إدريس لشكر كابوس يزعج بنكيران وتابعيه في الحلم واليقظة    الوداد البيضاوي يستنكر قرار استبعاده من كأس الكونفدرالية الإفريقية    الرصاص يلعلع بالفنيدق بتوقيف شخص عرض حياة المواطنين للخطر    الحجاج يؤدون "طواف الإفاضة" في أول أيام عيد الأضحى    في عيد الأضحى.. تحضير التوابل المتنوعة تقليد عريق لدى المغاربة    خطيب عرفة يثير جدلا بعد اعتباره أن "الحج ليس مكانا للشعارات السياسية"    في خطبة العيد.. السديس يدعو للفلسطينيين من الحرم المكي    تقرير: المغرب ليس ضمن أسوأ بلدان العمالة لكنه يشهد انتهاكات مُنتظمة للحقوق الأساسية للعمّال    عطلة عيد الأضحى تملأ مؤسسات فندقية بمراكش بنسبة 100 في المائة    الحزب المغربي الحر يندد بسياسة الحكومة ويحملها مسؤولية ترك المواطنين عرضة لعصابات السمسرة في الأضاحي    طقس الأحد.. رياح قوية مع تناثر غبار بهذه المناطق من المملكة    اتفاقية تدمج المعاهد التعليمية للمنظمة العلوية لرعاية المكفوفين ضمن المؤسسات التعليمية التابعة لوزارة التعليم    بلا أضاحي ولا أفراح.. سكان غزة يحيون عيد الأضحى بين الركام وتحت القصف    فرنسا.. الرئيس السابق فرانسوا هولاند يقدم ترشيحه للانتخابات التشريعية    مرض "الإنهاك الرقمي" .. مشاكل صحية تستنزف الذهن والعاطفة    منظمة الصحة العالمية تشخص أعراض التسمم بالكافيين    درجات الحرارة الدنيا والعليا المرتقبة اليوم الأحد    الجيش الإسرائيلي يعلن "هدنة تكتيكية" في جنوب قطاع غزة    قصة الحملات البريطانية ضد القواسم في الخليج    تطبيق "واتسآب" يضيف خصائص جديدة إلى خدمة مكالمة الفيديو    المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب يدعو إلى ترشيد استهلاك الماء    الرحالة عياد المفتحي يُعيد إحياء تقليد الحج القديم برحلة مميزة على دراجة هوائية    عيد الأضحى بالصور من غزة إلى موسكو    سعد لمجرد وحاتم عمور يثيران حماس جمهورهما ب"محبوبي"    حجاج بيت الله يرمون الجمرات في منى    الحجاج يتوافدون على مشعر منى لرمي جمرة العقبة ونحر الهدي في أول أيام عيد الأضحى    الحجاج يرمون "جمرة العقبة" الكبرى في مشعر منى    لندن.. خبراء بريطانيون يشيدون بجهود المغرب لحل النزاع حول الصحراء    ترتيب البطولة الاحترافية.. (الدورة الأخيرة)    3 أندية تتنافس للظفر بخدمات وليد شديرة    مَهزَلة محمد زيان.. يَستجدي التضامن من المُتمرنين والمُبتدئين    المنتخب النسوي لأقل من 17 سنة يفشل في بلوغ المونديال    ميناء الحسيمة يستقبل أول رحلة ل"مرحبا"    عامل الجديدة الخمليشي.. رجل الظل الذي كان له الفضل في عودة الفريق الدكالي إلى قسم الصفوة    الأكاديمي شحلان يبعث رسالة مفتوحة إلى وزير الثقافة .. "ما هكذا تؤكل الكتف"    عودة فريق الدفاع الحسني الجديدي للدوري المغربي الاحترافي الأول لكرة القدم : تألق وإصرار يجسدان العزيمة والإرادة    فيدرالية اليسار تستنكر إغلاق ممرات عمومية تؤدي لشواطئ المضيق    المواشي المستوردة تضعف الإقبال على أسواق الأضاحي بالجنوب الشرقي    للنهوض بمستقبل رقمي شامل ومنفتح وآمن في القارة الإفريقية.. المغرب يعلن عزمه تقليص الفجوة الرقمية    القنصلية العامة للمملكة المغربية ببروكسل تحتفل بالذكرى الستين لتوقيع الاتفاقية الثنائية لليد العاملة بين المغرب وبلجيكا    إرشادات بسيطة لعيد أضحى صحي وسليم.. عن تناول وجبات العيد وطرق الطهي الصحية    فوز صعب لحامل اللقب إيطاليا على ألبانيا في اليورو    أطروحة بالإنجليزية تناقش موضوع الترجمة    لفتيت يفوض صلاحيات جديدة للولاة والعمال    الملك محمد السادس يهنئ عاهل المملكة المتحدة    أزيد من مليون و833 ألف حاجا وحاجة ضيوف الرحمن هذا العام        "الجسر الثقافي بين المغرب وإيطاليا"، معرض للصور الفوتوغرافية يحتفي بالخصائص الثقافية بين البلدين    بوركينا فاسو تجدد تأكيد دعمها لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية    خضع لحصص كيميائية.. تفاصيل جديدة حول وضع الفنان الزعري بعد إصابته بالسرطان    بورصة البيضاء تنهي تداولات الأسبوع على وقع الانخفاض    صديقي: المغرب اعتمد سياسة استباقية لتحسين النجاعة المائية في خدمة السيادة الغذائية    "الصردي".. سلالة تحظى بإقبال كبير خلال عيد الأضحى    الحجاج يقفون على جبل عرفة    حفلٌ مغربي أردني في أكاديمية المملكة يتوّج دورات تدريبية ل"دار العود"    النشرة الأسبوعية.. 27 إصابة جديدة ب "كوفيد-19"    الفنانة بطمة خالة للمرة الثالثة    التعاون الثقافي بين الرباط وبكين يجمع بنسعيد بنظيره الصيني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محطات من تاريخ آسفي الضارب في القدم
نشر في آسفي اليوم يوم 05 - 03 - 2011

بقلم: عبد الله النملي · آسفي كانت منطلقا لملح البارود المغربي الذي لم يكن يوازيه أي ملح في العالم، والذي كان الدفاع الحربي الانجليزي يعتمده...
· كانت آسفي تصدر الشمع نحو الخارج، حيث كان المستهلكون يقبلون عليه لقوة نوره وصفائه، وللرائحة التي يستنشقونها عند احتراقه، وكأنه مزج بمادة العطر...
· آسفي أقدس مناطق المغرب وأكثرها ازدحاما بالصلحاء والأولياء، تنبت أرضها الصلحاء كما تنبت العشب، عرفت حياة دينية مكثفة، ووصفت بكونها أقدس مكان بمجموع افريقيا، حتى أشاع الناس أن كل حجرة بساحل آسفي هي لولي...
· آسفي صارت مقترنة بذكر الولي الصالح أبي محمد صالح، الذي أسس بها رباطه الشهير وأنشأ بها مؤسسة الركب الحجازي...
· آسفي وقع ثلاثة من أبنائها على وثيقة الاستقلال...
مدينة آسفي واحدة من المدن المغربية التي تستمد شهرتها من عراقتها الضاربة في القدم، حتى أنه لايعرف بالضبط العصر الذي تأسست فيه المدينة، فهي قديمة قدم التاريخ. ونظرا لعراقتها في القدم فقد اختلف الباحثون والمؤرخون في أصل نشأتها، فمن قائل أنها مدينة بربرية، أو فينيقية، أو كنعانية، أو إسلامية. ولعل التضارب حول ظروف الاستيطان ومراحل النشأة هو الغالب أيضا على تسمية آسفي، وقد حيكت حول اسمها والأصل الذي اشتق منه، تفاسير مختلفة نظرا لغياب نصوص صريحة ترفع كل هذه الإلتباسات . وعلى الرغم من عراقة آسفي فإنها لم تحظ بما تستحق من فرص الذكر في كتب التاريخ، حتى استغرب لذلك العديد ممن أرخوا لآسفي واشتكوا من شح مادتها في كتب البلدان، ولا غرابة في ذلك، فالمدينة توالت عليها مجموعة من النكبات التي طمست الكثير من العناصر التي يمكن الإعتماد عليها في التأريخ، فكل من يستقر بها يتلف جزءا غير يسير من معالم ماضيها، فالبرغواطيون خربوا ثلاثمائة مدينة، ومن جملتها ثغر مدينة آسفي في المائة الثالثة للهجرة، وتلاهم المرابطون والموحدون، وتوج البرتغاليون هذا التاريخ المظلم فأوقدوا فيها النار ودمروا ما بها من آثار، حتى أن آسفي بقيت مدة 12 سنة وهي مخربة. ولعل الفقر الكبير والمهول في المادة المصدرية عن آسفي يمكن إرجاعه أيضا لزهد المغاربة في التدوين وميلهم للرواية الشفوية، بل حتى الموجود من الكتابات حول آسفي، متناثر بين بطون المصادر التاريخية، وحتى ملاك بعض الوثائق بآسفي وغيره، يصرون على خنق أنفاسها وحجبها عن التداول والإنفاق، مما يجعل جزءا مهما من تاريخ آسفي لازال مجهولا أو حبيس الرفوف والمكتبات الخاصة والمخطوطات ودفات المصادر المختلفة، في انتظار أن تستهدفه أبحاث الطلبة والمختصين. ومع كل ذلك يشهد الجميع أن آسفي ساهمت بقسط وافر في تاريخ المغرب، ولعبت أدوارا مهمة كشفتها الدراسات والأبحاث، حيث عاشت بآسفي أجيال كثيرة، وتعاقبت فيها حوادث مختلفة، وتوقفت عندها المصادر التاريخية، وتردد ذكرها عند مجموعة من المؤرخين، مخلدين بذلك ذكراها وما شكله وجودها من أهمية متفاوتة عبر التاريخ. وإذا كان من الواجب التوقف للإشادة بالمجهودات الكبيرة التي بذلتها جمعيات وأسماء معروفة في مجال البحث والتاريخ وبينهم باحثون من أبناء آسفي، فإنه من الواجب أيضا التنبيه إلى مدى فداحة التقصير الذي ظل يحول دون الأخذ بناصية البحث والكشف عن تاريخ آسفي. إن كل من تناول تاريخ آسفي من المؤرخين، يقر بما لايدع مجالا للشك، أن جذورها تضرب عميقا في مجاهل التاريخ، لا يعلم قدرها إلا الله. وقد حظيت منذ القدم بأهمية بالغة تؤكدها الشواهد التاريخية، من مآثر وقلاع ومواقع مرتبة في عداد الآثار، حيث تعتبر آسفي من أغنى المدن المغربية بالمآثر البرتغالية، تقف أسوارها الشامخة شاهدة على ماض مجيد يختزل ذاكرة من أسسها وسكن ربوعها ووطأ أرضها، وهي جزء من ينابيع الأصالة والطبيعة على حالتها الخام رغم واقع التهميش الذي فرض عليها قسرا. وحسبي أن أذكر في هذا الصدد دون كثير من التفصيل، أن اسم آسفي ورد ضمن أمهات المعاجم التاريخية، كمعجم البلدان لياقوت الحموي، ونظرا لأهميتها فقد خلدها الكتاب والرحالة بكلام جميل، وذكرها الرحالة المغربي الشهير ابن بطوطة في مذكراته الشهيرة التي ترجمت إلى أكثر من عشرين لغة، وزارها وزير غرناطة لسان الدين بن الخطيب فوصفها في كتاباته، وأقام بها البرتغال قصر البحر كمعلمة معمارية من البناء العسكري المانويلي. وأغرم بها ملك البرتغال الدون إمانويل فشيد بها كاتدرائية بهندسة فريدة. وتحدثنا كتب التاريخ أن آسفي كانت من أقدم الموانئ الإفريقية وأهم الموانئ المغربية، مما جعلها تشهد رحلات علمية شهيرة مثل رحلة راع 69-70 ورحلة الطوف1974 . وقديما اتخذها المرابطون مركزا لتجميع قوافل الذهب الإفريقي، الذي ينقل عبر السفن إلى الأندلس لسك النقود، كما تحولت إلى ميناء دبلوماسي ترسو به السفن الأوربية التي ترغب في إبرام الإتفاقيات الدولية بالعاصمة مراكش، كما أقام بها الإنجليز مركزا تجاريا وأنشأوا بها في القرن التاسع عشر مخزنا لتجميع كل ما يصدر من آسفي إلى انجلترا. وشكلت آسفي منطلقا لملح البارود المغربي الذي لم يكن يوازيه أي ملح في العالم، والذي كان الدفاع الحربي الانجليزي يعتمده، إضافة لكون المدينة كانت تصدر الشمع نحو الخارج، حيث كان المستهلكون يقبلون عليه لقوة نوره وصفائه، وللرائحة التي يستنشقونها عند احتراقه، وكأنه مزج بمادة العطر. وتجدر الإشارة كذلك إلى أن آسفي كانت تزود أوربا بأجود الصقور المغربية التي ساهمت في تطوير هواية القنص منذ العصور الغابرة، كما روضت المدينة الطين وجعلته يستجيب للإحتياجات اليومية حتى أحدث بها المتحف الوطني للخزف، وكان الراحل الحسن الثاني حريصا على الأكل من أطباقها الخزفية، كما أفلحت في تحدي أمواج البحار، حيث كانت عاصمة العالم في صيد السردين، واشتهرت بمعامل التصبير والربابنة والرياس الكبار، فأغرت بلذائذ أسماكها الجيران فجاؤوها محتلين. ولعل أهم حدث عرفته آسفي هو وصول القائد الإسلامي عقبة بن نافع، حيث ترك بها صاحبه شاكر لتعليم الأمازيغ اللغة العربية والتعاليم الإسلامية، ولهذا التابعي رباط مشهور إلى اليوم يعرف برباط سيدي شيكر، وهو من أقدم الرباطات، أصبح اليوم يعقد به ملتقى سيدي شيكر العالمي للمنتسبين للتصوف، والغريب أن دوراته السنوية تقام كلها بمراكش بدلا من آسفي، في حين يصر البعض عندنا ومعهم وزارة الثقافة على اختزال تاريخ آسفي في صرف المال على العيطة والشيخات ومنصات الهيب هوب ضاربين عرض الحائط تاريخ المدينة وهويتها المجسدة في التاريخ والبحر والخزف. وشدد المؤرخ الإغريقي سيلاكس بعد زيارته لآسفي، أنها أقدس مناطق المغرب وأكثرها ازدحاما بالصلحاء والأولياء، تنبت أرضها الصلحاء كما تنبت العشب، وذكر أن بها حياة دينية مكثفة، وعلى أنها أقدس مكان بمجموع افريقيا، حتى أشاع الناس أن كل حجرة بساحل آسفي هي لولي،ذلك أن ظاهرة الصلاح بآسفي تضرب بجذورها عميقا في تاريخ المغرب. وإذا كانت بعض النواحي معروفة بما يوجد بها من كبار الصلحاء، فكذلك آسفي التي صارت مقترنة بذكر الولي الصالح أبي محمد صالح، الذي أسس بها رباطه الشهير وأنشأ بها مؤسسة الركب الحجازي، حتى باتت مركز إشعاع علمي وصوفي، وملتقى لأهل العلم وطلابه. وبفضل هذا الإشعاع أضحت موطنا للفكر الصوفي وثغرا للمجاهدين. وبالرجوع لتاريخ آسفي الحافل بالبطولات، تستوقفنا مقاومة ساكنة آسفي للغزاة البرتغاليين، وهو ما يفسر وجود أضرحة كثيرة على طول ساحل المدينة، تضم رفات العديد من المجاهدين. ومن آسفي اختار الشيخ أبي محمد سليمان الجزولي الجهاد، كما أطلق الإشعاع لطريقته الصوفية، ولا يزال رباطه موجودا إلى اليوم قرب قصر البحر، يواجه كل صنوف اللامبالاة والإهمال. وفي فترة الاستعمار الفرنسي، كانت آسفي سباقة إلى إطلاق شرارة المقاومة، حيث تشكلت بها العديد من منظمات الكفاح المسلح، ولا غرابة في ذلك حيث أن ثلاثة من أبنائها وقعوا على وثيقة الإستقلال. وملح الختام آسفي التي احتضنت على الدوام ساكنة يهودية كبيرة لم تشهد كبعض المدن المغربية تأسيس ملاح يأويها ويعزلها وراء أسوار منيعة، فقد عاش بها اليهود بين المسلمين دون ملاح يحط من شأنهم. والخلاصة: إن تاريخ مدينة آسفي هو صفحة فخار من تاريخ حافل بالأحداث المجيدة، التي سطرها أبناؤها عبر كل العصور وسجلوا بجلائل الأعمال حبهم بها، حتى اقتحموا بها مدارج العلا، فإن كنت قد سجلت في هذه المقالة بعضا من تاريخ آسفي بطريقة انتقائية، فقد غابت عني الكثير من الحقائق التي أخفتها دفات الكتب أو طمست معالمها حوادث الأيام، وما كتابتي لهذه السطور إلا لأستحث الهمم لعلهم يتحمسوا ليتداركوا النقص الحاصل في التعريف بآسفي ونفض غبار الإهمال والنسيان عن بعض صفحاتها المشرقة ولكن حسبنا أننا دللنا على الطريق، فمن اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.