إن أعين الغرب كانت شاخصة صوب العالم العربي خلال القرنين الأخيرين فتكالبت و لا تزال عليه قوى غربية فعانت شعوبه من احتلالها و بات في الوقت الراهن يشكو من طغيان أمريكا و إسرائيل من جهة و المد الشيعي من جهة ثانية و هيمنتهم على شؤونه المصيرية ، أصبح مع ذلك العرب عاجزون على إدارة أمورهم الوطنية .. و لا تلبث هذه القوى إلا أن تتدخل لوضع يدها بغرض إما حلحلة المشاكل العويصة التي تنتاب بين الفينة و الأخرى حدائقها الخلفية و تلعب في الميدان متى و كيف تشاء أو قد تغرق مستعمراتها القديمة في مستنقع التطاحن .. فيتم استبعاد الحلول السياسية و ترجيح كفة القرارات العسكرية لترويج و استخدام ما جد مما ابتكرته المصانع العسكرية الغربية و تجريب هذه الأسلحة الفتاكة بما فيها الغازات السامة و الكميائية على العرب كفئران تجارب و قد صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون مؤخرا " لن يكلفنا غزو العرب عناء بعد اليوم ، سنقضي عليهم بأيديهم " و لا يخطر على بال هؤلاء تقديم اقتراحات تأمر بوقف المذابح المروعة كالتي تجري حاليا بسوريا .. بل تتنافس على عسكرة الأطراف المتناحرة .. كون هذا المسعى مشروع تستنكره كافة مجتمعات المعمور .. و يرى مراقبون أن الغرب يستبعد صفقة العمل السياسي و الفكري أمام تغليب منطق الصفقات نحو سباق التسلح من أجل أن ينخرط العرب في السعار المحموم .. ألا ينفع الفكر في لحظات تصاعد المعارك و محاولات التفوق في نوعيات تعذيب الذات العربية .. و في السياق ذاته ، يبدو أن العنف في ظل التجاذبات العسكرية يبقى هو الصبغة الكبرى و السمة المسيطرة على كافة فرقاء النزاع بالشرق الأوسط في وقت أن ساسة المنطقة لم يتعظوا من ويلات الحرب الأهلية اللبنانية التي دامت ما ينيف على عقد و نصف و أتت في أعقابها مهالك تنقلت بين الأمصار العربية و الإسلامية كأنها فصول دموية تتبارى فيما بينها بكل أنماط الفضائع المبتكرة .. كان من تداعيات هذه الأخيرة غزو العراق و تفكيك ترسانته العسكرية العراقية الخالصة التي كانت قوة ضاربة في المنطقة علاوة على اغتيال علمائه في الذرة و إعادته إلى زمن القرون الوسطى .. تلك مآلات مفجعة تطورت إليها فشل السياسة العربية الدولية عموما .. على مستوى الديبلوماسية أو فيما يتعلق بركام العجز المتنامي على مستوى التنمية الإنسانية و الاقتصادية للمجتمعات العربية .. فالاستقلال الوطني الذي نعمت به شعوب الأمة العربية بتحررها من الاحتلال الأجنبي لأوطانها ، لم يقترن بمشاريع نهضوية متصفة بالواقعية ، لم تتحقق أي معادلة منظورة بين نشأة الدولة العربية المستقلة و بين فعاليات مجتمع منطلق الإرادة .. إذ أن هذه الدول عجزت عن توفير الشروط المادية و المعنوية لنشأة المجتمع الحر ، فتنامى نمط التناقض المحوري مجددا بين قطبي الدولة و المجتمع ، فأمضت الأمة حوالي نصف قرن و النيف معانات إشكالية هذا التناقض ، فلم تستوعب المجتمعات العربية الديمقراطية و السير بها إلى مدارج الرقي بالإنسان العربي ، فأصبحت تعاني تبعات ذلك ، و يبدو أنه بالرغم من تنصيب حكام جدد عن طريق الشرعية ، أستعجلت الشعوب نتائج ثورات ربيعها الديمقراطي بغض النظر عن بعض الانتهازيين الملحدين بمصر الذين يريدون إجهاض ما حققته الثورة سعيا وراء البحث عن حطام آخرين كما يجري بمصر ، اليمن و ليبيا الدخول في محاولات انقلابية على أنظمة لم يمر عليها عاما كاملا في مقاليد الحكم ، ما أدى إلى لخبطة في التوجهات السياسية ، فدخلت سواء سوريا التي تحول ربيعها الديمقراطي إلى اتساع دائرة الحرب فيها بدعم خارجي لفائدة النظام المستبد أو تلك الدول التي هبت رياح ربيعها العربي بنسمات أنظمة جديدة تراهن على التداول السلس للسلطة .. فلم تفلح الردود المقنعة و المتصارعة عن الأسئلة المطروحة : من يحكم ..؟ في بناء أية معادلة توازي بين المصلحة العامة للسواد الأعظم و بين النزعة الفردية و النرجسية للفئة المهيمنة على الحكم ، الأجوبة تجنح دوما لدى أصحابها من دعاة التغيير و الإصلاح إلى إيجاد أنظمة إيديولوجية جاهزة مقترحة كحل ميسر لمعظلة المواطنين ، السياسة و الثقافة .. و لكن حتى اللحظة لم يتمكن الضمير السياسي العربي السائد من حال إلى حال أن يكون واقعيا .. و برأي مراقبون أنه بالرغم من كل هذه النقلة النوعية في محاولة نهج الديمقراطية ببعض البلدان العربية التي اجتاحتها رياح الربيع العربي العاتية ، فلا زالت التبعية للغرب قائمة .. و حتى و إن حسب البعض أن شمس الحرب الباردة أفلت إلى الأبد مع أفول الاتحاد السوفييتي ، فإنها ما فتئت تبزغ تارة و تختفي تارات وسط غيوم ملبدة.. و يبدو أن الربيع العربي السوري ، قد اتخذ منحى آخر انفلتت خلاله الوحشية من عقالها من قبل نظام يريد تكريس الاستبداد بدعم من حلفاءه و لم يعد هذا الربيع أن يظل واعدا مبشرا شعوبه بالنهضة الإصلاحية إن لم تقتلع عن براعم حقوله أشواك الحقب المرعبة المظلمة.. كيف أن العرب يحتاجون إلى مراجعة أنفسهم اليوم حول الكثير من القضايا و إدراك أن العمل العربي المشترك يجب أن يعود ليمثل أولوية أولى لدى صناع القرار في عالمنا العربي ، فلا يمكن أن يظل العرب أسرى رد الفعل على القرارات الأمريكية أو رغبات ساسة إسرائيل..؟؟؟