتوطيد المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، وتدبير الحقل الديني، على أساس المبادئ والتعاليم والمقاصد السمحة للإسلام". من الرسالة السامية التي وجهها صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى المشاركين في أشغال الدورة الثانية للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان بمراكش يوم 27 نونبر 2014 بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس بشهادة العديد من العواصم والمنظمات الحقوقية الدولية فبلادنا ماضية في تعزيز (الخطة الوطنية للديمقراطية وحقوق الإنسان)، وهي الخطة التي كانت قد أعلنت عنها الحكومة أواسط شهر دجنبر الماضي، والتي جاءت كحصيلة لمشاورات ونقاشات واسعة مع قطاعات حكومية ومع مكونات المجتمع المدني. فقد أفاد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان بأن مبادرة تحيين هذه الخطة مكنت من انتقال عدد التدابير المنصوص عليها، في الخطة الوطنية للديمقراطية وحقوق الإنسان، من 215 تدبيرا في الصيغة الأصلية إلى 430 في صيغتها الجديدة، التي تروم تحقيق المزيد من المكتسبات في المجال الحقوقي بما في ذلك مواصلة الانخراط في المواثيق الدولية ذات الصلة وملاءمة التشريعات الوطنية معها. وعند عرض صيغتها الأولى، بحضور منظمات حقوقية وقضاة وسفراء…، اعتبرت الحكومة على لسان رئيسها بأن الخطة تجسد التزامها ب "اعتماد سياسة حكومية مندمجة في مجال حقوق الإنسان وفق تخطيط استراتيجي تشاركي"، وأنها تلتزم بتسوية كافة ملفات جبر الضرر الفردي العالقة، كما تضمنت بنود الخطة أربعة محاور تشتمل، من بين ما تشتمل عليه: المشاركة السياسية، المساواة والمناصفة، الحكامة الترابية، الحكامة الإدارية والنزاهة، حرية الاجتماع والتجمهر، ومكافحة الإفلات من العقاب… وإذا كانت هناك ملاحظات أو مؤاخذات، بالنسبة للتعاطي مع خطة الديمقراطية وحقوق الإنسان، فإن من بينها ملاحظات تهم جانب التعريف بمضامين هذه الخطة وما تقدمه من مقتضيات تهم صيانة وتعزيز حقوق الإنسان، ولاسيما منها تلك المتعلقة بمبادئ وأحكام الدستور في هذا المجال، فمن المفروض أن تكون هذه المضامين محور التقاء وتعاون كل الفرقاء والشركاء، وأن تكون هناك مبادرات جماعية من أجل نشرها والتعريف بها لدى مختلف أوساط وشرائح المجتمع. فالملف الحقوقي له حساسيته السياسية ووقعه المادي والمعنوي الكبير، وله أبعاده الكونية المؤثرة، والمغرب، في هذا الباب، له من التراكمات والإنجازات ما يجعله مرجعا ونموذجا في العمل من أجل النهوض بحقوق الإنسان وترسيخ قيم الديمقراطية، ولعله يكون من المفيد هنا العودة إلى الرسالة التي وجهها جلالة الملك، نهاية نونبر 2014، إلى اجتماع المنتدى العالمي لحقوق الإنسان بمراكش، حيث قال جلالته: "إن المغرب وهو يتقدم بخطى حثيثة على درب الديمقراطية، الذي لا حد لكماله، لجدير بأن يفتخر، بعد خمس عشرة سنة من الجهود المشتركة، بحصيلة مشرفة من الإنجازات، تشمل ميادين حيوية، من قبيل العدالة الانتقالية، وحقوق المرأة، والتنمية البشرية، ورد الاعتبار للثقافة الأمازيغية كمكون أساسي للهوية المغربية، وتوطيد المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، وتدبير الحقل الديني، على أساس المبادئ والتعاليم والمقاصد السمحة للإسلام. كما أن أوراشا ذات تأثير كبير على حماية حقوق الإنسان، توجد قيد الإنجاز في مجال العدالة والصحافة، والمجتمع المدني، والحكامة الترابية، وحماية الفئات الهشة". وبالفعل، فالمجموعة الدولية تشهد للمغرب بإنجازاته وبالإصلاحات التي قام بها بمحض إرادته السياسية الخالصة، وهو يواصل اليوم مساره المتميز على هذا الطريق بنفس الإرادة والعزيمة. وعلاوة على ما تم إنجازه في المجالات التي أشارت إليها الرسالة الملكية، فإن الحكومة الحالية ماضية في الوفاء بالتزامها بخصوص تسوية ملفات جبر الضرر لفائدة ضحايا الانتهاكات (سنوات السبعينيات والثمانينيات)، حيث صرفت في الأيام الأخيرة الدفعة الأولى مما خصصته (92 مليار سنتيم) لما يقارب ألف ضحية، بالإضافة إلى استفادة الضحايا وذوي الحقوق من الإدماج الاجتماعي والتغطية الصحية، وتسوية الوضعية الإدارية والمالية للمعنيين. وفي الأجواء الشديدة التعقيد التي تحيط بالأجندة الدولية لحقوق الإنسان، وبالرغم من سلوكات التحامل التي يتعرض لها المغرب من طرف جهات معروفة، بما فيها جهات (حقوقية)، فإن تقارير دولية ومؤسسات وازنة لم يعد بمقدورها نكران أو تجاهل الرصيد الحقوقي الذي أحرزه مغرب الألفية الثالثة، ليس فقط على مستوى القوانين والتشريعات، وإنما أيضا في الممارسة وفي فضاء الحياة العامة. وهذا هو الشأن، مثلا، بالنسبة للتقرير الأخير للخارجية الأمريكية الذي تجاوز تلك النمطية و"الكليشهات"، التي كان يتناول بها الوضع الحقوقي في المغرب، إذ أن التقرير الجديد لهذه المؤسسة الأمريكية كان على خلاف حملات التحامل المعتادة، التي يتعرض لها المغرب والتي توظف في حسابات سياسية تمس بقضيته الوطنية، وحتى في ما يخص الوضع الحقوقي في الأقاليم الجنوبية، فقد أقر تقرير الخارجية الأمريكية بعدم وجود حالات تحقيقات أو ملاحقات قضائية تشكل انتهاكا لحقوق الإنسان، وأنه ليست هناك تقارير تفيد بأن الحكومة المغربية (أو المؤسسات المكلفة بالأمن العام للبلاد) قامت بأعمال قتل تعسفية أو أن هناك وجود حالات اختفاء قسري، بل ذهب التقرير إلى حد تثمين عمل اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان في مدينتي العيون والسمارة. وبعد أيام معدودة عن صدور تقرير الخارجية الأمريكية، جاء قرار مجلس الأمن الدولي الصادر، يوم الجمعة الماضي، الذي أشاد بعمل اللجنتين الجهويتين لحقوق الإنسان بالداخلة والعيون، حيث نص القرار على"أن المجلس يشيد بالتدابير والمبادرات التي اتخذها المغرب، وبالدور الذي تضطلع به اللجنتان الجهويتان للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بالداخلة والعيون وكذا بتفاعل المغرب مع المساطر الخاصة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة". هكذا، وعبر مسار غني بالتجربة وبالابتكار، والجهد والاجتهاد، يكون المغرب قد نحت نموذجه المتميز في المجال الحقوقي أيضا، وهو ما مكنه من معالجة العديد من ملفات إرث الماضي، والانكباب على بناء صرح حقوقي متقدم، ذلك أن موضوع حقوق الإنسان لا ينحصر في الحقوق السياسية والمدنية كما تعرفها المواثيق الدولية، ذلك أن التحولات والتطورات التي عرفتها وتعرفها المجتمعات البشرية أفرزت أجيالا جديدة من الحقوق، سواء ما تعلق منها بالحاجيات الاقتصادية أو الثقافية أو البيئية أو الصحية وغيرها… ولذلك، فإن المسافات التي قطعها المغرب، في الميدان الحقوقي لا تعني نهاية الطريق، لأن التطلعات كبيرة والحاجيات تتزايد. وبالرغم من التقاطعات، والتأثيرات الإيجابية المتبادلة بين مختلف أجيال حقوق الإنسان، فإن ما تحقق على مستوى الحقوق السياسية والديمقراطية، وفي مجال الحريات الفردية والجماعية لا يعوض بقية الحقوق المنصوص عليها في الفصل 31 من الدستور الذي يقول:" تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة من الحق في العلاج والعناية الصحية، الحماية الاجتماعية، تعليم عصري، التكوين المهني، السكن اللائق، الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة…". التنصيص الدستوري على هذه الحقوق ليس مجرد صدفة أو تنميق، بل إنه مسؤولية من المسؤوليات الأساسية في خدمة المواطن وصيانة منظومة حقوق الإنسان في كل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهنا يحضر موضوع النموذج التنموي الجديد الذي دعا جلالة الملك، في خطاب افتتاح الدورة البرلمانية، إلى بلورته وبما يحقق التنمية المتوازنة والمنصفة، وبهذا الخصوص تتوجه الأنظار الآن إلى استكمال التصورات والصيغ المطلوبة لوضع النموذج التنموي المنتظر. كما تحضر هنا أيضا التدابير الستة التي حددتها الحكومة لأجرأة مضامين خطاب العرش (في 30 يوليوز 2017)، وهي : * التفعيل الكامل والسليم للدستور، وربط المسؤولية بالمحاسبة. * الحرص على خدمة المواطن والاستماع إليه ومعالجة شكاياته. * تشجيع الاستثمار وخصوصا المنتج للثروة وفرص الشغل، ومراجعة آليات حكامته. * تحسين شروط التنمية البشرية والترابية التي لها تأثير مباشر على ظروف عيش المواطنين. * إصلاح الإدارة العمومية وتحسين حكامتها ورفع مستوى نجاعتها وجودة خدماتها. * استحضار البعد الوطني والاستراتيجي في المخططات والبرامج القطاعية وضمان تناسقها. إنها، بالفعل، تدابير هامة وتتطلب التتبع الدقيق على مستوى الإنجاز وعلى مستوى النتائج المنتظر منها أن تعزز نقط القوة في ما تم إنجازه بنجاح على الواجهة الحقوقية، وأن تقي البلاد من كل مظاهر الاحتقان الاجتماعي، وتسريع العمل من أجل المزيد من الإنجازات على مسار التنمية المتوازنة والمتناسقة مع منظومة حقوق الإنسان من منظورها الإنساني والكوني الشمولي. والمغرب، ومنذ أن أخذ بالمنظومة الحقوقية كما هو متعارف عليها دوليا، أصبح من الأطراف الفاعلة فيها والمساهمة في ممارستها وتطويرها، وبذلك يتقوى إشعاع صورته وتتعزز مكانته في المحافل الدولية والقارية والإقليمية.